الأولى

هزيمة آل سعود ومحاولات الخروج من المستنقع

| وضاح عبد ربه

لم تكن تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن نايف حول هزيمة نظامه في سورية واليمن من باب المصادفة، كما لم يكن حذفها كذلك، فآل سعود باتوا مدركين أن عليهم وفي القريب العاجل، تغيير سياساتهم الخارجية بشكل جذري قبل فوات الأوان، وقبل انهيار مملكتهم التي أهلكتها حماقات أمرائها الجدد، وتوظيفهم للإرهاب الدولي ونشره لإبعاده عن عروشهم وخدمة للغير.
هناك بضع حقائق لابد للقارئ أن يطلع عليها ليكتشف أين باتت المملكة اليوم بعد ست سنوات من الحرب على سورية، وقرابة سنتين من الحرب على اليمن وأكثر من ثلاثة عقود من الحرب على إيران.
• بداية وقع نظام آل سعود مع شركة علاقات عامة معروفة في فرنسا بـ«بليسيس» لإعادة بناء صورة «مقبولة» عن المملكة بعد انقلاب الرأي العام الأميركي والأوروبي وكشفه أن آل سعود هم من يقفون وراء كل ما زرع ونما من إرهاب في العالم، وأن سياستهم مبنية على شراء قادة وزعماء العالم بالمال من أجل التستر على فضائحهم والسماح لهم بنشر ثقافتهم الوهابية في المساجد وفي الشارع المهاجر، ما كلّف أوروبا وأميركا مئات الضحايا، وبات عدد كبير من الساسة الأوروبيين يمتنعون عن زيارة الرياض أو عن استقبال الأمراء السعوديين بشكل رسمي خوفاً من ردود أفعال شعوبهم.
وبتوصية من الشركة المذكورة أعلاه، عادت الرياض لتفتح أبوابها أمام الصحفيين الأجانب في محاولة لإعادة صياغة عقد جديد من العلاقة مع الإعلام الأجنبي مبنية على تصاريح ولقاءات ممولة مسبقاً ترسم صورة «مشرقة» عن المملكة وحكامها، وتحديداً محمد بن سلمان الموعود بتسلم العرش ومشاريعه المستقبلية (أو أحلامه) المبنية على بيع أصول المملكة لمصلحة الغير المرجح أن تكون شركات عالمية ذات نفوذ صهيوني.
• هجرة العشرات بل المئات من أمراء آل سعود إلى مدن أوروبية مع ثرواتهم لشعورهم أن الانهيار بات وشيكاً ولابد من التحضير للخطة البديلة.
• إقرار مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأميركي يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 أيلول عام 2001 بمقاضاة السعودية وسيحال إلى مجلس النواب تحت مسمى «العدالة ضد رعاة الإرهاب» للتصويت عليه.
• بدأ حكام السعودية الجدد بعلاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني من أجل حماية أنفسهم من الغضب الأميركي القادم، وحماية عرشهم من أي عقاب ناتج عن دعم المملكة للإرهاب العالمي، وقتلها لآلاف الأبرياء من خلال فتاوى التكفير والتحريض على العنف وإثارة النعرات الطائفية وخاصة أن الأغلبية العظمى من الإرهاب المتطرف ذو أصول سعودية وترعرع وتعلم في مدارس الوهابية داخل المملكة وخارجها في المساجد والمعاهد الممولة من آل سعود في كل أرجاء العالم.
• إدراج الأمين العام للأمم المتحدة منذ يومين التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن على اللائحة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال وهذه سابقة في تاريخ الأمم المتحدة وبمنزلة انقلاب على المال السياسي السعودي.
• يعمل أمراء آل سعود على تنمية علاقاتهم مع دول كبرى كمصر وتركيا لبناء «حلف سياسي ومذهبي» هدفه نفي تهمة الوهابية أولاً والشروع في بناء تحالف مذهبي يتماشى مع حقد آل سعود التاريخي تجاه إيران، ويخطئ من يعتقد أن دولة بحجم مصر بحاجة إلى السعودية، بل العكس هو الصحيح إذ إن المملكة مستعدة لمد القاهرة بما تحتاجه من أجل أن تبقى في فلك آل سعود وتساهم في نفي تهمة الإرهاب الدولي عنهم من خلال انخراطهم في حلف كبير يبرر لهم جرائمهم في كل أرجاء العالم.
• بدأ النظام السعودي الاستدانة من صناديق مالية دولية لسد العجز الناتج عن حروبه غير المبررة ومحاولاته المستميتة لفرض سيطرته من خلال أزلام له على دول مثل سورية ولبنان والعراق لكسر محور المقاومة، وإهداء إسرائيل نصراً لم تكن تحلم به، وأخفق نتيجة جهله لشعوب المنطقة الواعين جيداً لحقيقة آل سعود ومخططاتهم القديمة المستجدة، لنشر التخلف والهيمنة على حضارات الشرق التي تشكل العقدة الأكبر بالنسبة لهم.
• وأخيراً وليس آخراً، محاولة محمد بن سلمان توقيع أي اتفاق مع الحوثيين للخروج من المستنقع اليمني والنزف المستمر والهزيمة السياسية للملكة التي باتت تهدد وجود آل سعود بعد الخلافات الكبرى التي دبت وسط العائلة وبين الأمراء إثر شن هذه الحرب التي لم تكن يوماً مبررة سوى من ناحية قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء اليمنيين ومحاولة فرض المملكة سيطرتها على دولة ذات سيادة في جوارها ناتجة عن حقد تاريخي على عروبة اليمن وحضارتها، وفي سياق الحرب السعودية على إيران واتهامها الحوثيين بالتبعية السياسية لإيران في اليمن.
هذا غيض من فيض لحقائق ووقائع باتت شبه معروفة للجميع، وكلها تدل على هزيمة سياسية وعسكرية مدوية لآل سعود في المنطقة وعلى الصعيد العالمي وهذا ما صرح به ولي العهد محمد بن نايف منذ يومين وحذفه محمد بن سلمان كي يحجب الحقيقة عن الرأي العام السعودي وخاصة أن الخلاف بين الرجلين داخل المملكة بات مفضوحاً، وأن الغلبة حتى الآن تميل لمصلحة محمد بن سلمان مستغلاً وجود والده الملك على العرش.
يبشر بعض الإعلام في تركيا وفي الغرب عن استدارة قريبة جداً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولآل سعود تجاه سورية واليمن، وهذه ليست أوهاماً أو فقط تبشيرات إعلامية، هي حقيقة فرضها صمود السوريين واليمنيين والعراقيين واللبنانيين وكامل محور المقاومة على قوى الهيمنة والظلام التي صدقت لوهلة أنها قادرة على إخضاع شعوب بكاملها، فقط من أجل إرضاء السيد الأميركي والإسرائيلي وتفتيت العالم العربي إلى دويلات طائفية تنتصر لـ«يهودية» إسرائيل التي لم ولن تبصر النور.
إننا بكل تأكيد أمام مرحلة تحولات كبرى، وقليل من الصبر، وعلى الرغم من كل هذا التصعيد، ونكون على موعد مع مزيد من الانتصارات على كل من دعمته السعودية وتركيا عسكرياً وسياسياً، وصحيح أن الحرب لن تنتهي مع استسلام هؤلاء، لكنها تنتهي حتماً حين يقر سيدهم الأميركي أن حربه بالوكالة على سورية أخفقت وحان الوقت لوقفها، وحين تحقق إسرائيل واحداً من أهم أهدافها: تطبيع العلاقات مع دول الخليج وإضعاف محور المقاومة بعد أن عجزت على تفكيكه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن