قضايا وآراء

بين «إسرائيل الكبرى» و«الإسرائيليات الصغرى» مذابحٌ واغتيالات.. فماذا ننتظر؟!

| فرنسا – فراس عزيز ديب 

لم يكُن مفاجئاً خبرَ ارتقاء القائد في المقاومة «مصطفى بدر الدين» شهيداً، فالرجل كان قد تمنَّى أساساً هكذا نهاية. كذلك الأمر، لم يكُن مفاجئاً أن عملية الاغتيال تمَّت بالتزامنِ مع ارتكابِ مجزرةٍ جديدةٍ تُضافُ لسجلِّ مجازرِ «ثورة الحرية والكرامة في سورية» التي تحملُ كلَّ شيءٍ… إلا أغصان الزيتون؛ وهي «مجزرة الزارة». ختاماً، لم يكن مفاجئاً أن كل هذا يجري وسط تصعيدٍ في الميدان من قبل الجماعات الإرهابية وداعميهم، وتصعيدٍ على المستوى السياسي، لكن المفاجئ الوحيد أننا لا نزال حتى الآن لم نستمع لجوابٍ مقنعٍ للسؤال الأساسي: ماذا ننتظر؟
بالأمس أعلن «حزب اللـه» أن استشهادَ «بدر الدين» جاءَ نتيجةَ قصفِ الجماعات الإرهابية لأحدِ مراكز الحزب بالقرب من «مطار دمشق»، لكن هل هي حقاً الحقيقة أم نصفها، بمعنى آخر: هل الحزبَ حاول إبعاد التهمة عن الكيان الصهيوني كي لا ينجر لصدامٍ مباشر معه، لا يبدو اليوم أنه بمصلحتهِ أو بمصلحةِ الحلف بالكامل، أم إن الأمر متعلقٌ فعلياً باستهدافٍ قامت به العصابات الإرهابية؟!
ممّا لاشكَّ فيهِ أن الجميعَ اعتادَ على مصداقيةِ المقاومة فيما تقول، كذلك الأمر فإن بنكَ الحسابات بين الطرفين لم يُغلق أساساً حتى نقول إنه سعى للهروب من المواجهة، لكن الأهم فيما يتعلق بهذه النقطة وهو ما لا نزال نحاول إخفاءه وتجميله، بمعنى آخر: هل باتَ من الكافي القول إن «إسرائيل» هي من اغتالت وتغتال، أليس من الواجب بعد اليوم أن نحدِّد أي «إسرائيل» نقصد؟
كنا ولا نزال مقتنعين أننا ومنذ اتفاق أوسلو المشؤوم لم نكن نسمي الأمور بمسمياتها حتى أوصَلَنَا العدو لعقدِ اتفاقياتٍ بين (الحارة والأخرى) في الوطن ذاته. غفَونا على وقعِ الشعارات واستيقظنا مع نحرِ رقابنا على مذابح ديمقراطية مال النفط الخسيس. في واقعِ الأمر لم تعد «إسرائيل» هي ذاكَ الكيان الذي احتل فلسطين وأقام عليها دولة الإرهاب الأولى، ومن قال إن فلسطين فقط هي المحتلة؟
لم تعد «إسرائيل» هي ذاك الكيان الذي يمثِِّّل غدة سرطانية في جسد الأمة، فالسرطان وإن كان تعريفاً هو الانقسام غير المنضبِط للخلايا، فإن الكتلة أصبحت كتَلاً، والجسد أصابهُ الوهن، وإذا كانت «إسرائيل» تمثِّل «دولة» التطرّف الأكثر تماسكاً، فإنها فرَّخت دويلاتٍ متنوعةٍ من التطرف المذهبي والقومي، فيما نحن لا نزال على ما نحن… لم نحاول حتى تطوير خطابنا أو وسائل صمودنا.
لم تعد «إسرائيل» بحاجةٍ للدخول بالحربِ مباشرةً، فهي فقط تجلس وتشاهد، طالما أن جدار الدفاعِ عنها من المتطرفين والإرهابيين قادرون على أن يقوموا بكل شيءٍ من أجل مصلحتِها.
لم تعد «إسرائيل» بحاجةٍ لبثِّ دعايةٍ تضعها في مصافِ «الدول» التي تحترم حقوق الإنسان، طالما أن الإعلام المستعرب يكرِّر ليلَ نهار دعايتها، «إسرائيل» لم تعد بحاجةٍ لكل هذا، هي باتت بحاجةٍ لشيءٍ واحدٍ فقط، أن نعيد صياغة أساليب المواجهة معها دون تعديل صياغةَ نظرتنا إليها، فهل مازال ذلك ممكناً؟
مبدئياً يمكننا أن نذكّر أن من كان يسمي ما يجري من فوضى في هذا الربيع الدموي بـ«الصحوة الإسلامية»، لم يكن مخطِئاً فحسب، بل هو أثبتَ أن النظرة العامة لشعوب المنطقة على مستوى النُّخب السياسية أو الرسمية لا يمكنها أن تخرج من العباءَة الدينية، بل هي قادرةٌ أن تُلغي الآخر في لحظةِ اقتناصٍ لكل ما يخدُم توجهاتها.
بذات الوقت من لا يزال يبيعنا الخطَب الرنانة عن نصرة التوجهات القومية والإيمان بانتفاض شعوب هذه المنطقة لتحريرِ فلسطين أو لابتلاع الكيان الصهيوني، هو لا يرتكب جريمةً بحق نفسهِ فحسب، لكنه أيضاً لا يزال يغمض عينيهِ عن الوقائع، كمن أغمضَ عينيه يوماً عندما شاهد وحشاً ليوهمَ نفسه أن الوحش ليس موجوداً. تكورنا بين التوجهات الدينية والضياع القومي، حتى بِتنا نعيش فترة «الضياع في الهوية»، ونسينا أن مواجهة العدو لا يمكن أن تتم إلا بطريقين:
الأول ببناءَ دولةٍ جامعةٍ يتفق أبناؤها أساساً على توصيف العدو، أما الثاني فهو بانبثاق مقاومةٍ شعبية لا تُلزم الدولة بخياراتها، واليوم لم يعد دور الإسرائيليات الصغيرة التي باتت جداراً صلباً لحماية «إسرائيل» الصغرى هو منع قيام هكذا دولة، بل هي تمنع حتى تشكل مقاومةٍ شعبية طالما أن الشريط المحاذي للجولان السوري المحتل مثلاً بات بيد إحدى تلك «الإسرائيليات».
إذاً وبواقعيةٍ تامة، نحن لم نعد نحارب «الأذرع الإسرائيلية» في المنطقة، نحن نحارب «الإسرائيليات» المنتشرة من حولنا وهي ليست مجرد أذرعٍ، ولو كان الأمر كذلك لكانت القصة مجرد أحداث عمليةٍ على الأرض، لكننا أمام فكرٍ انتشر كانتشار النار في الهشيم؛ عوَّم فكرة الصراع المذهبي وأنهى فرضية الصراع (العربي الإسرائيلي). حتى كلمة تطبيعٍ باتت ربما أضعف من التعبير عن الحال الذي وصلنا إليه، فملك شرقي الأردن يرسل وفوداً طلابيةً للكيان الصهيوني ومصر حدث ولا حرج و«آل سعود» يمولون حملة نتنياهو الانتخابية، فيما نحن لا نزال نأتي بشخصياتٍ هامشيةٍ من جنسياتٍ عربيةٍ لتحدثنا عن «الرفض الشعبي العارم للتطبيع مع الكيان الصهيوني»، فهل تساءلنا من هؤلاء؟ ماذا يمثلون؟ ما هي فعاليتهم على الأرض، أم أننا اعتدنا على سياسة النوم في العسل والتخدير؟
ندركُ تماماً أن كل ما يجري هدفه خدمة الكيان الصهيوني ولنعترف أنه قطع أشواطاً كبيرة في ذلك، وبالتالي فإن التهاون اليوم عن تدمير تلك «الإسرائيليات» هو بمثابة منح الفرصة أكثر للكيان الصهيوني ليتمدد، وإلا فإننا سنرى في كل شهرٍ «زارة» و«حطلة» و«حلب» و«شعيطات»، فهل حقاً أن التجاذبات الدولية ستمنع قيام أي طرفٍ بتحقيق انتصار كامل لأن من مصلحة الجميع استمرار الأمر على ما هو عليه، أم إن كل ما يجري من حديثٍ عن هدنةٍ وحلٍ سياسي هو بمثابة الكمين الذي يقع فيه الجميع باستثناء العدو؟
في الواقع، العصابات الإرهابية التي هاجمت «الزارة» وارتكبت فيها المجزرة لم تضم «جبهة النصرة» فحسب، لكنها ضمت تنظيمات من المفترض أنها طرفٌ في هذه «الهدنة المشؤومة»، أكثر من ذلك فإن المناطق التي تم اقتياد المخطوفين إليها هي كل من «الرستن» و«تلبيسة» اللتين لم تشهدا أي معاركٍ طيلة الأشهر القليلة الماضية.
أما «آل سعود» فهم أعلنوها صراحةً أنهم أرسلوا «أسلحة فتاكة» لما يسمونها المعارضة المعتدلة، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن تحديد الموعد القادم لجنيف يبدو في «غياهب الجب». إذاً من كل ما تقدم نحن أمام تكتيك جديد يُتَّبع وهو ما يمكننا تسميته «أسلوب القضم»، بطريقةٍ توحي وكأن «النصرة» فقط هي من في الواجهة، بمعنى آخر:
بدأ الإرهابيون يستعيدون أسلوب «الهاغانا» بالاقتحام وارتكاب المجازر… ثم الاحتلال من خلالِ التركيز على هدفٍ بعينهِ من أجل منعِ تشتيت القوى، هذا ما حدث في «خان طومان» وما حدث في «الزارة» والعين الآن على استعادة مناطق في ريف حلب الشمالي، هذا الأمر لا يريدون من خلاله العودة للمفاوضات من موقعِ القوة فحسب، بل يريدون من خلاله مستقبلاً منع قيام دولة توصِّف العدو، فماذا نجهز لهم؟ علينا أن نجهز لهم كما نجهز للحرب مع «إسرائيل»، بالنهاية… ليسوا فقط كلهم داعش، بل كلهم «إسرائيل»… هل سننتبه قبل فوات الأوان؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن