الأولى

«الإمبراطورية» الأميركية!

| تيري ميسان

خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، يفتح الطريق لتفكك كل نظام الهيمنة الأنغلوسكسوني في أوروبا، والعالم.
إنه حدث مماثل لسقوط جدار برلين في عام 1989 الذي أعقبه حل الكوميكون (السوق السوفيتية المشتركة)، وحلف وارسو، ومن ثم تفكك الاتحاد السوفيتي، وأخيراً محاولات تفكيك روسيا نفسها، حين أوشكت على فقدان الشيشان.
بالطريقة نفسها، يمكن للمرء أن يتوقع تفكك الاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، قبل أن تعوم على السطح محاولات لتفكك الولايات المتحدة نفسها.
من المثير للدهشة، بالمناسبة، أن تستمر الإمبراطورية الأميركية ربع قرن من الزمن، بعد زوال الاتحاد السوفيتي.
ومن المستغرب أيضاً أن تأتي بداية هذه العملية من لندن، التي تشارك واشنطن في الهيمنة الأنغلوسكسونية على العالم. لذلك قد تبدو العملية خسارة فادحة، للوهلة الأولى. لكنها ليست كذلك.
الذين صمموا الاستفتاء العام- وهم مجموعة من النواب المحافظين تدعمهم الملكة- فعلوا كل ما كان يفعله القادة البريطانيون على مر العصور: التكيف بشكل عملي مع التطورات الجارية في العالم.
ربما لن تظل الولايات المتحدة القوة الاقتصادية، ولا العسكرية، الأولى في العالم لفترة طويلة قادمة، وبالتالي لم يعد لدى لندن أي سبب للبقاء ضمن الفريق الأميركي، وصار من المناسب لها، أخذ مسافة ببطء من الولايات المتحدة، والتقرب من الاقتصاد الصيني، والجيش الروسي في آن واحد.
حتى يكون التصويت شعبيا، لم يتردد أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي بالسماح لنايجل فاراج، بشجب الهجرة، بوصفها أوروبية. وللرد على أنصار الخروج، لم يتردد جورج أوزبورن أيضاً، بالتلويح بكارثة اقتصادية، في حال التصويت على الخروج.
باختصار، ذهبت الحملة على الاقتراع العام في كل الاتجاهات، لكنها لم تتطرق إلى أي قضية حقيقية.
في نهاية المطاف، اختار البريطانيون الاستقلال. ومهما كانت النتائج المترتبة على هذا القرار، لا يمكننا إلا أن نحيي شعباً رفض أن يستمر التلاعب به، كما حصل في البداية مع معاهدة ماستريخت التي تم فرضها على الدنماركيين الذين رفضوها، ثم مع الدستور الأوروبي الذي فُرضَ على الهولنديين والفرنسيين، الذين رفضوه بدورهم، فتحول إلى (معاهدة لشبونة).
شعرت واشنطن على الفور بالخطر. فأسرع جون كيري للتأكيد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يعني بالضرورة خروجها من حلف شمال الأطلسي.
بالتأكيد، لن يطول الوقت على إثارة هذه المسألة أيضاً. ولن تتمكن قمة حلف شمال الأطلسي التي ستنعقد في غضون أيام قليلة في وارسو، من أن تفرض زيادة على ميزانيات الدفاع للدول الأعضاء. قد يتعهد بعضهم بالزيادة، لكنها ستبقى حبراً على ورق، ولن يُقدمَ أي بلد، بعد الآن، على تطبيقها عملياً.
لهذا كله، وضع مجلس الأمن القومي الأميركي خطة لتخريب خروج بريطانيا من الاتحاد، تقضي بالعمل على المماطلة في تسمية رئيس وزراء جديد، لحين انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، ثم التفاوض بعد ذلك على طرق الخروج، التي من المفترض ألا تغير شيئاً من الواقع، سوى زوال مقعد دائم في المجلس الأوروبي.
تجد المملكة المتحدة نفسها الآن في موقف النرويج نفسه. لكن الرئيس أوباما تمكن من الحصول على موافقة المجلس الأوروبي، الذي سيعقد جلسة طارئة يوم غد الأربعاء، على أن يحضرها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي.
غير أن هذه الإستراتيجية تصطدم مع مصالح دول أعضاء في الاتحاد، لا ترى في حلف شمال الأطلسي أي تهديد لها، وتسعى لوقف مشاريع هروب بعض الأعضاء الآخرين (هولندا، والدانمارك). لذا، فهم يطالبون، على العكس من ذلك، بالاستقالة الفورية لديفيد كاميرون، وفتح المفاوضات فوراً، حول طرق الخروج من الاتحاد الأوروبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن