ثقافة وفن

عتبة الحضور

| إسماعيل مروة 

الدراما، شاغلة الناس، همّ الصائم، وصولة الإنسان في رمضان، موسم القطاف والشركات والاقتصاد والاستثمار في الفن والأعمال، الدراما قادمة وراحلة، مستقرة ومهاجرة، محاربة وتنال التشجيع، الدراما البيئة والمجتمع، دراما مستقاة من أجواء رمضان، أو موجهة لرمضان، أو ساعية للتكريس والتعزيز في رمضان! هل هي حالة صحية الدراما الرمضانية؟! ماذا عن النجوم المهاجرين والمقيمين والآيبين، العاصين والتائبين؟! أسئلة كثيرة تحتاج إلى وقفات ووقفات، ولكنني وقفت العام الفائت مع أمرين، الأول تحذيري للنجوم الذين آثروا الغياب، ولم يعد المشاهد مكترثاً لغيابهم وحضورهم، سواء صاروا نجوم تسويق في لبنان، أو سنّيدة في مصر، والآخر هو الإعلان عن ميلاد جيل شاب من الممثلين القادرين على حمل أعمال على عواتقهم، وشيئاً فشيئاً سيصبحون قادرين من الناحية التسويقية والترويجية على حمل أعمال كاملة، وهذان الأمران إيجابيان، فالأول يدعو إلى التجويد والإجادة وعدم الاعتماد على تاريخ طويل أو قصير، وهذا ما لمحنا شيئاً منه في أداء سلوم حداد في الندم، وفي إخلاص أيمن زيدان لإخراج أيام لا تنسى حيث تفرغ تفرغاً تاماً لإيمانه بحضوره الفاعل في هذا العمل المختلف حقاً، والثاني يدفع الأمل في عروق الدراما السورية، فهناك جيل من الممثلين الشباب الذين يمتلكون كل قدرة للعمل المميز، فلا خشية من تحوّل بعض النجوم إلى نجوم محطات في لبنان أو مصر، ولن تخسر الدراما السورية شيئاً، فالقادم من الجيل أكبر وأكثر قدرة على حمل الدراما السورية الخاصة والخالصة، وتنتفي حالة الاستجداء للنجوم الذين كنا نشتاق إليهم.
في أيام لا تنسى تتابع حلا رجب صعودها وإثبات قدراتها، وفي العراب والندم وأحمر يولد من جديد النجم الشاب أيمن عبد السلام الذي يقدم أداء عالياً وتقنيات تمثيلية عالية بانفعال لا افتعال، وبفهم لا رسم لحدود الشخصية التي يقوم بأدائها، وبعد تميزه في تشيللو الموسم الماضي عزز أيمن حضوره كواحد من حاملي العمل، وسيكون القادم بقوة إلى الصف الأول بما ملك من مقومات تمثيلية وغنائية وقدرات تراجيدية وكوميدية كانت واضحة في ضبوا الشناتي.
ودانة مارديني من الولادة من الخاصرة إلى سنعود بعد قليل إلى رسائل الكرز فيلم سلاف فواخرجي وإلى الندم ممثلة مقتدرة للغاية تملك أدواتها، وتقنع، والكاميرا تحبها، وتملك القدرة على اختطاف الكاميرا ممن يشاركها بحضور عفوي وأداء متميز يعيد إلى الدراما حلاوة روحها ويغيّب النمطية في التعبير عن الإحساس.
أما محمود نصر فقد كان الفتى الطيب في تحت المداس في أوائل أعماله، وترك أثراً طيباً، وفي بانتظار الياسمين أعطى نموذجاً للشاب الطموح المقهور، وفي رسائل الكرز حمل على عاتقه مغامرة سينمائية ليأتي الندم ويعزز صعود محمود نصر إلى مكانة يستحقها في أدائه وإقناعه، وليتم الثنائي المتناغم مع دانة مارديني، ورنا كرم بمصادفة حملت دوراً رئيسياً في الندم، وكان من حسن حظها أن العمل تحت إدارة المخرج الليث حجو الذي أعطاها وأبرز مقدراتها، وكانت أكثر من مقنعة، وهذا الموسم ينقل رنا من الدور العادي إلى الدور الرئيسي والفاعل، ما يثبت أن الممثلين الشباب إذا أخذوا فرصتهم وعملوا تحت إدارة حريصة وخبيرة يمكن أن يقدموا شيئاً مهماً يدفع الدم في عروق الدراما السورية، وعلا باشا التي قدمت أدواراً مهمة، نالت عليها الجوائز والتقدير، وقدمت لوحات ساخرة، في هذا الموسم تقدم شخصيات عديدة لعلّ أبرزها شخصيتها في «مذنبون أبرياء» حيث تقدم شخصية فيها الكثير من الأبعاد النفسية والانفعالية، وقد قدّمت علا هذه المواقف المؤثرة بكثير من الاحترافية والإقناع، ولم تعتمد مسحة البراءة والجمال التي تكسوها، فاكتسبت تعاطف المتلقي وتقديره، وصار المتابع يسأل عن هذه الممثلة، وينتظر مشهداً معقداً تقوم بأدائه، ولن أعدد أدوارها التي قامت بها، فبعضها لم أتابعه كما يجب لظروف العرض والعمل.
تركت الحديث في الموضوعات والنجاحات والإخفاقات والتماثل الذي يصل مرحلة التطابق والإملال بين جملة الأعمال المعروضة، سواء كانت بيئية أم معاصرة، فأعمال البيئة صارت لوحة واحدة متماثلة متطابقة مملة، وأعمال المعاصرة صارت موضوعاتها واحدة، حرية وشراب وحرب في محاولة مستميتة للمتاجرة بهموم الناس واللعب على أوتار الحرب والأزمة، ومن المؤكد أن كثيراً من الأعمال لم تدخل في صلب المشكلة، ولم تعالج الأسباب التي أدت إليها، ولم تسبر غور المشكلات الاجتماعية والإنسانية والحياتية، بل إن عدداً من هذه الأعمال يتحدث صانعوها عن أنها أعمال تتناول الأزمة فتنازعت الدراما أزمتان، واحدة بيئية والأخرى الحرب، باستثناء أعمال مثل أيام لا تنسى المأخوذ عن رواية أفغانية، أما نجومنا ومبدعونا في الخارج فاستمرؤوا الضياع، واستمروا باللهاث وراء أعمال عالمية مصورة من قبل في السينما العالمية، وقاموا بإعداد نموذج عنها..!
كل هذه المشكلات سيتم تناولها لاحقاً، ولا يحق الصمت عنها لمجرد أنها منتج سوري، كما لا يسمح لأحدهم وهو من هو أن يبحث عن مسوغات عمله في عمل كان يراه ساقطاً، ومشاركة هذا أو ذاك في عمل لا يحمل قيمة فنية أو فكرية لا تجعل هذا العمل مقبولاً!!
كل هذا أتركه لمساحات قادمة، لأن دغدغة العواطف والغرائز والأفكار لا تصنع دراما، ولا تبيح تغيير المسار، وأقف فقط عند إيجابيات تمثلت بعتبة الحضور لممثلين سوريين عملوا كما يجب على تطوير أدواتهم، وستتحول هذه الأدوات لديهم إلى باعث لنهضة جديدة في الدراما السورية إن أحسنا استغلالها والعمل عليها.
ويبقى النجوم نجوماً، ولكن السماء تتسع لنجوم كثر وبأحجام مختلفة، فكيف إن كانت هذه السماء هي سورية ودراماها؟
من الآن يطلب من مبدعينا أن يقوموا بجردة حساب لأنفسهم وأدوارهم وأعمالهم، وأن يتنبه صانعو الدراما لهؤلاء المبدعين الشباب الذين يشكلون طاقة تمثيلية هائلة تتفوق على ذواتها، وربما سهوت عن بعض الأسماء عن غير قصد، ولكنني تغافلت عن قدرات مهمة لأنها كرست نفسها من قبل مثل البارعة رنا شيمس والناجحة ديمة قندلفت وغيرهما.. ما أقصده هو القادم وليس الذي تجاوز عتبة الحضور، فعلى هذه العتبة ترتسم الخطوات الثابتة لجيل قادر فاهم مثقف وواع، يدرك عمله ويحتاجه، ويعرف ما يجب عليه تجاه سوريته التي تعنيه، لذلك بقي يؤدي مهامه في مهنة أحبها.. لكم كل التحية نجومنا الشباب، وأنتم ترسمون معالم البهجة بالميلاد القادم للدراما السورية التي نفخر بها ولا نريد تحويلها إلى رسالة فكرية جامدة، ولكننا لا نريدها أن تتحول إلى مطية بعد أن تمرد مارد الدراما المصرية، وصار يجول بحرية وتفرد وتفوق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن