قضايا وآراء

الرقص على حبال جنيف.. بين الاتفاقات والإرهاب..!؟

| عبد السلام حجاب 

يمكن القول، وفقاً لما تؤكده المعطيات والمناورات السياسية والميدانية التي يمارسها أطراف مثلث الإرهاب السعودي- التركي- القطري وأسيادهم بصورة سرية وعلنية، أنه لا طريق أمام استئناف جنيف 3 العملية السياسية في سورية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، من دون أن تكون مسألة محاربة الإرهاب أولوية لدى الجميع على قاعدة القانون الدولي، وهي أولوية لم يخرج عنها شكلاً اجتماع فيينا الوزاري الأخير لمجموعة دعم سورية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، ما يجعل الرقص على حبال جنيف مستمراً ومشدوداً بين تطبيق التفاهمات والاتفاقات الروسية الأميركية وآخرها اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي بالقرار 2268، وبين أجندات الطرف المقابل من حلف الارهاب ومخالبه الإرهابية.
وعليه، فإن من يعتقد أن الحل السياسي للأزمة في سورية ممكن بوساطة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وإن بدلت أسماءها، فهو واهم ومشتبه، وغارق بالانخراط في جرائمه الوحشية، حيث لا الإرهاب رهان يمكن الوثوق به والاطمئنان إليه. والوقائع أكدت ذلك في أوروبا وخارجها كما ولا السوريون بعد مرور أكثر من خمس سنوات على محاربة الإرهاب والتصدي لمشاريع ومخططات رعاته وداعميه، قدموا خلالها الشهداء والتضحيات بصمود وطني أسطوري يمكن أن يكونوا مطية سهلة أو أن يسمحوا لأحد في حلف الإرهاب اعتلاء صهوة قرارهم الوطني السيادي، فالغرب الاستعماري لا يريد شركاء وإنما دول تابعة له لا تملك استقلالية قرارها.
ولعل من يستعيد في ذاكرته القريبة والبعيدة نسبياً… وما كان يروج له المبعوث الدولي الإبراهيمي من مصطلحات تخفي ما وراءها مثل الصوملة والعرقنة واللبننة، بات يدرك بوضوح أن للمؤامرة الكونية على سورية جذورها في صياغة ما يسمي الأزمة في سورية، وأن تعطيل القرار الدولي 2254 كأساس للعملية السياسية يوصل للحل السياسي الذي يقرره السوريون بقيادة سورية من دون تدخل خارجي، ما يزال حلف الإرهاب يعمل بدأب على تفخيخها بمهادنة أميركية في جنيف وخارجه أملاً بتحقيق مكاسب سياسية عجز عن تحقيقها في الميدان، ولن تفيد فيها مصطلحات تقسيم الإرهابيين بين جيدين وسيئين وبين معتدلين ومتطرفين كما لن تفيد فيها محاولات إطلاق أسماء جديدة على تنظيمات إرهابية كما تحاول السعودية وقطر وتركيا الأمر الذي أعربت الخارجية الروسية عن القلق حيالها فأعلنت زاخاروفا «أننا قلقون من محاولات إعادة تسمية المجموعات الإرهابية المتطرفة في سورية».
واستنتاجاً فإن السؤال المطروح لا يتعلق بوصف اجتماع فيينا الأخير بأنه ناجح أو فاشل أو أنه راوح في مكانه عند بياني فيينا السابقين ذلك أن التوصيف لن يقدم أو يؤخر في شيء، ما دام الحامل الموضوعي المتمثل بمحاربة الإرهاب ما زال قائماً والمطالبة الجادة للالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2253 أصبح ضرورة وإن كان ذلك لم يلغ الرقص على حبال جنيف في محاولات العبث بالاتفاقات الروسية الأميركية وإحداث خلل في مصداقية تنفيذها بدليل عدم إعلان المبعوث الدولي دي ميستورا عقب اجتماع فيينا الوزاري الموعد القادم لاستئناف جنيف3 تاركاً احتمالية عقد جولته الجديدة بعد رمضان المقبل، ما يعني أن البحث ما يزال جارياً في خفايا وأجندات أطراف الرقص على الحبال التي يبدو أن الجانب الأميركي ليس مستعجلاً نهايتها رغم إعلانه الحرص على عقد جنيف وهنا مربط الفرس!
إنه لا شك أن الافتراق بالمواقف ما يزال قائماً، وإن سجل تراجعاً بطيئاً كما أن محاولات تدوير الزوايا التي يسعى إليها الجانب الأميركي باتجاه الجانب الروسي ما تزال مستمرة ومؤشراتها الضغوط التي تمارسها أميركا مباشرة وعبر حلفائها بالناتو بغية تحقيق أغراض تخدم مصالحها السياسية المباشرة ولا تستثني من حساباتها كثيراً، مصالح حلفها الداعم والمغذي للإرهاب، مع التحسب الأميركي الواضح من الانجرار إلى مواقع ساخنة ليست محسوبة، وتدرك جيداً حجم مخاطرها والضرر الذي ينجم عنها، ما حدا الوزير لافروف للقول أمام الوزير كيري في مؤتمر صحفي مشترك عقب اختتام اجتماع فيينا «ندعم مكافحة الإرهاب، ولا نرى قوة أكثر فعالية وأهمية من الجيش السوري في مكافحة الإرهاب» مستكملاً بذلك ما تضمنه البيان الروسي الأميركي المشترك عن المحادثات الهاتفية بينهما بدعوة جميع الدول للحيلولة دون تقديم المساعدات للإرهابيين في سورية، وجاء في البيان الذي شكل قاعدة عمل اجتماع فيينا الأخير تأكيد الجانبين دعمهما لاتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية وتعزيز جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة.
كما أكد الوزيران لافروف وكيري في اتصال هاتفي الخميس الفائت أن يقوم العسكريون من الجانبين الروسي والأميركي بإعداد خطوات محددة لفصل المؤيدين والمعارضين للاتفاق بشكل أكثر فاعلية إلى جانب بحث خطوات وقف الدعم الخارجي للإرهابيين في سورية، وهو ما حذر منه وزير الدفاع الروسي شويغو من أن استمرار تسلل الإرهابيين التابعين لتنظيمي جبهة النصرة وداعش عبر الحدود التركية السورية يهدد اتفاق وقف الأعمال القتالية، وذكر بأن بلاده ابتداء من 25 أيار الجاري لديها الحق.
في توجيه ضربات جوية على أي أرض تستولي عليها التنظيمات الإرهابية التي لم تنضم إلى نظام وقف الأعمال القتالية وقصف القوافل التي تعبر الحدود بشكل غير مشروع، مؤكداً أنه تم الاتفاق على هذه الإجراءات مع قيادة الجمهورية العربية السورية ومقترحاً على القوات الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا أعمالاً مشتركة في هذا الاتجاه ولاحقاً رفضت أميركا ذلك ما يضع إشارة استفهام جديدة على احتمالات متعددة خارج سباق الشراكة المفترضة!؟
إنه لا شيء جديداً بعد نفاد الصبر السياسي يمكن التعويل عليه سوى التقدم إلى الأمام باتجاه محاربة الإرهاب بكل مسمياته حتى القضاء عليه وحذف أي تعبير له من خارطة العمل السياسي الدولي وفق أي تسمية مخادعة.
وليس مستغرباً أن يجد الصبر الدولي المشبوه تعبيرات مخادعة مثل القلق حيناً والبحث عن صيغ لدعم الإرهاب ساقطة أخلاقياً وسياسياً.
إلا أن صبر وحكمة السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد تجد ترجمتها الواقعية عبر مساري العملية السياسية حيث تشكل محاربة الإرهاب أولوية وهي ترجمة تجد لدى الحلفاء والأصدقاء ضرورة الانخراط المتواصل في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه وليس للمراهنين سوى التخلي عن الأوهام قبل الرقصة الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن