الأخبار البارزةثقافة وفن

المرأة السورية كما هي…«حرائر» أشبه بمرافعة عن صورة المرأة الشاميّة التي قُدّمت كسجينة جدران أربعة

وائل العدس:

يضع المخرج باسل الخطيب اللمسات الأخيرة على مسلسل «حرائر» إيذاناً بإسدال الستار على تصوير آخر مشاهده، وبالتالي دخول العمليات الفنية ليكون جاهزاً للعرض الرمضاني.
كتب العمل عنود الخالد، وتنتجه المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي ويؤدي أدوار البطولة فيه:
أيمن زيدان، وسلاف فواخرجي، ومصطفى الخاني، ورفيق سبيعي، وصباح الجزائري، وميسون أبو أسعد، ونورا رحال، وندين سلامة، ونجاح سفكوني، ونجلاء الخمري، وتولين البكري، ومحمود نصر، وعلاء قاسم، ويحيى بيازي، وغادة بشور، وروبين عيسى، ويامن الحجلي.

تاريخي شامي

العمل تاريخي وبيئي شامي مؤلف من ثلاثين حلقة مترابطة ومحبوكة بطريقة سلسة وبسيطة، ويسلط الضوء على مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ سورية ما بين 1915-1920 التي ترافقت مع خروج الاستعمار العثماني ودخول الاستعمار الفرنسي ليضيء على شخصيات تاريخية مهمة كان لها وقعها على مسار الحياة من خلال استحضارها، ليحشد العمل نساء كثيرات، منهنّ نماذج نسائية حقيقية، ومنهنّ نماذج متخيّلة مرتبطة بالسياق التاريخي.
وواضح من العنوان أنه يتحدث عن نساء ناضلن من أجل الحرية عبر شرائح ضمت الأديبة والكاتبة والمرأة المجاهدة حتى وإن كانت بسيطة في درجة تعليمها، ليتحدث عن الشام ليس من خلال القصة والشخصيات النمطية التي تقدم الابتسامة فقط، إنما هناك مشروع معني بالتاريخ الدمشقي وإظهار الجوانب الحضارية فيه.
ويوثق للحركة الفكرية والثقافية والنسائية في دمشق مطلع القرن العشرين ودور النساء في الإعلام والصحافة من دون أن تكون الحكاية الرئيسية في العمل موثقة.

قيمة معرفية
تدور الأحداث في دمشق في حين كان الفرنسيون على الأبواب، عبر حكايةٍ من شقيّن، الأول تاريخي وتوثيقي، والثاني افتراضي، يتناول الأول شخصيات نسائية دمشقية معروفة، مثل نازك العابد (1887- 1959)، وماري عجمي (1888- 1965) اللتين كان لهما دور رائد في النهضة الاجتماعية وحركة التنوير مطلع القرن العشرين.
وثمّة شخصيات درامية أوجدت، لتكون الحامل الرئيس للأحداث والعلاقات، والتمازج بين الخطيّن التوثيقي والافتراضي. هذا ما يشكّل قصّة «حرائر»، ليكون العمل تحيّة للدور التنويري الذي قامت به المرأة السورية خلال تلك الفترة.
ويحمل النصّ قيمة معرفية، من خلال تناوله حقبة تاريخيّة تفاصيلها غير معروفة، أو معروفة ولكن بشكل غير دقيق، والأهم من ذلك أن العمل يقول «إن الصور التي روّجت لبلاد الشام بأنها مجتمع مغلق وقاتم، كانت مغلوطة»، ليكون أشبه بالمرافعة أو الدفاع عن صورة المرأة الشاميّة التي قُدّمت في دراما البيئة سجينة الجدران الأربعة.
ويقدم صورة متفائلة للمرأة من حيث فاعليتها في الحياة، وتقديم نماذج من إسهاماتها الحقيقية في تطوير المجتمع، ومن ضمن الحكايات التي يرصدها العمل رحلة امرأة يتوفى زوجها وتتعرض لمجموعة من الضغوط، لكنها تقاوم لتكون شاهدة على حراك اجتماعي حقيقي للمرأة، وهناك محاولة لإنصاف تاريخي موثق بتفاصيل الحياة الدمشقية.

تاجر الأقمشة
بعد «هولاكو»، و«أيام الغضب»، و«هوى بحري»، يعود أيمن زيدان للوقوف أمام كاميرا الخطيب بعد عقد من الغياب، ويؤدي دور صبحي، ويجسّد الحالة الذكورية المتخلّفة، والشخصية بما تحمله من تناقضات، هي تعبير صارخ عن الأسوار المفروضة على المرأة الدمشقية.
يمثّل تاجر الأقمشة «صبحي» الصورة الذكورية في أبرز تجليّاتها. فهو رجل تقليدي، وغرائزي، يرى أن قبر المرأة بيتها ولديه مواقفه المتعنّتة، وقوانينه الصارمة تجاهها.

تحولات كبرى
تحدّت ظروفها، وظروف عائلتها، ورفضت الخنوع أو الاستكانة للمعايير الاجتماعية السائدة، وأصبحت تعرف الفارق بين «حُرمة» وامرأة من حقها أن تتعلم، وتعلّم بناتها، وتطالب بحقوقها وحقوقهن، كالحق في الإرث، كما تعيش حياتها بملء إرادتها.
هكذا يصح وصف شخصية «بسيمة» التي تؤديها فواخرجي والتي تشهد تحوّلات كبرى، لتحقق كيانها الخاص وتصبح امرأة حرّة، فيما يمكن اعتباره تكثيفاً لتحوّلات المشهد النسوي السوري، ودخول المرأة مجالات أوسع في تاريخ البلاد.
ثقة «بسيمة» في ذاتها كامرأة وأم، واحتكاكها بمجتمع النساء المتعلمات، والحقوقيات، يساهمان بتحقيق نقلةٍ نوعيةٍ بحياتها، تتحدى معايير ذلك الزمن، هكذا تتحول من امرأة لا حول لها ولا قوّة، إلى سيّدة حرّة بما تختزنه هذه الكلمة من معانٍ جميلة، وتأخذ زمام المبادرة بمجتمعها، لتنضم لاحقاً، لصفوف جيش الشهيد البطل يوسف العظمة، الذي دافع عن دمشق بموقعة ميسلون الشهيرة، وحاول منع دخول الفرنسيين المحتلين إليها.

ملامح مختلفة
يؤدي مصطفى الخاني دور «سعيد»، وهو شاب رقيق، تربّى على قيم اجتماعية وأخلاقية تسبّب باصطدامه مع والده صبحي تاجر الأقمشة، وينشط في جلسات تنويرية وحراك ضد المستعمر العثماني حتى طرده من البلد، ويعايش فترة دخول المستعمر الفرنسي إلى سورية، ويحمل الدور ملامح مختلفة تماماً عمّا قدمه سابقاً من أدوار، وكانت أغلبيتها ذات طابع شرير.
يعيش صراعاً بين أن يُغضب والده الذي لا يمتثل لتلك القيم، أو الصدام معه وتطبيق ما تعلمه وتربّى عليه من قيمٍ أخلاقية ودينية. وتمر الشخصية بصراعاتٍ كثيرة، يحاول خلالها البحث عن نفسه، ويكتشف أن العالم أكبر من عائلته الصغيرة، وينتقل عبر مجموعة دوائر تتسع، ويتسع معها عالمه، ومفاهيمه، وصولاً إلى مفهوم الوطن. هكذا يشارك في الحراك لطرد العثمانيين من البلاد، ثم يلتحق بجيش يوسف العظمة لمواجهة الفرنسيين في ميسلون. وبالتوازي مع ذلك يعيش قصة حب مع ابنة عمّه التي تعاني انعكاسات العلاقة المتوترة بين أبيه ووالدتها.
وجهان شابان

يعتمد المخرج على وجهين شابين في تأدية أهم شخصيتين، فتجسّد نجلاء خمري شخصية نازك العابد، أمّا ماريا عجمي فأُسند دورها إلى الممثلة جيانا عنيد. وهما خياران فرضتهما الحقيقة التاريخية المرتبطة بهاتين الشخصيتين، وخصوصاً على مستوى الشكل.
في الجانب الافتراضي للحكاية، تلعب الشخصيتان التاريخيتان دوراً مهماً في حياة البطلة «بسيمة» التي لفتها مجتمع النساء الحقوقيات والمتعلمّات، وساعدها الاحتكاك بهن في تحقيق نقلة كبيرة جداً، كسيّدة دمشقية.

تمرد وانفصال
وتؤدي الفنانة ميسون أبو أسعد في العمل شخصية «زبيدة» ابنة أحد التجار الأغنياء، متكبرة ومتعجرفة تحب الأموال وتطمح دائماً لأن تعيش حياة سعيدة ثرية وهذا ما يدفعها إلى الزواج من شخص ثري وأعلى منها شأناً، لتكتشف أن ضريبة ذلك كرامتها فتختار التمرد والانفصال، ثم يقرر الزوج العودة إليها ضمن الشروط التي تختارها هي، وفي سياق الأحداث تتعرض لاضطرابات زوجية متتالية، وتحاول إنقاذ زواجها من الخراب بعد أن أحبته.

باشا عثماني
يلعب أحمد رافع دور نزار باشا وهو أحد الباشاوات العثمانيين في دمشق، وللرجل مساوئه وأهواؤه التي تأتي على آخرته، فيزول العز والجاه اللذان كان فيهما بحكم اختراقه من جاريات ونساء، فيصب كل ذلك في مصلحة أعدائه في الداخل والخارج.

أول مرة
يؤدي رفيق سبيعي دور «الشيخ صالح» وهو أحد وجهاء الحارة ويحتكم إليه الناس لحلّ المشاكل والخلافات وطلب النصيحة.
أما ابنته صبا فتخوض تجربتها التمثيلية الأولى، وتؤدي شخصية «تيجان» وهي امرأة سورية تعيش في الأستانة مع زوجها إلا أنها ليست سعيدة وتتمنى العودة إلى دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن