قضايا وآراء

ما قبل مؤتمر طهران وبعده؟

| صياح عزام 

ما يجري على الأرض في الشمال السوري يولد العديد من التساؤلات التي تجيب عن بعضها العمليات الميدانية الفعلية على الأرض.
ما تسمى «قوات سورية الديمقراطية» تتقدم بدعم أميركي باتجاه مدينة (منبج)، وهي المدينة الأكبر في الشمال السوري بعد حلب إذ يبلغ عدد سكانها نحو 470 ألف نسمة، والهدف من ذلك إضافة لأهداف أخرى معروفة هو السعي لإغلاق الحدود التركية على مسافة 400 كم تمتد من جرابلس إلى إعزاز الحدودية.
بطبيعة الحال إن مثل هذا التقدم يترك آثاره باتجاهين، الأول هو التهديد الذي يتعلق بوحدة الأراضي السورية وإقامة أي شكل من أشكال الكيانات الجديدة التي تحدث عنها البعض هناك من جهة، والثاني هو ما سيؤول إليه وضع تركيا لو امتد (كانتون كردي) على طول حدودها مع سورية من جهة أخرى.
إضافة إلى ذلك، أفرزت الأعمال القتالية الدائرة في ميدان الشمال السوري مسائل أخرى منها على سبيل المثال، أن قوات سورية الديمقراطية عبرت الشاطئ الشرقي لنهر الفرات إلى شاطئه الغربي، على أساس أن تواصل تقدمها باتجاه الرقة جنوباً، إلا أنها غيرت مسارها لتتجه غرباً نحو منبج، كما أشرنا قبل قليل، وبالتالي، فإن العلم الكردي سيرفرف مقابل نافذة السلطان التركي الجديد أردوغان وسيتم قطع طريق الإمداد بين تركيا وداعش، حتى وبين تركيا والفصائل الإرهابية الأخرى التابعة لها على الأرض السورية.
لا شك بأن مثل هذا الوضع يشكل ضربة لمخطط أردوغان، جاءت بعد يومين فقط من تصويت (البوندستاغ) أي البرلمان الألماني على إدانة مجازر الأرمن في تركيا واعتبارها إبادة جماعية.
بالتوازي مع ذلك، بدأ الجيش العربي السوري تحت غطاء من سلاح الجو السوري الروسي عملية عسكرية باتجاه الطبقة ومطارها العسكري في محافظة الرقة من جهتها الجنوبية، حيث وصلت طلائعه إلى داخل منطقة الحدود الإدارية للمحافظة واقتربت من مطار الرقة.
والسؤال المهم هنا، ماذا عن النصرة والمجموعات الإرهابية الأخرى التي لا تقل إجراماً عن تنظيم داعش؟ هل سيقدمون فيما بعد على أنهم «معارضة معتدلة» أو يؤجل أمرهم لما بعد القضاء على داعش، وبالتالي لن يكون أمر التعامل معهم سهلاً؟
الكل يعلم أن جبهة النصرة لا تزال على ولائها للقاعدة ولزعيمها الظواهري، ولها امتدادات في أغلبية الدول العربية، فكيف سيتم التعامل معها بعد داعش؟
يحذّر البروفيسور الفرنسي «جان بييرفيليو» المختص بالشؤون السورية في كلية العلوم السياسية في باريس من أن دعم الولايات المتحدة لفئات كردية له مخاطر كبيرة في مقدمتها ازدياد شعبية داعش عربياً.
إن هذا التحذير جاء، إما لاستجداء دعم الفصائل الإرهابية الأخرى، أو في إطار البحث عن دور لفرنسا ولأوروبا عموماً في المنطقة بعد تحجيمه من واشنطن وموسكو، أو أنه يدل على عدم فهم لسير وتعقيدات الأمور في المنطقة ولكن الأرجح أن الإستراتيجيين الأجانب وخاصة منهم الأوروبيين لا يقاربون أحداث المنطقة إلا من أبواب إثنية ومذهبية لأن هذه الأبواب تدفع إلى سنوات طويلة من الحروب وتؤدي إلى مزيد من التفتيت.
ألم يتوقع «أوباما» أن الحرب على داعش قد تستغرق ثلاثين عاماً؟!
هذا وقد جاء الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في طهران يوم الخميس 9/6/2016 بين وزراء دفاع سورية وروسيا وإيران، ليس لمجرد التنسيق بين هذه الدول، لأن التنسيق موجود سابقاً وبشكل فعّال، بل هو لتقييم مجريات ونتائج مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وتعزيز سبل هذه المكافحة.
من الواضح أن الأبعاد الأمنية والسياسية للاجتماع ستتمحور حول ضرورة بدء مرحلة جديدة وحاسمة في محاربة الإرهاب، أهم ما يُمّيزها هو الانتقال من المرحلة التي اتسمت بالطابع الدفاعي الذي يُراعي الجهود الروسية لإنجاح مساعي الحل السياسي، إلى مرحلة تتسم بالطابع الهجومي.
طواقم عسكرية واستخبارية وأمنية من الأطراف الثلاثة بين خبراء ومسؤولين ميدانيين حضرت الاجتماع، وما من شك في أن الوضع المستجد في الشمال السوري بما في ذلك التصعيد الإرهابي في حلب ضد المدنيين كان حاضراً بقوّة على طاولة المباحثات وعلى رأس الأولويات.
وهكذا يمكن القول إن اجتماع طهران لم يكن اجتماعاً عادياً، وستكون له نتائج إيجابية مهمة وملموسة على أرض الواقع، إضافة إلى ذلك فإنه وضع حداً لما سرّبته بعض وسائط الإعلام المُغرضة عن وجود خلافات أمنية وميدانية بين روسيا وإيران، كما وضع حدّاً لكل الرهانات على إمكانية خروج روسيا من سورية، بل من المتوقع أن تكون بعد هذا الاجتماع اندفاعة روسية أقوى وأشد ّفي محاربة الإرهاب، ما يفتح الباب أكثر أمام التوصّل إلى حل سياسي في سورية وإنهاء الأزمة فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن