ثقافة وفن

عمليات التجميل بين الدافع والضرورة.. «كونوا أنتم»

إيمان أبو زينة: 

من منا لا يحلم بتناسق الجسم والوصول إلى مقاييس الجمال دون اللجوء إلى إرهاق الحميات وتعب التمارين؟
ومن منا لا يتمنى الحصول على وجهٍ دون عيوب أو تشوهات دون اللجوء إلى عيادة طبيب التجميل؟
«ريمة» فتاة جميلة ذات جسد متناسق وطويل تحسدها عليه جميع صديقاتها، لكن مشكلتها التي تؤرقها وتقلق نومها تكمن في أنفها الكبير الذي لا يناسب شكل وجهها وجمال عيونها، ما يجعلها تتعرض للسخرية والتعليقات اللاذعة ممن حولها، الأمر الذي بات يحرجها ويعزلها في كثير من الأحيان عن محيطها كي تتفادى سماع ذلك، ورغم ذلك هي تخاف من إجراء جراحةٍ تجميلية مع العلم أن جميع المحيطين بها يشجعها على فعل ذلك.
هذا ما نسمعه من أعداد كبيرة من الشباب في كل يوم نلتقي فيه أحدهم ويملك مثل هذه المشكلة، ومن أجل الوصول إلى معرفة المعلومات الصحيحة التي تتعلق بحقل التجميل، التقينا الدكتور «شادي رحمة» أخصائي الجراحة التجميلية وسألناه بداية عن معنى كلمة Plastic Surgery، فقال: إن هذه العبارة جاءت من كلمة Plastic من الكلمة اليونانية plastikos وتعني القولبة أو التشكيل، وهذا يعني أن ما نسمعه من الأشخاص غير الاختصاصيين لا يرتبط نهائياً بما يقال عن أن ما يتم وضعه من مواد في جسم المريض بعمليات التجميل هو مادة البلاستيك كما قد يتبادر إلى أذهان البعض. وأحب أن أؤكد أن المواد التي نحقنها سواء في الوجه أو الثدي هي مواد مصنّعة أو طبيعية موجودة أصلا في جسم الإنسان، أو مستخرجة من الحيوانات.

إن اللجوء إلى عمليات التجميل بات هاجسا لدى العديد من النساء والرجال، ولم يعد يقتصر على إجراء عمليات ضرورية مثل عملية الشفة الأرنبية، أو آثار الحروق على الجلد، أو آثار الحمل والترهلات، أو آثار الجروح والكسور، لكنها باتت تشهد طفرة كبيرة تثير الكثير من التساؤلات، وتشكل نوعا من الهروب من الواقع خصوصاً في ظل ظروفٍ قاسية نعيشها في وقتنا الراهن. وقد أكد الدكتور «رحمة» أن تطور الحياة الاجتماعية العامة، وتطور مستوى الوعي والحالة الثقافية، لدى الناس ساعد كثيراً على انتشار عمليات التجميل، فأصبح الرجل يهتم بمظهره وخاصة حين يرتبط ذلك مع تبوؤ بعض المناصب التي تقتضي الاهتمام بالمظهر بشكل أساسي مثل موظفي البنوك وشركات التأمين والإعلام، لكن ما تقولين عنه إنه طفرة ليس في الحقيقة إلا بسبب الترويج الذي تقدمه وسائل الإعلام والانترنت حول هذا الموضوع لأنه أصبح موضوعا دسما لا تخلو محطة إعلامية منه، وكذلك لأنه أصبح ثقافة عامة مع تطور الحياة وانفتاح الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
التجميل والحرب
المجند «علي»، والمجند «أغيد» أصيبا إثر سقوط قذيفة هاون حين كانا في نوبة حراسة عند أحد الحواجز الأمنية بمنطقة قريبة من دمشق، وقد فقد الأول عينه اليمنى، والثاني أصيب بتشوهات في وجهه نتيجة تعرضه للهب القذيفة.
يقول الدكتور «شادي رحمة»: كلما استمرت الحرب زادت التشوهات الناتجة عن القذائف تحديدا، وفي ظل الأزمة التي يعيشها وطننا فإننا كأطباء تجميل نعمل أكثر على الجراحة الترميمية والتصنيعية الناتجة عن الضياع المادي لأحد أجزاء الجسم أثناء التعرض للقذيفة أو شظاياها مثل بتر الساق أو أحد الأطراف بحيث نعوض الطرف المقطوع بأحسن صورة وأحسن وظيفة. أيضاً هناك تشوهات الحروق والندبات الناتجة عن الحرق، إضافة إلى المصابين بعاهات مستدامة مثل العمى الكلي أو الجزئي، ولا ننسى أمراض الاضطرابات النفسية مثل الإحباط والاكتئاب نتيجة العاهة.
إن عدم اختيار جراح التجميل الصحيح، وإجراء عمليات تجميل دون وجود استطباب مناسب، زاد عدد مصابي الحرب ذوي الإعاقة الدائمة بسبب عدم توافر الإسعاف اللازم في الوقت المناسب، لذلك تكون النتائج متواضعة وغير مرضى عنها ما يحبط المريض ويجعله عرضة لأمراض جديدة لا تتعلق بالتجميل.
ولدى سؤال الدكتور عما يتردد حول ازدياد عمليات التجميل في فترة الحرب أجاب: أتصور أن لاشيء تغير حتى الآن، لكن الذي تغير هو رأي الناس، فهم يتصورون أنه من غير المعقول أن يكون هناك تجميل في هذه الفترة، لكن الحقيقة كما أرى أنهم أرادوا أن يلاحظوا هذا الأمر الآن، فالعمليات التجميلية مستمرة ولم تزدد، حتى إني أستطيع القول إن النسبة هي نفسها إن لم تكن أقل بسبب الأوضاع المادية السيئة للجميع، والرأي الذي يُنشر حول زيادتها هو رأي مغلوط، لكن انتباه الناس واستهجانهم لاستمراريتها هو الذي أعطى هذا الانطباع بزيادتها.

التجميل والـ Selfy
«لين» فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها تخجل دوما من شكل أسنانها، ولا تظهر ضاحكة في أي صورة، حتى إنها لا ترضى أخذ صور «سيلفي» لنفسها لتضعها على صفحات التواصل، ما جعلها تلجأ للطبيب المختص الذي صحح أسنانها بشكل كامل، وأصبحت على أتم الاستعداد كي تأخذ صورا ذاتية وهي مبتسمة، وحين سألناها عن ذلك فسرت موقفها قائلة: أصبحت أشعر بقدر أكبر من الارتياح لابتسامتي، ولم أعد أجد حرجا من إظهار ذلك في أي صورة قادمة.
و«لين» هي واحدة من بين الكثيرين الذين باتوا يلجؤون إلى جراحي التجميل لتحسين مظهرهم، سواء عبر تجميل الأنف، أو نحت الجسم، أو إزالة تجاعيد الجفون، والبوتوكس، والفيلار، لتحسين مظهرهم في صور السيلفي واهتمامهم بعرض صورهم على وسائل الاتصال الاجتماعي، وقد أرجع الدكتور «رحمة» هذا الأمر حسب وجهة نظره إما بسبب عدم رضا المرضى عن أنفسهم حيث إنهم يرون عكس ما كانوا يتوقعون أثناء تصويرهم لذاتهم رغم أنهم لا ينتبهون إلى ذلك في يومياتهم العادية، وإما بسبب الرغبة بالخروج من التعب النفسي نتيجة الظروف السيئة أو بسبب الإحباط فيكون التجميل منفذا للتغيير، والغريب في الأمر أن البعض بات يلجأ للدين أو لبيع المجوهرات من أجل هذه العمليات، لكن يبدو أنها تسبب لهم السعادة بشكل أو بآخر وخاصة مع زوال المشكلة ما يستدعي انسجاما داخليا وثقة كبيرة بالنفس.
ومع ذلك وبصفتي طبيب تجميل أحب أن أقدم نصيحة طيبة لجميع الراغبين بالتجميل من أجل السيلفي أو لأي سبب آخر بأن التميّز والفرادة بشخصية الإنسان وثقته وإيمانه بجماله، إضافة إلى نشر الشعور الإيجابي تجاه كل شيء حوله هو ما يجعله متميزا، لذلك أقول لهم: «كونوا أنتم» لأني أخاف أن تصبح العمليات التجميلية هاجسا يبدأ من الأنف ولا ينتهي إلا بالندم، وخاصة حين نعلم أنها لم تُجر إلا بسبب أعذارٍ واهية.

التجميل والثراء
أصبحت عمليات التجميل مؤخراً موضة أكثر من كونها ضرورة، وأصبح الجميع يقبل عليها بشدة وخاصة في ظل التقدم العلمي الذي يشهده العالم، وظهور أجهزة كثيرة تعتمد على أحدث تقنيات التجميل، لذلك أصبحت عيادات التجميل مكانا لتحقيق النجاح والثراء السريع للأطباء مع زيادة نسبة نجاح العمليات التجميلية وخاصة الكبيرة منها والتي تجرى لأكثر من عملية في وقت واحد، قال الدكتور «رحمة»: إن ما نسمعه عن الثراء الفاحش الذي يصل إليه طبيب التجميل ليس صحيحا، فأنا أرى أن الثراء يأتي من خلال النتائج المبهرة والمرضية التي حققها الطبيب خلال سنوات عمله الطويلة، إلا أن الطبيب الذي يعتمد على زيادة عدد العمليات للحصول على أكبر قدر من المال خلال فترة قصيرة هو طبيب فاشل لأنه سيحقق الثراء كما أراد لكن ذلك لن يكون لفترة طويلة لأن نتائج عملياته ستظهر في المجتمع وتأخذ نتائج عكسية لأن عمليات التجميل لغير الاستطباب ولغير الحاجة ستتحول إلى تشويه، وبالتالي ستؤثر في سمعة الطبيب، وهذا يعني أن الفترة السريعة التي اشتهر بها ستهبط بنفس السرعة، لذلك فإن الزيادة من غير الحاجة لن تؤدي إلا إلى الإفلاس.
أخيراً، بين رأي الدين، والطب النفسي، والناس، يقول الجميع إن اختيار الجراحة التجميلية يجب أن يبدأ بالتركيز على الدافع عند المريض، لأن الدوافع سواء كانت حاجة لإسعاد الآخرين، أو للمحافظة على الزواج، أو على علاقة الحب، أو رغبة شخصية في التغيير في المظهر الخارجي، قد لا تكون مناسبة للجراحة، وأن جمال الروح والعقل، وجمال الإنجاز والشخصيّة العميقة، هم أساس الجمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن