قضايا وآراء

الفساد ومواجهته في عالم اليوم

| د. قحطان السيوفي

«لو كان بيتنا الداخلي صلباً وقوياً ومتماسكاً، لا يضرب الفساد والخيانة بعض زواياه، لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن..».
من خطاب السيد الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب 7/6/2016.

في عام 1996، أعلن البنك الدولي، أن «سرطان الفساد» تجب مكافحته بالقدر نفسه الذي نكافح به الفقر والجوع، والمرض. وفي 15 أيار 2016 عُقد المنتدى العالمي لمكافحة الفساد… وتبقى الجهود الدولية لمحاربة الفساد أقل بكثير من خطر هذه الآفة. الفساد عقبة كأداء في طريق تحقيق التنمية السليمة لأنه يساهم في تحويل الموارد من الفقراء إلى الأغنياء، ويزيد من تكاليف إدارة منشآت الأعمال، ويشوه النفقات العامة، ويُنفر المستثمرين الأجانب، لذلك أصبحت مكافحة الفساد والحاجة إلى الإدارة الرشيدة؛ جزءا من المتطلبات الضرورية للتنمية. الفساد مشكلة اجتماعية لا تتعلق بمؤسسات الدولة وأجهزة الحكومة فقط، وإنما مشكلة كل قطاعات المجتمع وفئاته.
بالمقابل فإن ضعف المؤسسات العامة وتشوه السياسات الاقتصادية هما حاضنة ممارسات الفساد.
نحن أمام وباء لا ينال فقط من البلدان النامية، بل يستشري بصور مختلفة في البلدان المتقدمة؛ لقد عانت إيطاليا «على سبيل المثال» لعقود طويلة من هذا التداخل المروع بين جرائم الفساد، والفساد السياسي… الفساد ببساطة يكبد العالم أكثر من ثلاثة تريليونات دولار سنويا، وهو أيضاً يرفع تكاليف المشاريع التنموية والبنية التحتية (15%) ويؤثر سلبا في الخدمات العامة، من صحة وتعليم وغير ذلك. إنه «سرطان اقتصادي» لا يبدو أنه قابل للعلاج، بل للاستئصال في الأزمات والحروب ؛ سوء الإدارة المزمن والفساد ينالان من معنويات المواطنين ويقوضان ثقتهم بالدولة. كما يصار إلى خفض الاستثمار في التعليم والصحة وهذا خطر كبير، فعدم الاستثمار يؤدي لفقدان جيل بكامله.
يتم تشبيه الفساد المستشري في بعض الدول بشكل من أشكال الشركات المساهمة. الساسة وأصحاب الأعمال يتخذون مكان الصدارة في نظام فساد عمودي مؤسسي. وهم المستفيدون من رشا وعمولات اقتصاد ظل ضخماً وعميق الجذور… بغض النظر عن الخلاف في مدى جدية الحكومات في محاربة الفساد، ومدى قدرتها على المضي قدماً بهذه العملية… فإن أي جهد منعزل وفردي لا يمكن أن يحقق شيئاً مهما والسؤال: من الذي يجب أن يحارب الفساد في القطاعات العامة والأهلية؟
إنها مسؤولية عدة جهات معنية… على أن توفر الدولة لها التشريعات والأنظمة المناسبة، وتمدها بالخبرات والكفاءات اللازمة، أما المواجهة فهي مسؤولية مشتركة بين الحكومة وتلك الجهات، بما في ذلك الفعاليات الاقتصادية من غرف التجارة والصناعة… إن الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد تضع كل مواطن شريكا في تطبيق الأنظمة ؛ لذا فإن المشاركة وتحمل المسؤولية ضروريان لتنفيذ هذه الإستراتيجية وتحقيق أهدافها لحماية المال العام وضمان سير الخدمات. لكي تبدأ الحرب الحقيقية على الفساد، يجب وضع المصارف الكبرى تحت المجهر، فلهذه المصارف دور أساس في «مأسسة» الفساد في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية 2008.. تدخلت الحكومات من أجل أن تحد من الفساد في المصارف والمؤسسات المالية.
رغم أهمية القمة العالمية لمكافحة الفساد الأخيرة؛ إلا أنها لم تقدم حلولا ناجعة. قامت بتوصيف هذه الآفة الخطيرة، وقدمت سلسلة من المشاريع، غير أن آليات التطبيق ليست متوافرة بما يكفي… الفساد ليس بحاجة لمن يتحدث عنه فقط… ما يهم العالم الآن أن تُشن حرب حقيقية، مشابهة لتلك التي أطلقت على المخدرات في ثمانينيات القرن الماضي، وحققت وقتها بالفعل بعض النتائج العملية.
لا يمكن الإقلال من آثار القمة العالمية المشار إليها، لكن يجب إصدار قوانين وقرارات واضحة يمكن توفير الغطاء العالمي لها، لكي تنطلق الحرب الموعودة بقوة توازي مستوى الخراب الذي يخلفه الفساد بكل أشكاله، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن أموال المساعدات والدعم وتلك التي ترصد للتنمية، ينال منها الفساد أيضاً، وليس فقط الأموال المحلية في هذا البلد أو ذاك ولاسيما تلك المنضوية ضمن إطار البلدان النامية. أحد الأميركيين قال ساخراً عن المساعدات التي تقدمها البلدان الغنية إلى الفقيرة: «إنها أموال تأخذها البلدان الغنية من فقرائها، لتقدمها إلى أغنياء البلدان الفقيرة. أخيراً مع عدم الإقلال من أهمية دور المنظمات الدولية، فإن محاربة الفساد مسؤولية الدولة والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية الأهلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن