ثقافة وفن

المسرح الراقص يتخبط بين المؤسسات وحيدا من دون مرجعية … «جلنار» وحيدة… ومهملة من وزارتي الثقافة والسياحة!

| سوسن صيداوي

لكل بلد تنوعه الخاص الذي يغنيه ويميّزه عن غيره من الأوطان ولكن كيف إذا كان هذا البلد هو الحبيبة سورية بكل تنوّعها الذي تتالى على مراحل مؤلفاً مكنوناً زاخراً بكل طيب أصل وبكل عراقة تاريخ وبكل سحر حضارة، ليس هذا فقط تتالى التنوع موّلدا كل ما هو جميل من موروثٍ شعبي يدل على طيبة تجمعات سكنية أتحدت ضد كل الظروف مع بعضها مواجهة المصاعب بصورة جماعية متمسّكة بالبقاء إلى الآن، هذه هي فرقة «جلنار» فهي بالمختصر نتاج تراث حضاري تناقلته المجتمعات السورية على اختلاف عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها.

تعريف
تأسست الفرقة منذ عام 1997، مؤلفة من 65 راقصا وراقصة لتكون معنيّة بالتراث السوري من خلال ما جسّدته هذه الفرقة الراقصة المسرحية بعروضها من طقوس اجتماعية سورية رافقت الحضارات على هذه الأرض، علي حمدان مدير فرقة جلنار الشعبية قال للوطن حول تأسيس الفرقة « جاءت فكرة تأسيس الفرقة انطلاقا من التنوع الكبير الذي تتميز به سورية سواء من الناحية الجغرافية أو الحضارية أو من الناحية التاريخية والتراثية، وهذا التنوع منحنا إرثا إنسانيا كبيراً ومن واجب الأمانة علينا أن نذكّر به ونحافظ عليه مهما توالى الزمن، من خلال المسرح الراقص وتشكيل فرقة «جلنار» ومن خلال عروضها نقدّم أعمالا فلكلورية وأعمالا تجسّد ما كان سائدا في المجتمعات السورية من عادات وتقاليد، وإعادة استحضار الفلكلور أو التراث ليس بغرض خلق صورة والاكتفاء بها، بل الغرض منه هو لأخذ العبر، فلا شيء بالتراث إلا وله دلالة مهما تنوعت وتباينت الطقوس كطقوس الحصاد وطقوس الأعراس، فلكل منها معنى اجتماعي ودلالة وانعكاس لعادات شعوب وكيف كانوا يتغلبون على كل الصعاب، فهذه الصور نستفيد منها بإسقاطها على الحاضر وللاستفادة منها في تجاوز مشاكلنا الواقعية الحالية لأن المسرح الراقص بكل عناصره الحية قادر على إحداث التأثير في الآخرين أكثر من أي أمور أخرى».

مرور على مشوار
نوعية ما تميّزت به فرقة « جلنار» جعلها مرغوبة ومحبوبة وسفيرة لسورية في الدول العربية والأوروبية واستطاعت التجوال من خلال هويتها الشعبية التراثية لتزور عدداً لا يستهان به مشاركة بأهم احتفالات ومهرجانات تلك البلدان، علي حمدان مدير فرقة جلنار الشعبية «فرقة «جلنار» سفيرة الفلكلور السوري في أوروبا ففي السيرة الذاتية للفرقة في رصيدها أكثر من مئة وخمس وستين سفرة، فقط للدول الأوروبية، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أن الجمهور مهتم بالثقافة العربية عموماً وبالثقافة السورية خصوصا، واستطاعت «جلنار» الحفاظ على هذه الهوية متميزة عن غيرها من الفرق الشعبية، مشاركة في العديد من المهرجانات مثل مهرجان جرش، مهرجان الدوحة الثقافي، مهرجان قرطاج، مهرجان البادية، مهرجان الموسيقا الدولي في الكويت، كما شاركت الفرقة في أولمبياد الدوحة عام 2006 في حفل الاختتام والافتتاح، وكنت مصمماً لحفل افتتاح واختتام دورة الألعاب الشاطئية الآسيوية في مسقط عام 2010 ».

أعمال وراقصون
تشكلت الفرقة من عدد جيد من الراقصين المهتمين بالمسرح الراقص والمتمتعين بالموهبة وبالحس الموسيقي إضافة إلى درجة جيدة من الليونة، علي حمدان مدير فرقة جلنار الشعبية «كانت تضم الفرقة خمسة وستين راقصا وراقصة ولكن في الوقت الحالي الفرقة تضم خمسة وثلاثين فقط، وللأسف خسرنا النصف بسبب الظروف الحالية ولكن هذا لم يمنعنا من أن نبقى موجودين في الوقت الحالي، فالراقصون مقاتلون في سبيل الأمل ومحاربون في سبيله، وبالنسبة للانتساب للفرقة فيهمنا الصغر بالعمر لأن الجسد بحاجة إلى مرونة وأن يكون مطواعاً كي يجسّد الحركة وكل ما كان العمر أصغر كلما كان بإمكاننا استثماره لوقت أطول بالإضافة لضرورة أن يكون لديه حس موسيقي مع سرعة البديهة، وعلى مدى السنين الماضية كان لدينا رصيد جيد من الأعمال المسرحية مثل: الدومري، أرابيسك، مدينة عتيقة الهوى، سحر الشرق، حجار القلعة، وتدمر الحضارة وكان هذا الأخير هو آخر عرض قدّمناه في دار الأوبرا بعيد العمال ونُقل على الهواء مباشرة».

غائبة عن ذهنية الوزارات
الأزمة السورية التي أجبرنا على السقوط تحت وزرها متحملين بؤسها وظلمها أجبرت كل ما هو جميل على الزوال أو جمع ركب الرحيل إلى البعيد وهذا ما حصل على سبيل الحصر للفرق المتعددة التي كانت حاضرة في سورية والمزينة كل الفعاليات بجمال أعمالها وفرح رقصها، علي حمدان « كان لدينا خمس فرق للمسرح الراقص في سورية وهي: فرقة إنانا، أورنينا، الرقة، وسما والآن لا يوجد سوى فرقة «جلنار»، ففرق «سما وإنانا وأورنينا» غادرت سورية بسبب الظروف، وفرقة «الرقة» عكست عليها ظروف الرقة ولم تعد موجودة والفرقة الوحيدة الباقية باسمها وتاريخها هي فرقة «جلنار»، ولكن للأسف الشديد الفرقة غائبة عن ذهنية الوزارات، وحتى نقابة الفنانين فهي لا تعطي بعض الأفراد الذين حاولوا الانتساب إليها صفة متمرن أو عضو بالمقابل تجد من هم غير محترفين يحصلون على الانتساب للنقابة، وهنا لا يمكننا إنكار جهود رئيس النقابة «زهير رمضان» حول هذا الموضوع ونحن متأملون.

المسرح الراقص بلا مرجعية
على الرغم من أننا سبّاقون في كثير من الأمور إلا أننا وللآن ما زلنا مكبّلين باعتبارات شخصية أو حتى بيروقراطية أو ربما بنوع من اللامبالاة أو الشعور بالحماسة لبعض الأمور مثل أن يكون للمسرح الراقص مرجعية في المؤسسات الرسمية، علي حمدان «المؤسسات الرسمية لا تستطيع مواكبة التطور السريع للمحيط وخاصة فيما يتعلق بالأمور الفنية والإبداعية وتحويل الأمور من إبداعية إلى وظيفية يفقد الحالة بريقها الإبداعي، فصحيح لدينا في وزارة الثقافة «مديرية التراث الشعبي» ولكن للأسف موضوعها وظيفي فهي تفتقر للإبداع، والأمر المحبط ليس لنا أي مرجعية في الجمهورية العربية السورية، بعكس الدول المجاورة ففي مصر مثلا هناك نقابة خاصة للفنون الشعبية وتحمل اسم «نقابة الفنون الشعبية» وهناك فرقة قومية تابعة لدار الأوبرا تقدم كل أنواع الفنون من رقص كلاسيكي ومودرن وصولاً إلى الصعيدي، على حين نحن وعلى الرغم من أن كتاب النظام الداخلي للدار ينص على وجود فرقة كهذه وأن تقوم الدار بتمويلها، لكن للأسف النص لم يدخل حيز التنفيذ».

مجهود وإنتاج شخصي
ربما لأن المصالح الخاصة تطغى على المصالح العامة، وغياب التنسيق بين الوزارات المعنية بالفرق الشعبية جعلها تطوف العالم ممثلة سورية بأحلى صورة في الخارج ولكنها في واقع الحال متعبة ومرهقة من المتابعة والمحاولات للمشاركات الفاعلة وفي النهاية محليا تقابل بقلة الاهتمام أو بالرفض، علي حمدان مدير فرقة جلنار الشعبية «على الرغم من أن الوزارات تقوم ببعض الأعباء بشكل جيد إلا أن هناك جوانب هي غافلة عنها، ففي وزارة الثقافة يقولون نحن لدينا فرقة «أمية» مع العلم بأن المستوى الفني لها متواضع وغائب عن الساحة لفترة طويلة ولكنهم متمسكون بوجودها، إضافة إلى أن وزارة السياحة غير معنيّة على الإطلاق، وللأسف لا يوجد تنسيق أو تعاون بين الوزارتين فلو كان التعاون والتنسيق موجودين لكنا قمنا بأعمال كبيرة وضخمة جداً تضاهي الأعمال العربية، وللأسف دائماً المبادرات والدعوات تكون لفرق غير سورية يفتحون لها المسارح، بعكس الفرق السورية، وينتظرون منّا أن نقوم بالمبادرة أو بتقديم كتاب مثلاً، وبالتالي هذا إجحاف بحق الفنانين السوريين الذين هم بالأساس مرغوبون ويحملون صورة سورية الجميلة إلى العالم».

رغم كل شيء
يبقى الأمل هو الذي يحكم السوريين عموماً وراقصي فرقة «جلنار» بشكل خاص. علي حمدان مدير الفرقة: «على الرغم من الأزمة نحن موجودون حيث دُعيت في العام الماضي الفرقة إلى مهرجان قرطاج وقدمت عرضاً مسرحياً بعنوان «الخيمة»، كما سافرت إلى العديد من الدول مثل: تنزانيا وإثيوبيا، وعرّفنا عن سورية بأنها مازالت ولادة للإبداع على الرغم من كل الظروف الحالية، كما قدمنا في الفترة الأخيرة أربعة أعمال مسرحية في دار الأوبرا وهي: سحر الشرق، حجار القلعة، بلاد الشمس وآخر عمل مسرحي كان بعنوان «تدمر الحضارة» بالدار نفسها للاحتفال بعيد العمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن