قضايا وآراء

المواجهة الأميركية مع الصين في بحرها الجنوبي

b| د. بسام أبو عبد الله 

لم يكن استخدام الصين لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي مع روسيا لمنع تمرير قرارات أميركية غربية ضد سورية أمراً عابراً، أو ردة فعل غاضبة، وإنما أتى ضمن إطار مواجهة نظام الأحادية القطبية، وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب يكون أكثر عدالة، ويقوم على مبادئ جديدة تنهي مبادئ الهيمنة والاحتلال والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإسقاط الأنظمة السياسية تحت شعارات (الثورات الملونة) الكاذبة، لتحل محلها مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة أراضي الدول، وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي، وهي مبادئ تعتمدها الصين في سياستها الخارجية، وتشاركها روسيا في ذلك، من أجل عالم يحترم التنوع الثقافي، وخصوصيات كل دولة، وشعب بعيداً عن سياسات الهيمنة.
وإذا كانت سورية الجغرافية التي ستلعب دوراً في إنتاج هذا النظام الدولي الجديد، من خلال هزمها للإرهاب التكفيري كأحد أدواته، ودفاعها عن شعبها في وجهه، فإن حلفاء سورية (روسيا والصين) يواجه كل منهما تحديات أخرى بهدف عرقلة دورهما الدولي الصاعد، وهنا تتضح لنا خلفيات ما يجري في أوكرانيا، وجورجيا، والسعي لتطويق روسيا سواء عبر منفذها في البحر الأسود، أو منعها من الوجود على المتوسط، والاقتراب من حدودها في جمهوريات البلطيق، أو دول شرق أوروبا، وتعزيز وجود الناتو هناك.
أما الصين فإنها تواجه تهديدات من نوع آخر في بحر الصين الجنوبي منذ أن أعلنت الولايات المتحدة نقل ثقلها الاستراتيجي إلى تلك المنطقة لمواجهة (النفوذ الصيني المتصاعد) ولخلق الإشكالات، والتوترات في وجهها، وعرقلة مشروعها الواعد المتمثل بـ(طريق الحرير – والحزام البحري له) ومن الواضح تماماً أن الذراع التكفيرية الوهابية التي تستخدمها أميركا لمواجهة خصومها في المنطقة، وحلفائهم هي الذراع نفسها التي قد تستخدم لاحقاً ضد روسيا والصين ذلك أن وجود الشيشانيين ومواطني آسيا الوسطى ومواطنين صينيين من إقليم تشينجيانغ شمال غرب الصين يقاتلون مع داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات التكفيرية ليس إلا تحضيراً لهؤلاء من أجل الاستخدام اللاحق لهم في مناطق روسية، وصينية وفي مناطق النفوذ الحيوي لهاتين الدولتين الكبيرتين، ولذلك فإن قتال الشعب السوري وجيشه وقيادته ضد الإرهاب الدولي المعولم هو دفاع أيضاً عن الحضارة الإنسانية ويخدم مصالح روسيا والصين كما أن إعلان دعمهم لسورية يأتي ضمن إطار الدفاع عن مخاطر تهدد أمنهم القومي.
أميركا القلقة من الصعود الصيني الاقتصادي وتحالفه مع روسيا وظهور (منظمة معاهدة شنغهاي) كقطب دولي وخيار آخر للشعوب بعد عصر الهيمنة الأميركية لن تكتفي بالتفرج على ما يجري، وإنما تعمل على مواجهته، وتبدو إحدى جبهات المواجهة القادمة مع الصين في بحر الصين الجنوبي.
يعتبر بحر الصين الجنوبي الرابط بين الشرق الأوسط والقارة الهندية وتمر به حسبما تذكر بعض المصادر الإعلامية ثلث الشحنات البحرية العالمية بقيمة 7 تريليونات دولار أي أكثر بـ15 ضعفاً من قناة بنما، و3 أضعاف قناة السويس، وحسب بعض الخبراء فإنه يحتوي على 7 مليارات برميل نفط كاحتياطي استراتيجي محتمل، و900 تريليون م3 من الغاز الطبيعي ما قد يجعل منه خليجاً شبيهاً بالخليج العربي.
تؤكد الصين ملكيتها لجزء كبير من المنطقة يصل لمئات الكيلومترات وتشير إلى أن حقها يعود لعدة قرون عندما كانت سلسلتا جزر (باراسيل) و(سبراتلي) جزءاً من الأمة الصينية، وقامت عام 1947 بنشر خريطة تفصل حدودها، وبينت مجموعتي الجزر وهما تقعان كلياً داخل أراضيها.
لكن دولاً في المنطقة كفيتنام تشكك بالرواية الصينية وتدعي أحقية على هذه الجزر، والفيلبين التي تطالب بالتعويض عن تأثر سيادتها، وماليزيا وبروناي، اللتين تدعيان أن بحر الصين الجنوبي يقع ضمن مناطق حظر اقتصادية وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
الأمر لا يكمن هنا، ذلك أن الصين وقعت اتفاقيات مع العديد من الدول الآسيوية للبحث في حلول عبر التفاوض، والتفاهم بهدف تحويل (بحر الصين الجنوبي) إلى منطقة استقرار ونماء، وازدهار تستفيد منه الصين، وتفيد غيرها من الدول، ولكن الولايات المتحدة عملت على إنتاج قطب من حلفائها (تايوان، كوريا الجنوبية، الفيلبين، اليابان) لمواجهة الصين، والحد من نفوذها، كما تعمل في منطقتنا عندما تستخدم السعودية ضد إيران، وتركيا ضد سورية لمنع تشكل أي أقطاب سياسية- اقتصادية تهدد مصالحها، ونفوذها، وهيمنتها.
الفيلبين مثلاً، رفعت دعوى من طرف واحد على الصين في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي في شهر كانون الثاني 2013 للتشكيك في سيادتها على جزر في بحر الصين الجنوبي، على الرغم من أن ذلك يخالف اتفاقها مع الصين على تسوية النزاعات عبر المفاوضات الثنائية، ونكثاً بالوعود التي نصت عليها أيضاً اتفاقية (إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي) التي وقعت بين الصين ودول جنوب شرق آسيا عام 2002، وينص على تعهد جميع الأطراف بتسوية سلمية للنزاعات عن طريق التشاور الودي، والمفاوضات، وذلك بهدف استغلال أميركا لهذه الورقة للضغط على الصين، واحتواء الصين، وتشويه صورتها في المجتمع الدولي.
تشعر الولايات المتحدة بمخاوف كبيرة ذلك أنها منذ نهاية الحرب الباردة كانت القوة الأكبر في المحيط الهادئ بمساعدة من حلفائها، وأبرزهم (اليابان، وكوريا الجنوبية) في الوقت الذي كانت فيه الصين تصعد كقوة إقليمية لتتحول إلى قوة دولية تنافس الولايات المتحدة التي تسعى بكل الوسائل للحفاظ على تفوقها العالمي، وسيطرتها على البحار لتكون قادرة على مواجهة خصومها المحتملين.
الولايات المتحدة لن تواجه الصين مباشرة، ولكن من الواضح أنها تدفع بحلفائها لاستفزاز الصين، وخلق التوترات في المنطقة، إذ قال قائد القيادة الأميركية في المحيط الهادئ في وقت سابق أن (الصين تعسكر بحر الصين الجنوبي بشكل واضح، والاعتقاد بغير ذلك مثل الاعتقاد بأن الأرض مسطحة)، وكأن أميركا لم تعسكر مناطق عديدة في العالم، ولا تثير توترات، أو حروباً، وكأن نياتها سليمة تجاه المجتمع!
أميركا تسعى لمواجهة خصومها، وهي تشعر بخطر الصين الداهم ولهذا عززت وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وتعمل على زيادة دعم حلفائها هناك في وجه الصين، وواضح تماماً أن زيارة أوباما إلى فيتنام حالياً تهدف لزيادة تسعير النزاع مع الصين من خلال طرح رفع الحظر عن بيع السلاح لفيتنام لدفعها للصدام معها، وعندما تقرأ حجم التبادل التجاري بين أميركا وفيتنام الذي انتقل من ملياري دولار عام 2001، وما يقارب 40 مليار دولار عام 2015 العام الماضي، وأن فيتنام تشغل المركز الأول بين دول جنوب شرق آسيا، والمركز التاسع في العالم من حيث عدد الطلاب الذين يتعلمون في الولايات المتحدة تدرك ما تحضره أميركا لمواجهة الصين.
الأمر لن يصل إلى صدام مباشر بين الصين والولايات المتحدة، ولكن الصين تدرك أن الحرب معها تدار بطرق غير مباشرة سواءٌ عبر الأدوات القضائية الدولية كـ(حالة الفيلبين)، أو عبر تعزيز عسكرة المنطقة، وقدرات شركاء واشنطن ونشر دروع صاروخية تهدد أمن الصين من كوريا الجنوبية، وهو ما تسعى الصين لمواجهته بكل الطرق المشروعة.
التنين الصيني قادم وفي ذلك مصلحة للشعوب التي تريد مواجهة عصر الهيمنة الأميركي، الذي يعيد ترتيب أوراقه، وقواه وفقاً للأولويات التي تبدو الصين على رأسها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن