قضايا وآراء

انسحاب بريطانيا كما تنبأ به (ايدويست) قبل عامين

| تحسين الحلبي

ربما بدأت تصح تسمية المرحلة المقبلة لوضع الساحة الدولية الآن بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمرحلة ما بعد «بداية تفكك الاتحاد الأوروبي» فبريطانيا أصبحت أول دولة تخرج من الاتحاد وهي من أوليات الدول التي أسسته قبل 41 عاماً بأسمائه المختلفة وأهدافه المستمرة، فلو انسحبت اليونان قبل سنة ونصف السنة بسبب أزمة وطريقة سداد الديون التي فرضها عليها الاتحاد لما شكل انسحابها تلك الأهمية الكبرى التي يشكلها الآن انسحاب بريطانيا الدولة (المؤسسة والعظمى) بموجب ما كانت تطلق على نفسها في الماضي، ورغم استمرار وجود بريطانيا في حلف الأطلسي إلا أن انسحابها من برامج الاتحاد الأوروبي العسكرية سيشكل مشكلة تقلق فرنسا بموجب ما اعترف به وزير الدفاع الفرنسي (جان ايف لودريان) حين قال: إن «بريطانيا ستصبح أضعف حين تخرج من الاتحاد مثلما سيصير الاتحاد أضعف من دونها» وهو لا يخفي بذلك أن فرنسا وبريطانيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تشكلان أكبر قوتين عسكريتين في الاتحاد الأوروبي وكانتا تفكران بإمكانية «التشارك معاً في امتلاك حاملة طائرات مشتركة» للتخفيف من النفقات العسكرية.. ويرى معظم المحللين أن تداعيات الانسحاب على الأداء الاقتصادي البريطاني ستفرض الآن على بريطانيا زيادة تخفيض نفقاتها العسكرية من أجل الإنفاق على أولويات تنعش الاقتصاد وتتكيف فيها بريطانيا مع خطط اقتصادية ومالية وأسواق جديدة لامتصاص مضاعفات انسحابها وتسارع استحقاقاته التي بدأت تهز الاتحاد الأوروبي وتجبره على الإسراع في فصل هذه المضاعفات عنه مالياً واقتصادياً وسياسياً.
وفي إسرائيل يرى (آفي بريمور) السفير الإسرائيلي السابق للاتحاد الأوروبي أن «إسرائيل لن تخسر من هذا الانسحاب بل إن بريطانيا ستعزز معها العلاقات الاقتصادية وستتحرر من قيود المجموعة الأوروبية وسياستها تجاه المنطقة».
ويبدو أن بريطانيا ستعمل الآن على زيادة مصالحها مع عدد من الدول من دون إعطاء حصة من هذه المصالح للاتحاد الأوروبي، أما الولايات المتحدة فقد أشارت كل التصريحات الرسمية إلى رغبتها في أن تبقى بريطانيا في الاتحاد وخروجها المفاجئ للجميع بفضل نتائج الاستفتاء سيضع الولايات المتحدة أمام صعوبة في إدارة العلاقات بين الجانبين بريطانيا- وبعض دول الاتحاد..
وهذا ما أكده (جو بايدين) نائب الرئيس الأميركي حين أعلن أن واشنطن ترغب في استمرار وجود بريطانيا في الاتحاد وأنها لا تفضل خروجها منه، ويبدو أن هذا الانسحاب سيفتح باب الخلاف داخل أكبر دولتين ناطقتين بالإنكليزية، والمعروف أن الزعيم الفرنسي ديغول كان يرفض أن تنضم بريطانيا لأي تحالف أوروبي لأنه يعتبرها «حصان طروادة» الأميركي في أوروبا.. ومع ذلك هناك من يرى أن اختيار الجمهور البريطاني للانسحاب من الاتحاد ربما يفتح باباً نحو ولادة عالم من أقطاب متعددة تكون دول «الأنغلوساكسون» أي الناطقة بالإنكليزية أكبرها لأنها ستضم في هذه الحال الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلاندا وبريطانيا وكانت مجلة (سبيكتاتور) البريطانية قد نشرت قبل سنتين تماماً مقالاً للكاتب (إيدويست) تحت عنوان: «بريطانيا جزء من مؤامرة عالم أنغلوساكسوني ولا مكان لها في الاتحاد الأوروبي» وجاء فيه ما نشهده الآن حين قال: «يبدو من المحتم أن يسير الاتحاد الأوروبي نحو انقسام كبير تتقارب فرنسا وألمانيا داخله وتصبح بريطانيا لاعباً خارجياً تتقارب فيه مع دول اسكندنافية لأن بريطانيا لا تعجب بسياسة الوسط التي تحملها اللغة الفرنسية». ولكن هذا التوقيت الذي سيبدأ فيه هذا الانسحاب بفرض تحولاته الأوروبية والدولية سيخدم روسيا نسبياً لأنه توقيت ستتغير فيه قواعد اللعبة البريطانية والأوروبية بشكل ملحوظ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن