قضايا وآراء

لزوم تعويم الدور السعودي

| عبد المنعم علي عيسى 

من الممكن تلمس المخطط الغربي الرامي لإحداث انحراف كبير في الصراع القائم في المنطقة وتحويله من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع مذهبي، منذ السنوات الخمس الأخيرة في القرن المنصرم، ولابد – اليوم- من القول إن ذلك المخطط قد حقق جزءاً كبيراً من مرامية الأمر الذي يمكن لحظه في تراجع الأهمية التي يوليها المستويان الشعبي والرسمي للقضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي.
مرّت قضية العرب- سابقاً- بمراحل عدة تلقت فيها ضربات موجعة أدت إلى حدوث انعطافات كانت في مجملها ذات ارتدادات سلبية عليها كان في الذروة منها زيارة السادات للقدس 1977 وما تمخض عنها من اتفاقات كامب ديفيد أيلول 1979، جاء بعدها ما سمي مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز (أصبح ملكاً فيما بعد وتوفي 2015) التي تبنتها جامعة الدول العربية في بيروت 2002 وهي أساساً مجموعة من الأفكار التي تقدم بها الصحفي الأميركي توماس فريدمان تمّ تعديلها بطروحات سورية- مصرية قبل أن تأتي على الصورة التي جاءت عليها.
كان أول الرافضين لتلك المبادرة تل أبيب التي كانت تدرك بحدسها السياسي أن الواقع العربي الراهن (آنذاك 2002) لا يشكل ركيزة صلبة رافعة للمطالب التي احتوتها تلك المبادرة وأن – ما زلنا في الحدس السياسي الإسرائيلي- المنطقة العربية مقبلة على انهيارات كبرى (في ذلك الوقت 2002 كان قد صدر تقرير اللجنة المكلفة التحقيق في أحداث أيلول 2001 التي صدرت مطلع عام 2002 ومن المستحيل ألا تكون تل أبيب قد اطلعت عليها بما فيها الصفحات الـ28 المغيبة) ومع ذلك فإن الرفض الإسرائيلي لم يكن ناجماً عن تباعد في الرؤى كبير مع المبادرة وإنما كان (ذلك الرفض) ناجماً عن موقف لا تريد تل أبيب فيه الاعتراف بالدور – أو الثقل- الإقليمي السعودي الأمر نفسه الذي شكل عقبة كأداء في طريق إشهار العلاقة الإسرائيلية- السعودية على الملأ، وفي المستجدات أطلقت فرنسا قبل أسابيع دعوة لعقد مؤتمر سيشكل منبراً للإعلان عن المبادرة الفرنسية للسلام في باريس في الثالث من تموز المقبل، إلا أن الأمر المهم في الموضوع هو أن تحالف نتنياهو – ليبرمان الجديد كان قد أعلن قبل أيام عن قبول مبادرة بيروت للسلام 2002 بعد إجراء تعديلات عليها (أي إرجاعها إلى الشكل الذي صاغها فيه توماس فريدمان) وبمعنى آخر فإن تل أبيب أضحت جاهزة للقبول بالثقل الذي تعطيه المبادرة للنظام السعودي على مستوى المنطقة، وفي الصورة الأبعد يأتي هذا التطور في الموقف الإسرائيلي ليشكل (كشكشاً) لزخارف المظلة البريطانية التي احتمى بها الخليجيون في قمتهم التشاورية في الرياض 20/5/2016، والتي لا تشكل وحدها مرتكزاً كافياً للاتكاء عليه صحيح أن السعودية كانت قد استظلت بالمظلة البريطانية قبل قرن من الآن بعد توقيع معاهدة دارين عام 1915 إلا أن ذلك كان في مرحلة كانت بريطانيا فيه تمثل القطب الغربي الأكبر الذي يتراصف حوله الغرب بما فيه الولايات المتحدة آنذاك وهو دور لم تخسره بريطانيا رسمياً إلا بعد عدوان السويس 1956 الذي أدى إلى بروز إمبراطوريتين جديدتين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، أما الآن فإنها (بريطانيا) هي نفسها تعيش تحت المظلة الأميركية التي لا تمنحها هامشاً كبيراً للمناورة خارج حدود أوروبا الغربية تحت طائلة تقزيم الدور في حال القفز فوق الأسوار الأميركية العالية.
ما يجري الآن (تحديداً الخيارات التي ذهبت إليها الرياض مؤخراً) ناجم عن قرار سعودي يرى أن السبيل الوحيد للخروج من كل هذه المآزق وفي الذروة منها تراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة، هو التقاط اللحظة التي يعاني فيها المحور المصري- السوري وهناً ملحوظاً للقيام بدفن القضية الفلسطينية انطلاقاً من أن أمراً من هذا النوع هو الوحيد القادر على إعادة تقويم الدور السعودي الإقليمي والدولي على حد سواء.
من المفارقات الكبرى في هذا السياق أن الخطاب السياسي الخليجي ومنذ أن أرسل إلينا انغماسييه مع مطلع «الربيع العربي» كان يعتمد على تسويق رؤيا مهمة مفادها أن دول الطوق العربية كانت تستخدم القضية الفلسطينية «شماعة» لتضفي مشروعية على الأنظمة القائمة فيها!! الآن لا يبدو مهماً انتقاد تلك الرؤيا فهي لا تصمد للوقائع إلا أن السؤال المهم هو: إذا كانت تلك الأنظمة قد عملت على تعويم نفسها عبر إبقاء القضية الفلسطينية متوهجة على الدوام فهل تعمل الأنظمة الخليجية (السعودية تحديداً) على تعويم نفسها عبر «دفن» القضية الفلسطينية التي سيكون مؤتمر باريس أولى خطواتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن