من دفتر الوطن

الكتابة بحد السكين!

| عصام داري 

بداية الحكاية كانت بالعبارة الشهيرة: «كان يا ما كان».. وبعد ذلك تتدافع القصص والأحداث والتطورات، لتجتمع معاً وتشكل الرواية.
وقال الراوي يا سادة يا كرام، وكان يا ما كان:
روايتنا مثل أي رواية، قصة حب طويلة، مشاعل تضيء دروبنا الغارقة في العتم خلال عقود ودهور، هي قصة عشق بين الإنسان والتراب والورد والعطور والفراشات، قصة تفاعل بين هذا الإنسان والوطن الذي ينتمي إليه.
قصتنا كلام، شعر ومشاعر وأحاسيس، زجل وموسيقا وطرب، وسيرة عشق أبدي ليس لها نهاية، مهما تعرضنا معاً، الإنسان والأرض، للمحن والصعوبات والكوارث.
نسرد القصص، ننظم الشعر، ونزرع الأرض لحصاد بعيد وأجيال قادمة تحلم بالسلام والحب والحرية، ونملك أبجدية غنية قادرة على رسم لوحة متناغمة من الكلام والأوتار والعزف وشدو العصافير، وهديل الحمام.
نرسم أحياناً لوحات أو نكتب كلمات بريشة من نور، لكن هناك من يكتب أيضاً بالسكين، كما قال نزار قباني، وفي كلتا الحالتين فإن الكتابة الصادقة، أكانت بريشة من نور، أم بحد السكين، تصل إلى حيث أراد الكاتب وتعطي جرعة من تفاؤل لكل إنسان يعشق الحرية ويسكن على ضفاف الحب، ويسبح في جداول السحر والخيال.
أعترف أنني كتبت بحد السكين مراراً، وحاولت الكتابة بريشة من نور، لكنني لا أعرف ما إذا كنت قد نجحت في إيصال رسائلي أم لا، وما إذا فتحت كوة لأمل آت من بعيد وتفاؤل نطمح إليه، فحياة الإنسان على الأرض رهن بهذا الأمل وذلك التفاؤل.
تنتشي الحروف عندما تلج في نهر العطر لتغرف من الأبجدية ما طاب لها من حلو الكلام وتقديمه لهذا لإنسان باقة ورد وحب ورسالة تعبر عن حالة إنسانية تحمل رقي العواطف والمشاعر والأحاسيس.
كم نحن بحاجة إلى جرعة أوكسجين، نحتاج إلى أن نتنفس الهواء النقي الخالي من رائحة البارود ومن التلوث البيئي والأخلاقي، فقد كدنا نختنق.
امنحونا فرصة للحياة، للحب، للمحبة، واتركوا العصافير تنطلق في فضاءات بلا حدود، لا تسحقوا الورد بأقدامكم الآثمة كأدمغتكم العفنة منذ ما قبل التاريخ.
تقودنا الكلمات إلى بيت زجاجي من الأمل والتفاؤل، نخشى أن يرمينا صناع الحروب والتوحش والقبح بحجارتهم فتتصدع بيوتنا وينكسر بعض من زجاجنا وأحلامنا.
مع كل هذا الكم من الأحقاد والبشاعة سنواصل بناء بيوت أملنا ولو كانت من زجاج هش قابل للكسر في أي لحظة، إلا أننا مؤمنون بأن بيوتاً مصنوعة من زجاج التفاؤل هي أكثر صلابة من وحوش صنعوها من الفولاذ وقلوب قدّت من الصوّان، ونكتشف أن كل شيء في عالم اليوم صار معروضاً في سوق النخاسة.
مشاكلنا أكبر من قدرتنا على التحمل والفهم، ومن مشاكلنا أننا نعرف أن الكلمة تستطيع أن تصنع المعجزات، أن تدخل القلوب من دون استئذان، وأن تشارك في الحروب، وأن تنسج علاقات حب وصداقة لا مثيل لها من حيث النقاء والصفاء والرقي، لكن في المقابل بمقدور الكلمة أن تكون مدمرة للنفس والروح والقيم، وخارجة على القوانين الاجتماعية، والشرائع الأرضية والسماوية، فلأي كلمة ننتمي، ومع أي معسكر نقف؟ تلك هي المشكلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن