من دفتر الوطن

إشاعات حول باب الحارة

| حسن م. يوسف

يروج بعض أعضاء لجنة الرقابة في التلفزيون إشاعات (…) حول أعضاء اللجنة الخاصة التي شكلها السيد وزير الإعلام لإعادة قراءة مسلسل (التحدي باب الحارة) الجزء الثامن، سيناريو وحوار: سليمان عبد العزيز، إخراج ناجي طعمي. والحق أن أعضاء اللجنة؛ محمود عبد الكريم، وشمس الدين العجلاني وكاتب هذه الكلمات، لم يجتمعوا ولم يتناقشوا بشأن المسلسل قبل التكليف ولا بعده حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، وقد قدم كل منا قراءته للعمل في ظرف مغلق. لكن حملة الشائعات التي تطالنا بالتساوي تشي بأن آراءنا كانت متقاربة.
يعلم قارئي أن لي ملاحظات جدية على الأجزاء السابقة من باب الحارة، وقد قدمت في مسلسل «ملح الحياة» الذي أخرجه المبدع الكبير أيمن زيدان صورة أخرى للمرأة الدمشقية تختلف إلى حد التناقض عن نساء باب الحارة، وهذا ما دفعني لأن أتوخى الدقة والموضوعية في قراءة هذا الجزء.
تبدأ أحداث الجزء الثامن عام 1936بعيد تصديق البرلمان السوري على معاهدة الاستقلال التي رفض البرلمان الفرنسي تصديقها وتستمر لما بعد انتخابات البرلمان السوري لعام 1943. الشخصيات الأساسية معظمها مستمرة من الأجزاء السابقة من دون تغيير يذكر: عائلة أبو عصام وعائلة أبو ظافر وعائلة أبو حازم وأبناؤهم وبناتهم وزوجات أبنائهم وأزواج بناتهم، إضافة إلى النمس وإلى الكومندان الفرنسي ورئيس المخفر المرتشي أبو جودت وعناصره. أما الشخصيات الجديدة فأهمها المهندس زهدي العائد من فرنسا والطامح لعضوية البرلمان ومعه مشروع لتنظيم الحارة هدفه المضمر هو التنقيب عن الآثار المخبوءة تحت البيوت، بغية تهريبها إلى الخارج. ومن الشخصيات الجديدة الناشطة الاجتماعية خالدية زوجة زهدي وابنة أختها المحامية جولي وكلتاهما تنشط لمصلحة الحارة وأهاليها خارج مشروع زهدي المشبوه. ومن أهم الشخصيات الجديدة الشيخ فكري (داعية التشدد) المدسوس في الجامع من الفرنسيين والذي يمضي لياليه في المجون مع فطنة البصارة شريكته في السرقة وخطف الأطفال.
لست أنكر أنه كانت لي عدة ملاحظات سلبية على النص من الناحية التقنية والفنية، إلا أنني وجدت في المحصلة الأخيرة أن الحكاية الدرامية ممسوكة بشكل جيد على مدى الحلقات الثلاثين، وعلى الرغم من أن كل الخطوط وصلت لنهاياتها الطبيعية في آخر المسلسل إلا أن الكاتب جعلنا نستيقظ في الصباح التالي لنجد طفلاً وليداً مرمياً أمام باب بيت أبو عصام، ما يشي برغبة أصحاب هذا العمل في الاستمرار في أجزائه.
مأخذي الأهم على المسلسل هو أنه مثقل بالكثير من المحادثة، إذ ليس كل ما يقال في الواقع الموضوعي يصلح لأن يقال في الواقع الفني، فالحوار هو كلام مكثف يخدم الفعل الدرامي وينبثق منه، يسهم في تطوير علاقة الشخصيات ببعضها وبالمحيط، ويبرز مواقفها من المجريات والمشاكل المطروحة، وكل كلام مع الذات أو مع بقية الشخصيات لا يحقق هذه الأهداف، أو واحداً منها على الأقل، هو مجرد محادثة يجب استبعادها.
على الرغم من كل ما سبق وجدت أن هذا العمل أكثر توازناً من كل أجزاء باب الحارة السابقة، فهو يقدم المستويات المتباينة للمرأة السورية ودورها في النضال من أجل الاستقلال. كما يعري شخصية الشيخ الزائف فكري داعية الفكر المتشدد الذي يحرِّض الرجال على منع زوجاتهم من العمل في ورشة الست سارة ثم يتكشف في النهاية أنه رجل ماجن عميل لرجل الاستخبارت الفرنسي جان، فهو يحض الناس على الغلو في الدين نهاراً ويمارس المجون مع الحاجيات وفطنة ليلاً. كذلك تسفر الأحداث عن حقيقة المتطرف سمعو الذي ينفذ تعاليم الشيخ الزائف عميل الاستخبارات الفرنسية إذ يتكشف عن رجل مريض يغطي على عجزه الجنسي بممارسة العنف ضد زوجته.
لكل ما سبق وعلى الرغم مما سبق ارتأيت أنه لا يوجد أي مانع فكري يحول دون السماح بإنجاز هذا العمل فالسينما والدراما فن وصناعة وتجارة، ولا يجوز في هذه الظروف الصعبة إبطاء عجلة الإنتاج لأن هذا من شانه أن يمهد لإيقافها وفي هذا خسارة كبيرة لقضيتنا الوطنية ولاقتصادنا الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن