قضايا وآراء

عنوان العملية السياسية في المدى المنظور

| سامر علي ضاحي 

أسفر الاستفتاء الشعبي الأوسع مشاركة في التاريخ البريطاني عن اختيار الناخبين خلع عباءة الانتماء للاتحاد الأوروبي، ولكن مع الأسف ليس بإمكان المملكة المتحدة وحدها احتمال نتائج هذا المصاب الجلل الذي يبدو وللوهلة الأولى يفتح الباب واسعاً أمام إصابة اتحاد بروكسل في مقتل ويعلن بداية الانكسار لأكبر قوة اقتصادية كان يعول عليها لمنافسة التفوق الأميركي والحلم الصيني لقيادة العالم اقتصادياً، ولاسيما أن الخروج البريطاني كان برعاية أحزاب اليمين التي لم تبذل على ما يبدو جهداً كثيراً لإقناع أكثرية البريطانيين بالخروج.
اللافت أن اليمين الأوروبي كله سارع إلى المباركة بالإنجاز البريطاني، لا بل دعوا إلى «استيراد الديمقراطية» الإنكليزية إلى فرنسا وهولندا وألمانيا.
هذا اليمين وإن لم يستطع إخراج بلدانه توالياً من الاتحاد، وهو أمر يبدو مستبعداً في المدى المنظور بانتظار نتائج الصدع البريطاني، إلا أن أحزاب اليسار والوسط ستأخذ أكثر بهواجس نظرائها خلال سياساتها الحكومية ولا سيما الموقف من المهجرين ما يقود إلى احتمالين الأول: الضغط باتجاه الحل الجذري لأزمة اللاجئين وما يعني ذلك من تتبع المشكلة إلى ينبوعها المتمثل رأسه بالأزمة السورية، ثم الضغط باتجاه حل ما لكن الأزمة اليوم ليست على أولويات الاتحاد ولربما يرحل كل أولوياته لإعادة ترتيب البيت الأوروبي.
الاحتمال الثاني: تخريب الحلول وإغلاق الأبواب بوجه اللاجئين مع ما يحمله هذا الاحتمال من ضغوط على اليونان وتركيا وقبرص قد يدفعها للمشاغبة داخل السياسات الأوروبية ما يعوق الحل السوري أيضاً.
يضاف إلى ما سبق أن المعارضة السورية كانت مؤخراً تدفع باتجاه إيلاء بروكسل دوراً أكبر في صياغة الحل بعدما يبدو أنها فقدت أملها في الحليف الأميركي حيث ترى أن الأخير لم يستعمل سطوته الدولية كما يجب، واليوم من الممكن أن يدفع الأوروبيون بالمعارضة إلى التسويف والتأجيل.
وإذا سلمنا جدلاً بأن الحلول يفرضها الأقوياء ولا يستطيع صياغتها الضعفاء فإن الأزمة السورية التي بات حلها بلا شك أبعد ما يكون عن السوريين أنفسهم، تعاني اليوم ضعف اللاعبين الدوليين عموماً مع تطورات ميدانية مهمة.
فبالإضافة إلى الموقف الأوروبي يبدو أن واشنطن تحاول اليوم مع حلف شمال الأطلسي ومن خلفها دول التحالف الدولي لضرب داعش أن تفرض بديلاً من الجيش السوري يطمئن الغرب إلى مستقبل سورية، وفق النموذج الأميركي، عبر دعم قوات سورية الديمقراطية شمال البلاد، مع وجود احتمال بديل آخر غرباً عبر جيش الفتح الذي تقوده جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في سورية ويضم أيضاً «أحرار الشام» التي استطاعت مؤخراً جذب «جيش الإسلام» ولطالما دعا رعاة المعارضة إلى توحيد فصائلها، وحتى الحديث عن فرض كانتون كردي في الشمال يكون حليفاً نفطياً لواشنطن، على غرار كردستان العراق حتى لو جاهرت مراراً وتكراراً بأنها مع وحدة أراضي سورية وبالأمس كانت مع وحدة العراق، لكن اليوم يبدو أن خطوات الولايات المتحدة تتباطئ باستمرار مع إدارة في البيت الأبيض تأمل بخروج آمن قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة على أمل ألا تورث خليفتها أزمة متفجرة بل تحافظ على خطوط السيطرة العريضة عليها.
الروس اليوم في سورية ليسوا أنفسهم الروس في نهاية عام 2015 ولا يمكن لأي متابع ألا يدرك أن هدير السوخوي في سماء ميادين القتال في سورية هدأت وبشكل كثيف رغبة من موسكو على ما يبدو في عدم تورط أكبر بعد تحذيرات كبيرة لها بأن المستنقع السوري قد يغرقها وهي لا ترغب حالياً في الانجرار أكثر.
كما أن الحدث الأوروبي المستجد يفرض على الأطراف الدولية اليوم استدراك تداعياته على أسواق المال وجميعها ليست بمنأىً عن التبعات.
في ضوء ما سبق فإن ما أمله المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من استئناف المحادثات يبدو أنه سيبقى طي الآمال ولكن حتى وإن تحقق والتقت الأطراف «الهاربة من جنيف جميعاً» فإن المماطلة واقتناص فرص الانسحاب ستكون عنواناً للجولة المقبلة إن كتب لها الانعقاد، بين أطراف تتسابق على خرق هدن تجاهر بالالتزام بها، ما دفع المبعوث الدولي للبحث عن خيارات مختلفة كما أعلن مؤخراً، ومع بقاء هذه الخيارات مجهولة يبقى السعي المتواصل لإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة في ظل العجز عن تحقيق أي اختراق في جانب الحل السياسي والهدنة عنوان العملية السياسية في المدى المنظور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن