قضايا وآراء

بوابة دمشق والمنامة

| مازن بلال 

تصريحات قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، تكشف بعضاً من تصورات العلاقات الإقليمية، وإمكانية رسم تحولات متسارعة خصوصاً بعد مشروع تطبيع العلاقات بين تركيا و«إسرائيل»، ورغم أن ما قاله سليماني يرتبط بمملكة البحرين لكنه في العمق موجه ضد محور كامل، ويتعامل مع مستقبل الشرق الأوسط وليس فقط «أمن الخليج»، فبالنسبة لإيران هناك احتمالات إقليمية وليس أزمة محلية مرتبطة بالجناح الغربي لإيران، وهناك أيضاً صراع حاد في سورية في مواجهة المحور نفسه، إضافة لصراع مفاهيم يرتبط بهوية المنطقة على مستوى العالم.
من رأى تصريحات سليماني «تهديدات» كان يحاول خلق مناخ مختلف لما يحدث في عموم المنطقة، فالمسألة تتجاوز البعد المرسوم لتجريد الشيخ عيسى قاسم من الجنسية، لأنها تدخل في رسم حدود الصراع في المنطقة وفي محاولة فرض ظاهرة موحدة في عواملها من دمشق وصولا إلى البحرين، وقرار المنامة ينقل وصول صراع المحاور إلى التفاصيل المرتبطة بالمواطنة، الأمر الذي يشكل فرزاً حقيقياً لن يطول البحرين فقط بل سيصبح مقياساً لجميع الأطراف؛ ما يفتح بيئة حرب أهلية في كامل شرقي المتوسط.
عمليا فإن الموقف الذي أعلنه سليماني يحمل نقطتين أساسيتين:
– الأول هو رسم موقف «الأمن الإقليمي» الذي يمكن أن يهتز نتيجة هشاشة الوضع العام في شرقي المتوسط، فالدفاع عن الشعب البحريني» هو ساحة أساسية في خلق التوازن في المواقف وردع إشعال الصراعات الإضافية، فمن دمشق إلى صنعاء وصولا إلى المنامة؛ أصبح من الصعب السيطرة على الانهيارات الحاصلة، والموقف من البحرين وشعبها يضع حدودا لإمكانية الانحدار الحاصل.
ما قدمته تصريحات سليماني رغم كونه مرتبطاً بالأمن الإقليمي عموما، لكنه في المقابل لم يخرج عن التحذيرات ولم ينتقل باتجاه فرض الحلول، بل تترك مساحة للبحث لجعل منطقة الخليج أكثر هدوءاً، في المقابل فإن السعودية تقوم بشكل مباشر بتجزئة الأمن الإقليمي، وهي تاريخيا اتبعت إستراتيجية واضحة في هذا الإطار مع دول مجلس التعاون، ابتداء من الحرب الإيرانية – العراقية وانتهاء بالصراع القائم حالياً في البحرين وفي سورية.
– الثاني محاول عرقلة إنشاء محور متكامل تقوده السعودية يحارب بالوكالة في سورية، ومباشرة في اليمن والبحرين، فالصراع كما تراه المملكة العربية السعودية هو «قوس جغرافي» في مواجهة إيران.
رد الفعل الإيراني بقي ضمن حالة دفاعية في مواجهة الرياض؛ ابتداء من تورطها في أحداث جنوب الشرق الإيراني، وفي الأهواز وأخيراً في دعم «داعش»، فالإستراتيجية الإيرانية اتجهت نحو نظام أمن إقليمي لا يدخل بشكل تنافسي، في حين كانت الرياض تحديدا تنظر نحو «مرجعية» القرار الإقليمي وليس البحث عن إستراتيجية للحفاظ على الاستقرار في شرقي المتوسط، ومطالبة السعودية بتحييد إيران عن «المسألة الفلسطينية» مؤشر أساسي على توجهات السعودية في إطار النظام الإقليمي عموماً.
ابتداء من البحرين هناك مساحات متضاربة لتشكيل المنطقة، ولإعادة صياغة الحرب في سورية نحو محور يتجه نحو إيران ويرتبط أساسا بإعادة توزيع القوة لدول المنطقة، فحدة تصريحات سليماني تعكس مصيرية الصراع ليس في البحرين بل ضمن مفهومين: الأول يشاهد الأمن الإقليمي ضمن دائرة واحدة، في حين الثاني يريد تشكيل محاور أساسية تبقي خطوط الصراع قائمة وتسعى لمحاصرة إيران، فالحرب القائمة تقدم نموذجين في رؤية الجغرافية من السواحل السورية إلى سواحل الخليج، والبحث عن معنى التهديدات في تصريحات سليماني تعكس في النهاية البحث عن تصعيد دائم يقلل احتمال استقرار المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن