قضايا وآراء

الستار البحري: فرضية الأمان الأميركي

| عامر نعيم الياس

عمر متين الأميركي المولود في نيويورك من أصل أفغاني والبالغ من العمر 29 عاماً، والحاصل على شهادة في القانون الجزائي، دخل إلى ملهى في أورلاندو بولاية فلوريدا وأردى خمسين قتيلاً على الأقل في مذبحة هي الأكبر في تاريخ الولايات المتّحدة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001. أورلاندو هي الأخيرة في سلسلة هجمات إرهابية عبر «الذئاب المستوحدة» وفق التعبير الذي يحلو للغرب استخدامه كثيراً بعد هجمات بدأت في فورت هود بولاية بوسطن، مروراً بتشاتانوغا، وليست انتهاءً بهجوم سان برناردنيو في كانون الأول من عام 2015، الذي جاء متزامناً مع الهجمات التي وقعت في العاصمة الفرنسية باريس.
المشتبه فيه بتنفيذ الهجوم في ولاية فلوريدا «جرى التحقيق معه مرتين قبل أن يغلق ملفه بسبب عدم تثبيت الشبهات حوله» وفق وول ستريت جورنال الأميركية التي أضافت إن عمر متين «استجوب في العام 2014 لاشتباه في وجود علاقة تجمعه مع منير محمد أبو صالحة من فلوريدا الذي التحق بجماعة إسلامية في سورية قبل أن ينفذ عملية انتحارية»، تحوم الشبهات حول النصرة، مع أن داعش هي التي تبنّت العملية التي قام بها الأميركي من أصل أفغاني، لكن يبدو أن شيطنة النصرة ليس في مصلحة بعض النخب الأميركية حالياً إذ يبدو أن دورها لا يزال محطّ رهان واشنطن والحلفاء.
ما سبق يطرح العديد من علامات الاستفهام حول جدوى المراقبة الممتدة للمشتبه فيهم من باريس إلى بروكسل فواشنطن، حيث كل العمليات التي نفذّت قام بها من خضع للتحقيق ومن تُسلّط عليهم الأجهزة الأمنية الضوء، فهل من الممكن أن تكون الرقابة مفتاحاً لسيناريو هجمات مفتعلة بتسهيل من المراقب؟ ماذا عن آلاف مواقع الإنترنت التي تسهّل التجنيد، ألا تستطيع الولايات المتّحدة التحكّم بها وحجبها؟
لا شيء مستبعداً في السياسة، وخاصةً أن القرار الدولي بالحرب على ما يسمى الإرهاب الجديد مختصراً بتنظيم «داعش» لا يبدو أنه مسار معالجة أسباب الظاهرة وجذورها، بل الحفاظ على حالة الاستقطاب القائمة دولياً من أجل إمرار ما تيسّر من سياسات لا يرى فيها صانع القرار الأميركي خطراً مباشراً عليه، لكن هل لا يزال البحر سدّاً منيعاً يحمي الولايات المتّحدة من الإرهاب والسياسات الأميركية؟
تحكُم النخبة الأميركية على مدى عقود قناعة تقول بأن النموذج الأميركي المغري والمثالي في الاندماج تحديداً، والمانع الجغرافي المائي الطبيعي الفاصل عن قارات العالم القديم الذي يشكّل ساحة لصراع النفوذ الدولي، من شأنها أن يجنّبا البلاد ظاهرة التطرّف الدولي، لكن التغيّرات في بنية المجتمع الأميركي معطوفاً عليها الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية التي كرّست انجذاب القاعدة الشعبية داخل الولايات المتّحدة إلى التغيير عبر مساري دونالد ترامب وبيرني ساندرز، قد تفرز تحوّلاً في هذه النظرة التي من غير الممكن تبرير استمرارها بمواضيع من قبيل سهولة اقتناء السلاح في الولايات المتّحدة وظاهرة «الذئاب المستوحدة»، ولعل في مثال رد هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية، على حادثة فلوريدا ما يعكس التوجّه المتعنت للنخب الكلاسيكية في الولايات المتحدة.
المسار «الجهادي» مستمر لا قاطع جغرافياً له، ولا نماذج في الاندماج تشفع للغير في تجرّع كأس الدم المر الذي يتعمّد الشرق بها منذ العام 2001 حتى اللحظة، بينما التغيير السياسي المرجو لا يزال بعيد المنال.
كاتب ومترجم سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن