قضايا وآراء

حول المعايير «المزدوجة» و«الانتقائية» في محاربة الإرهاب

| عبد السلام حجاب 

لعل السؤال الذي يطرح نفسه في أجواء المناخات الدولية السائدة حالياً: هل تستطيع سياسة المعايير المزدوجة، والانتقائية في محاربة الإرهاب لإدارة الرئيس الأميركي أوباما، تقطيع الوقت، بلا انزلاقات خطرة، حتى موعد الانتخابات الرئاسية بين حروب باردة من أوكرانيا إلى بحر الصين مروراً بدول أميركا اللاتينية. وبين ابتزاز سياسي بواسطة الإرهاب في سورية خاصة والمنطقة عامة، بغية تجبير الكسور، وتلميع الصورة الختامية بتحقيق مكاسب لما يعرف بالشرق الأوسط الجديد. وهو مشروع لا يختلف حوله أي من المتنافسين في السباق الرئاسي باعتبار أنه مصمم لخدمة المصالح اللاحقة للكيان الإسرائيلي؟!
واقعياً، إنه لا وجود لمؤشرات تعكس توقف أميركا عن محاولات استعادة موقعها كقطب وحيد يتحكم بسياسات العالم منذ أعلنت كونداليزارايس من بيروت صيف عام 2006 الولادة الصعبة لشرق أوسط جديد، وما جرى لاحقاً، أكد أن أميركا لم تخرج من المنطقة حتى تعود إليها. بل إن العناوين التي أطلقتها كالانسحاب التدريجي من أفغانستان وما سمته الخروج العسكري من العراق فضلاً عن التقارب المصلحي مع روسيا وإيران، سرعان ما أكدت أهداف تلك العناوين عبر سياسات تنفذها أنظمة حكم في السعودية وتركيا وقطر تابعة لها وتترجم مصالحها وأدوار وظيفية تؤديها دول مثل فرنسا وإنكلترا وألمانيا. مستكملة حركة الالتفاف السياسي عبر الاستثمار بتنظيمات إرهابية عرقية واثنية وفاشية وضعت لها عناوين وأجندات أشبه بخوازيق دامية في سورية والمنطقة بذرائع تتناقض مع القرارات الدولية وضرورة تنفيذها لحماية الأمن والسلام الدوليين ولاسيما القرار الدولي 2254 الناظم للعملية السياسية في سورية والقرار 2253 المتعلق بمحاربة الإرهاب والقرار 2268 الذي شرع الاتفاق الروسي الأمريكي لوقف الأعمال القتالية في سورية.
لا شك بأن سياسة المعايير المزدوجة الأميركية بما فيها الانتقائية لمحاربة الإرهاب، سوف تظل نتائجها دون حدود الاطمئنان على نتائج الحصاد باعتبار أن البدائل مشبوهة لانطلاقها من قاعدة مشروع يبتعد كثيراً عن مصالح الدول الوطنية ذات السيادة ولا يغادر المصالح الأمريكية والإسرائيلية سواء في سورية والمنطقة أو خارجها. بدليل المحادثات التي أجراها أوباما في فيتنام تحت تمثال القائد الفيتنامي (هوشي منه) والعين الأميركية على الصين وبحر الصين. وقبلها محادثاته في كوبا تحت نظر كاسترو وصور غيفارا ومعتقل غوانتانامو الأميركي فوق أرض كوبية محتلة. ما يعني أن الفالق الذي حذرت سورية من تداعياته مع بدء الحرب الكونية عليها بأشكالها الإرهابية المباشرة وغير المباشرة، إنما أسفرت عن فالق سياسي وعسكري يصعب جسره دون رؤية واقعية ومعالجات نزيهة وعادلة تعيد للأمم المتحدة هيبتها وللقرارات الدولية مكانتها الاعتبارية وهو ما عبر عنه الرئيس الصيني على منبر المنظمة الدولية بالقول إن العالم تغير ولا عودة إلى الوراء، ما يؤكد حقيقة أنه إذا كان التراجع عن بروز عالم جديد متعدد الأقطاب بات أمراً مستحيلاً. فإن البدائل الأميركية التي تضعها قيد الاستثمار بواسطة الإرهاب ومموليه وداعميه، مهما كانت التسميات أو الأجندات أو العناوين، فهي بدائل تضع أمن وسلام العالم على شفير كارثة لن يسلم أحد من نيرانها.
واستنتاجاً هل يعني ذلك من جملة ما يعنيه أن الاتفاقات الروسية الأمريكية وتفاهمات الهدنة في سورية هي إدارة للخلافات حول المسائل التي لا تريد أميركا الاعتراف بها رغم حملات الترويج الدعائية والتبريرية، أم إن أميركا تعمل على خلط الأوراق للتقليل من مخاطر الانزلاق نحو الصدام المباشر الذي تغطيه حالياً بسياسات ناعمة وملتبسة في ظل غياب أي غطاء سياسي شرعي لإجراءاتها التي تتخذها في شمال سورية على سبيل المثال بتناغم مفضوح مع أطراف مثلث الإرهاب السعودي التركي القطري بهدف الحصول على ما يمكن اصطياده على حساب العملية السياسية لحوار السوريين في جنيف أم لما هو أبعد من ذلك حيث مشاريع إغراء البعض من الواهمين بالتقسيم أو الفدرلة أو الكانتونات وهي مشاريع أسقطها السوريون بوحدتهم الوطنية وانتصارات الجيش العربي السوري المتلاحقة في الميدان!؟
لقد أعلن الوزير الروسي لافروف «أن التوصل إلى اتفاق مع الشريك الأميركي المفترض ممكن في عمليات محاربة الإرهاب في سورية». وأعطت روسيا التنظيمات الإرهابية مهلة إضافية للتنصل من جبهة النصرة الإرهابية والانضمام إلى شروط القبول بنظام وقف العمليات القتالية بعد أن كان وزير الدفاع الروسي حدد 25 أيار الجاري موعداً لبدء الطيران الروسي لاستهدافها أينما وجدت على الأرض السورية وضرب مسارات إمدادها من الحدود التركية وهي إمدادات أبلغ مندوب روسيا الدائم تشوركين الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون بوثائق مثبتة بالتحليلات قيام شركات تركية بتوريد مواد خاصة بصناعة المتفجرات للتنظيمات الإرهابية في سورية ومن بينها تنظيم داعش الإرهابي، لكن المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر أعلن احتمالية قيام عمليات مشتركة مع الروس ضد الإرهابيين في سورية. وشكك في قيام مثل هذا التعاون تجاه ما تخطط له في الرقة عبر قوات أميركية خاصة تطلق عليها صفة مستشارين يعملون لقيادة تنظيمات اثنية وطائفية وعرقية. الأمر الذي اعتبرته سورية تدخلاً بشؤونها الداخلية وعملاً غير شرعي لأنه لم يتم بالتنسيق مع حكومة الجمهورية العربية السورية فضلاً عن كونه يخفي أجندات تشي باحتواء مزدوج للإرهابيين لخدمة مشروعها السياسي بما يتضمنه من تلبية لمصالح أطراف حلفها الإرهابي مثل السعودية وتركيا وقطر على قاعدة التماهي مع مصالح الكيان الإسرائيلي، حيث تتحول قرارات مجلس الأمن بشأن العملية السياسية لحوار السوريين في جنيف بقيادة سورية. ومحاربة الإرهاب باعتبارها أولوية مفتاحية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية إلى مجرد حبر على ورق. لا يحتاج أكثر من قلق أمين عام المنظمة الدولية. وسعي لتسييس تلك القرارات وحرفها عن مآلاتها الحقيقية تحت ذرائع إنسانية ولم يكن مصادفة ما كتبته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية فقالت: إن طبيعة العلاقة السعودية الأميركية باتت معروفة من حيث الاستخدام الممنهج للفكر السعودي الوهابي بهدف نشر الإرهاب وإن العالم يحصد ما تزرعه السعودية!؟
إنه لا غرابة أن تبدو المواقف الأميركية متناقضة وملتبسة إزاء تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية لسورية في فيينا بشأن العملية السياسية في جنيف ما يجعل المبعوث الدولي دي ميستورا أمام واقع ارتباك مقصود لمواعيد استئناف أعماله.
لكن ما هو أكيد أن السوريين يواصلون جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد محاربتهم للإرهاب بكل مسمياته وأجنداته وهو خيار وطني يحظى بشرعية دولية وبدعم الأصدقاء والحلفاء من أجل بناء سورية المتجددة وفقاً لإرادة السوريين وقرارهم الوطني المستقل وأما الزبد الذي يتطاير من هنا وهناك فإن مآله إلى مزبلة التاريخ لا محال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن