قضايا وآراء

مكافحة الإرهاب منحت جنيف إجازة طويلة

| سامر علي ضاحي 

رغم الزخم الدولي الذي شهدته الأزمة السورية والذي تكلل بعقد ثلاث جولات من الحوار غير المباشر في جنيف إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى انحراف في المواقف الدولية باتجاه «حل عسكري» رغم الإعلان المستمر عن دعم الحل السياسي بموازاة ازدياد ضبابية موعد جولة جنيف المقبلة.
فالولايات المتحدة أرسلت جنوداً ضمن قوة مهام خاصة لدعم «قوات سورية الديمقرطية» التي تحظى بدعم جوي من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وكذلك فعلت فرنسا، ناهيك عن الأنباء الواردة من الشمال والتي تفيد بأن واشنطن باتت تستعمل مطار الرميلان لانطلاق مروحياتها في دعم عمليات الديمقراطية.
بريطانيا من جهتها أرسلت «قوات خاصة» إلى الجنوب السوري بحسب تسريبات صحيفة «التايمز» البريطانية لدعم مجموعات ممن تسميها «المعارضة المعتدلة» ضد داعش.
وآخر التطورات صدر عن حلف شمال الأطلسي (ناتو) عبر إعرابه عن الاستعداد للانخراط ضمن التحالف الدولي في سورية والعراق.
ورغم أن موقف «ناتو» الأخير يمكن تفسيره محاولة لزيادة الوجود العسكري الغربي في مواجهة الوجود العسكري الروسي الجديد في سورية إلا أن ما صدر من مواقف سياسية موازية تجاه العملية السياسية في سورية يحمل ما يمكن تفسيره «تحولاً غربياً».
فواشنطن أعلنت رفع القداسة عن موعد الأول من آب لعملية الانتقال السياسي في سورية بعدما كان وزير خارجيتها جون كيري يسعى جاهداً لتثبيت هذا الموعد، وسبق الموقف الأميركي موقف أوروبي مماثل صدر من قلب اجتماع لمعارضين سوريين في بروكسل جاء أيضاً بعد موقف روسي مشابه.
ومن اللافت أن جملة التحولات الأخيرة جاءت بعد اجتماع لوزراء دفاع سورية وروسيا وإيران في طهران، بموازاة تأكيد الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سورية ستيفان دي ميستورا صعوبة إطلاق جولة جديدة من المحادثات في جنيف.
ورغم أن الأطراف الغربية دأبت ومنذ بداية الأزمة على اتهام الحكومة السورية بأنها تركز على الحل العسكري للأزمة و«إزهاق أرواح المدنيين» إلا أن الأطراف ذاتها وبدل أن تصب اهتمامها على تفعيل حوار جنيف السياسي ودعمه وتسهيل متطلباته وعلى رأسها قطع طرق تمويل الإرهابيين، عمدت إلى اتباع خطوات جديدة يفهم منها محاولة لفرض حل عسكري في سورية رغم أن النيات الحقيقية لتلك الخطوات أو حتى التبعات السياسية لها لا تزال غامضة، إلا أن الثابت الوحيد فيها أن الوضع العسكري بات منطلقاً لرسم مستقبل ليس سورية فحسب وإنما عملية إعادة ترتيب إقليمية من نوع خاص تتعدى الحدود السورية.
ومن دلالات ذلك تحوّل الديمقراطية عن مدينة الرقة والاتجاه نحو منبج شمالي حلب، رغم أن عمليات تنظيم داعش الإرهابي وصلت إلى قلب العواصم الغربية فمن اعتداءات بروكسل إلى اعتداءات باريس وصولاً إلى عملية فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية وباريس من جديد، وكان حرياً بتلك الدول التنسيق مع دمشق كما تفعل موسكو وطهران، هذا إن لم يكن هذا التنسيق موجوداً بشكل أو بآخر لطالما اعتدنا أن ما خفي كان أعظم مما يعلن بكثير.
إن التدخل الغربي الأخير شمالاً وجنوباً يمكن أن يشير إلى أن القوى الغربية وعلى رأسها واشنطن ترى أن الحل العسكري ضروري، كمقدمة، لصياغة حلول سياسية وإن كان بإمكان أولئك صب اهتمامهم على جنيف وتوفير متطلباته من وقف لدعم المجموعات المسلحة والإرهابية هذا المطلب الذي يبدو أنه صعب عليهم بعد حالة التداخل المتشابكة بين تلك المجموعات المسلحة وتنظيم جبهة النصرة الإرهابي ولم تعد ما تسميها «معارضة معتدلة» سوى جيوب مبعثرة هنا وهناك تحاول التدخلات الغربية أيضاً الدفاع عنها في قراءة مقابلة.
الترتيبات الإقليمية يبدو أن تركيا ستكون المتضرر الأكبر منها وإلا ما هذا التصعيد في الخطاب الرسمي التركي، وصولاً إلى محاربة «الإرهاب» في الداخل والخارج على حد زعم رئيسها رجب طيب أردوغان، واتهام واشنطن غير المباشر ودون أن يسميها بتنفيذ «مشروع خطير» على حدوده الجنوبية.
الاستنتاج الأهم هنا أن بيان فيينا 2 الذي صاغت فيه مجموعة الدعم الدولية لسورية أواخر العام الماضي ما يشبه الجدول الزمني للانتقال السياسي ومعه جنيف3 مُنحا إجازة طويلة، أو جمدا مرحلياً، على حساب التقدم في مكافحة الإرهاب الذي لطالما شددت دمشق على أولويته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن