من دفتر الوطن

أنا.. والأبجدية.. والحلم!

| عصام داري 

غريب أن نقف أمام بحر الأبجدية من دون أن نغرف من حروفها ما نرسم فيه قصة قصيرة، أو بيت شعر واحداً، ونوقع على الفراغ بأننا عاجزون عن تحريك ساكن، أو وضع نقطة على حرف.
كثيرة هي الأفكار التي تراودنا، لكننا لا نعرف أياً منها سنختار، وبأي أسلوب نعالج الفكرة التي نظن أنها الأهم، كي نبقى قريبين ممن امتهن القراءة في مجتمع تعتبر القراءة آخر اهتماماته.
نجهد الأبجدية أحياناً بحثا عن كلمة تنقذنا من التعثر في دروب الكتابة، ونعترف أننا نستنجد بالأبجدية عندما نعجز عن البوح، ونشعر بالعجز عن تصوير مشاعرنا على الورق أو بالكلام المباح.
أبجديتنا تأخذ بأيدينا حيناً، وتتركنا نختار في الكثير من الأحايين، فهي بحر شديد الاتساع، فيها عبارات الحب والغزل، وفيها الكراهية و«الزعل»!! وفيها النثر والشعر والزجل، كل منّا يستعير من هذه الأبجدية ما يحتاج إليه للتعبير عن أفكاره وفلسفته، ورؤيته للحياة، وقبل كل شيء عمّا تحتوي نفسه من مشاعر وأحاسيس وعواطف وتناقضات، فنحن كتلة تناقضات لا تنتهي.
كتبت على جدار الزمن حكاية زهرة هربت من بساتين العشق وارتضت السكنى في مكان قصي بعيداً عن أعين الرقباء، لكنني توقفت عن الكتابة، لأنني لا أريد نهايات حزينة لأزاهير مررن في حياتي، وأسعى لإبقاء الشذا، هو كل العناوين وكل الأماكن.
لكل زهرة عطرها وأريجها وبهجتها، لكنها تتفق جميعاً على صنع الفرح ورسم لوحة من عبير تبهر الأبصار، وتطلق العنان لخيالات لا حدود لها، وسأمضي ما تبقى من هذا العمر الآيل إلى الرحيل مع حكايات كل زهرة مرت، ولو بشكل عابر في حياتي وأنعشني عطرها، وحملني إلى جنات ملونة على مد النظر!.
يخطفنا الوقت من زماننا، يسرق منا أجمل أيامنا، يلقينا حطاماً على قارعة العمر، فنصحو من غفوتنا لنجدنا وقد وصلنا إلى المحطة الأخيرة وعلينا الترجل، فنحن زوّار عابرون في هذه الدنيا، و«مشاوير مرسومة لخطاوينا» كما غنى عبد الوهاب، فلماذا لا يكون مشوارنا رحلة حب وفرح وعطاء؟
أحلى اللحظات التي أعيشها تلك التي ألجأ فيها إلى الأبجدية، أستجديها أن تجود علي بكليمات معدودات أنسجها من خيوط النور، ووريقات الزهور، هي لحظات أشعر فيها أنني في حالة خدر وسحر ومتعة، وخاصة عندما أصطاد كلمة أو عبارة تصلح عروة جميلة في نسيجي الروحاني والخيالي.
مع الأبجدية الساحرة نسافر لمسافات شاسعة من دون أن نغادر مكاننا، الحلم يحملنا إلى كوكب بعيد أسميه كوكب الحب، سكانه لا يتقنون إلا الحب والمحبة، قاموسهم لا يحتوي على كلمات البغضاء والكراهية والأحقاد والثأر والقتل، ولا يعرفون اغتيال الجسد والروح، ولا سحق الأزاهير وقتل العصافير، الحلم يحملني إلى هناك هرباً من توحش من يظنون أنهم من فصيلة البشر.
الحلم الجميل ممنوع في أرض الكوابيس المرعبة، وفي زمن التوحش والغربان والغيلان، لكننا سنبحر في أحلامنا إلى آخر مدى، نعرف أننا لن نبلغ يوماً كوكب الحب الذي تخيلناه ونتوق إليه، لكننا سنعيش الحب الذي نصنعه لنا وللآخرين، رغماً عن الزمن الغادر والقدر القادر والحظ العاثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن