الأولى

هل واشنطن تقاتل «النصرة»؟!

| بيروت – محمد عبيد 

هل يكفي البيان الروسي-الأميركي «الهاتفي» الذي ورد في إحدى فقراته (اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد مناطق سيطرة «داعش» و«النصرة» في سورية) لدفع واشنطن وحليفيها التركي والسعودي إلى الالتزام العملي بمحاربة جبهة النصرة- الفرع السوري للقاعدة- والتنظيمات الإرهابية المنضوية تحت لوائها وإن اختلفت وتعددت أسماؤها (جيش الفتح، أحرار الشام وغيرهما)؟ فمجرد الحديث عن تحديد مناطق سيطرة كل من هذين التنظيمين الإرهابيين يحمل في طياته النيات الأميركية في التمييز بينهما وتكريس ازدواجية في معايير التعاطي مع كل منهما وفق ما تفرضه المصالح الأميركية أو الحليفة، وهو ما ظهر جلياً من خلال استخدام النصرة وأسمائها المتنوعة في الارتداد على هدنة وقف الأعمال القتالية في مدينة حلب وريفها والاعتداء على المدنيين في أحياء هذه المدينة.
وإذا عدنا إلى السياق الأميركي في مقاربة الأزمة في سورية وجدنا أنه ومنذ بداية هذه الأزمة باءت محاولات واشنطن تجنيد أو استثمار قوة عسكرية تحمل تسميات «وطنية» بالفشل، على الرغم من صرف ميزانيات مالية هائلة قُدرت بمئات ملايين الدولارات وإنشاء معسكرات تدريب نوعية وغرف استخبارات سوداء في عمان وغيرها. على حين كانت قطر أولاً ومعها تركيا تستقدمان الإرهابيين التكفيريين من أكثر من ثمانين دولة في العالم وتؤسسان لهم حالات تنظيمية وتنشرانهم على الأراضي السورية مع ما رافق ذلك من تجنيد لماكينات إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي تضليلية تمثلت بشكل رئيسي بمحطة «الجزيرة» القطرية ومواقع ما سمي «التنسيقيات» المناطقية التي وفر لها المال القطري أحدث تقنيات الاتصال الفضائي إضافة إلى استديوهات فبركة فيديوهات الجرائم التي أُلصِقت حينها بالجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية. غير أن هذه الاندفاعة القطرية للعب دور المحرك الإعلامي والمستثمر السياسي من خلال إمساك الدوحة بقرار جامعة الدول العربية لما سُمي «الربيع العربي»، اصطدمت بحائط الصمود السوري وبضرورة إعادة التموضع بعد التغيير الذي طاول تركيبة العائلة الحاكمة وتقدم المفاوضات الإيرانية-الأميركية فيما يعني الاتفاق النووي، وهو أمر طبيعي ذلك أن الأدوار القطرية تتحرك وفق الإيقاع السياسي الأميركي وخصوصاً عندما يتعلق الموضوع بجار نافذ كإيران. فتقدم النظام السعودي بعدما يئس ومعه كيان العدو الإسرائيلي من إمكانية تعطيل الاتفاق المذكور وخوفاً من تداعيات هذا الاتفاق الإيجابية على القوى الحليفة لطهران في المنطقة وفي مقدمها سورية وحزب الله.
لاشك أن النظام السعودي الجديد تحول بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الغربية إلى وحش كاسر مستلهماً نظرية الحروب الاستباقية الأميركية أيام جورج بوش الابن كذلك تجربة العدوان الإسرائيلي على المقاومة في لبنان في شهر تموز العام 2006 في حربه على الشعب اليمني وفي محاولاته حصار حزب اللـه سياسياً وإعلامياً كما تورطه المباشر والعلني في دعم وتمويل وتسليح وتدريب المجموعات الإرهابية التكفيرية في سورية.
وجدت واشنطن في تشغيل حليفيها السعودية وتركيا لجبهة النصرة ومتفرعاتها في سورية ضالتها المنشودة وقوتها التي يمكن أن تستثمر فيها لإيلام محور المقاومة (سورية وإيران وحزب الله) وكبح جماح الاندفاعة الروسية بعدما عجزت عن تشكيل أو إيجاد مثل هذه الجبهة، وقد شكلت مفاجأة الاعتداء على منطقة العيس ومن ثم حلب وريفها وبالأمس خان طومان الصدمة الأولى لتغيير موازين القوى في الميدان بعدما تمكنت الدبلوماسية السورية في جنيف من استثمار رجحان كفة محور المقاومة وروسيا على طاولة جنيف3، والرسالة المباشرة التي أرادت واشنطن إيصالها حول عدم السماح لخصومها وأعدائها الاستهانة بقدرتها على قلب الموازيين والطاولة معاً متى شاءت ولو بأدوات إرهابية وعلى حساب دماء السوريين الأبرياء..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن