سورية

«السلطان» يتراجع أمام «القيصر» ويتجرع كأس الاعتذار

| الوطن – وكالات

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجرّع أمس كأس الاعتذار المر، واعتذر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مقتل قائد القاذفة الروسية «سو 24»، التي أسقطتها مقاتلتان تركيتان في أجواء سورية، مقراً بشكل غير مباشر بمسؤولية بلاده عن الحادثة، وأن القاذفة لم تنتهك الأجواء التركية كما أعلنت أنقرة في حينه.
وبالترافق مع نشر الكرملين الأنباء عن الاعتذار التركي، أفرج القضاء التركي عن المشتبه به في قتل الطيار الروسي الثاني أوليغ بيشكوف، والذي كان نجح في القفز من القاذفة لكن قتلته مجموعة مسلحة أثناء هبوطه بالمظلة.
وألقى إسقاط القاذفة الروسية بظلاله على العلاقات الروسية التركية، وفرضت موسكو عقوبات على أنقرة، ولوحت بدعم حزب العمال الكردستاني.
وخطا أردوغان ورئيس وزرائه خطوة أولى قبل نحو أسبوعين في اتجاه موسكو، عندما أرسلا برقيتي تهنئة إلى نظرائهم الروس بمناسبة العيد الوطني لروسيا، في خطوة وصفها الكرملين في حينه بـ«البرتوكولية»، مؤكداً الرغبة الروسية في «تطبيع العلاقات.. (الروسية التركية) وعودتها إلى فترة التعاون الجيد»، لكنه جدد التأكيد أن ذلك رهن بـ«اتخاذ أنقرة للخطوات الضرورية»، في إشارة إلى إصرار روسيا على اعتذار تركيا ودفعها تعويضاً عن إسقاط الطائرة ومحاسبة قتلة الطيار الروسي.
وتلقى الرئيس الروسي الاثنين، رسالة من نظيره التركي يعتذر فيها عن مقتل الطيار الروسي قائد قاذفة «سو 24» التي أسقطها سلاح الجو التركي في أجواء سورية في تشرين الثاني من العام 2015 الماضي، حسبما أكد المتحدث الصحفي باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الذي أوضح أن أردوغان أعرب عن استعداده لـ«تسوية الوضع» حول مقتل الطيار، وأكد إجراء تحقيق مع المشتبه فيه في قتله.
في غضون ذلك، قررت محكمة في مدينة إزمير التركية الإفراج عن البارسلان تشيليك قائد المجموعة المسلحة التي قتلت بيشكوف إثر إسقاط قاذفته في سماء سورية. وأوضح أحد المحامين المدافعين عن تشيليك ومجموعة المسلحين الذين يُحاكمون معه، أن المحكمة أمرت بالإفراج عن المشتبه فيهم مع منعهم من السفر نظراً لاستمرار المرافعات في القضية.
وسبق أن قررت المحكمة رفع تهمة الاشتراك في قتل الطيار الروسي عن تشيليك، الذي نفى أي ذنب في هذه الجريمة، رغم تبنيه لها في وقت سابق على صفحات صحيفة «حريت» التركية. وأثار هذا القرار موجة غضب عارمة في موسكو، التي سبق لها أن رحبت باعتقال المسلح التركي بعد أشهر من تقاعس الأمن التركي عن توقيف تشيليك الذي كان يدخل الأراضي التركية من وقت لآخر من جانب الأراضي السورية، حيث كان يقود فصيلاً تركمانياً مسلحاً في ريف اللاذقية الشمالي.
من جهة أخرى، لفت بيسكوف إلى أن أردوغان أعرب في رسالته عن استعداد أنقرة لإعادة تطبيع العلاقات مع روسيا، وللتعاون مع موسكو في معالجة الأزمات في المنطقة ومحاربة الإرهاب، ملمحاً على ما يبدو إلى الأزمة السورية.
وقبيل ساعات من ذلك، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أمس عن «تقدم ملحوظ» في العلاقات مع روسيا سيتم الإعلان عنه قريباً للجمهور.
وقال يلدريم خلال مؤتمر صحفي عقده للإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل: إن «هناك نتائج رائعة» على خط العلاقات الروسية التركية، وأضاف بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء، «في المستقبل القريب سنشارك الشعب المعلومات عنها»، من دون أن يقدم تفاصيل أكثر.
وعشية إعلان يلدريم الخاص بالاتفاق التركي الإسرائيلي، أوضح نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة نعمان كورتولموش بأن العلاقات الروسية التركية شهدت «تحسناً، بعد الخطوات التي اتخذت من قبل الطرفين لتليينها»، وأضاف «إننا نرى تبلور نزعة إلى تخفيف الحدة فيما يخص علاقتنا مع روسيا. ونحن نرى مؤشرات معينة مصدرها الجانب الروسي تدل على هذه النزعة». وأعاد كورتولموش إلى الأذهان أن أردوغان قد بعث برسالة تهنئة إلى نظيره الروسي بمناسبة «يوم روسيا» الموافق 12 حزيران، واعتبر أن تلك الرسالة شكلت انطلاقة للنزعة الإيجابية في العلاقات المتأزمة منذ حادث إسقاط قاذفة «سو 24» الروسية.
كما تحدث المسؤول التركي عن قرار روسي بتمديد تصاريح العمل في أراضيها لبعض المواطنين الأتراك وشركات تركية، مضيفاً: إن أنقرة تلقت هذا القرار برضا كبير. قائلاً: «نأمل في أن ذلك كله يشكل مؤشراً يدل على تطبيع علاقاتنا قريباً».
وعلى خلفية إسقاط مقاتلتين تركيتين للقاذفة الروسية «سو 24» فوق الأراضي السورية في شهر تشرين الثاني من العام 2015 الماضي، فرضت موسكو سلسلة من العقوبات على تركيا. ومن بين تلك العقوبات منع الشركات الروسية منع استخدام عمال أتراك من قبل شركات روسية، وعدم منح الشركات التركية رخصاً للعمل في روسيا.
وعزل الرئيس التركي رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، ويبدو أنه يعتزم انتهاج سياسة تقارب مع روسيا وإسرائيل من أجل تخفيف العزلة التي تعانيها تركيا، والتعامل مع المخاطر على الأمن القومي التركي.
وبعد توليه رئاسة الحكومة التركية، تحدث يلدريم عن ضرورة تقليل المشاكل مع الجوار. وانتقل لاحقاً، إلى الصراحة معلناً عن ضرورة إعادة العلاقات بين تركيا من جهة وكل من سورية ومصر وإسرائيل وروسيا من جهة أخرى إلى مستواها الطبيعي، بذريعة أنه «لا يمكن البقاء في حال عداء دائم» مع تلك الدول المحيطة بالبحرين الأسود والمتوسط، مشيراً إلى أن حكومته قامت بعدد من «الخطوات لتحسين العلاقات مع هذه الدول» من دون أن يوضح ماهية تلك الخطوات.
وأكد رئيس الحكومة التركية عزم بلاده على منع أي ممر كردي في شمال سورية والعراق باتجاه المتوسط، قائلاً: «(تركيا) لن تسمح بتحقق هذا الأمر على الإطلاق»، مشدداً على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن