ثقافة وفن

أيمن زيدان في «أيام لا تنسى»… كرر ذاته في الإبداع … رجل… نهاية رجل شجاع… أيامه لا تُنسى… وشجاعته أثبتت النهاية

| سوسن صيداوي

يأتي دائماً رمضان كي يكون فرصة لعرض كل الأعمال التي أُنجزت خلال عام، وبالتالي وما أصبح عادة متداولة، هو تنافس شركات الإنتاج كي تُقدم وتعرض منتجها السنوي، وتتزاحم لتحجز أفضلية أوقات العرض على الفضائيات خلال الثلاثين يوماً من هذا الشهر الكريم، الأمر الذي تخلق معه الشركات نفسها، مشاكل عدّة يكون المُشاهد بعيداً عنها تماما، وحتى إنه لا يعلم بها، ولكن في حقيقة الأمر من يقع دائماً تحت نيرها هو المنتَج نفسه، والقصة التي مطلوب من الكاتب أن يصوغها لتغطي فقط ثلاثين حلقة، بغض النظر عمّا إذا كانت أحداثها كافية أم لا، وبمقالي هذا سأكتفي بواقع، أصبح معلوما عند الجميع والكل تحدث عنه، فهذا التزاحم على التسويق وحق العرض على الفضائيات ربما… وسأقف هنا وسأركز مليا على ربما… أساء إلى المنتَج، هنا… هذا الأمر أثر وبالتحديد في مسلسل «أيام لا تنسى» للمخرج أيمن زيدان، وكان الأمر مخيّبا سواء للمخرج وحتى الجمهور الذي تعاطف في بادئ الأمر معه ومع مسلسله، في ظل تزاحم درامي، اللـه وحده عالم، كيف يتم تسيير الأمور، وكي يتم التنسيق لها، وعلى أي أساس يُتخذ القرار.

ربّ ضارة… نافعة
بالطبع نحن هنا نتكلم عن مسلسل «أيام لا تنسى»، وأعود إلى الـ«ربما» التي وقفتُ وركّزت عليها، هذا المسلسل، كبيراً أم صغيراً، مهتماً أم غير مهتم، أصبح على علم مطلق بالإهمال الذي طاله من حيث أوقات العرض على بعض الفضائيات ومن حيث التسويق، ولكن مما لمسته واقعاً ومن متابعتي لمشاهدي هذا المسلسل، وجدت أن ما حدث بحق هذا المسلسل، كان مصادفة مباركة، وعادت عليه بالشيء الجميل والإيجابي، وخاصة أن المُشاهد وبطريقة غير مباشرة وبعفوية تامة، روح العمل لمسته، ومن ثم لم يعد يُتعبه الانتظار، بل بالعكس أصابه شوق لذيذ يستمتع به إلى حين وقت العرض، فالمسلسل كان مختلفا عما يُعرض على الفضائيات، وتمكن من الاستحواذ على تصرف مغاير من المُشاهد، الذي أصبح هو من ينتظر وقت عرض المسلسل، حتى لو اضُطر إلى التضحية بحلقة مسلسل آخر يتعارض مع توقيت حلقة مسلسل «أيام لا تنسى»، وخاصة أن الأخير فعل فعله بعنصر التشويق، مع انفلات هذا العنصر من مسلسلات أخرى تم التسويق لها بشكل مرعب.

أيمن زيدان… متكرر الإبداع
مسلسل «أيام لا تنسى» هو التجربة الرابعة للفنان أيمن زيدان، الذي يربطه بجمهوره دائماً التزام يكون ما يقدّمه مختلفا عما هو في الساحة ومتفردا، باعتباره فنانا مبدعا في كل المجالات البصرية سواء أكانت مسرحاً، وسينما، وتلفزيوناً، مهما كان دوره، ممثلا أم مخرجا، وفي مسلسله «أيام لا تنسى» استطاع استقطاب كل من يهوى الطبيعة، وبشكل خاص ريف طرطوس الساحلي السوري، كما تمكّن من خلال صناعته الدرامية المتينة الحبكة، من تحقيق صورة مبهرة للمشاهد، هذا المسلسل سيناريو وحوار «فايزة علي» عن رواية «ألف شمس مشرقة» لمؤلفها «خالد الحسيني»، ومن إنتاج «أي بي سي» للإنتاج الفني والتوزيع، مع مؤسسة «سيريانا» وتمت عمليات الإنتاج الفني تحت إشراف «عدنان حمزة» و«ديانا جبور»، وكما ذكرت أعلاه، كان المسلسل واجه صعوبات كبيرة بسبب عدم توصل شركة الإنتاج إلى اتفاق لعرض المسلسل مع أي قناة تلفزيونية خلال شهر رمضان، الأمر الذي أثار غضب المخرج «أيمن زيدان» وعبّر عنه من خلال صفحته الشخصية على الفيسبوك، ليؤكد أن القنوات تركز على المضمون السطحي، متابعا بشفافيته ومهنيته العالية قوله: «يتساءل بعض أصدقائي لماذا لا أرد على من يتناولني أحياناً بشخصي أو بعملي على مبدأ العين بالعين… أقول دائماً إن الحياة علمتني كما قال غاندي أننا لو تبنينا جميعاً مبدأ العين بالعين لأصبح العالم أعمى»، وفي مكان آخر قال « أفهم أننا أصبحنا نجيد الكراهية لكنني أستهجن أننا لا نجيد حتى الحب»، هذه العبارة هي من فكر ومشاعر مخرج أطلّ على جمهوره بعمله المحمّل برسائل لا تتناقض مع فكره أو مشاعره، لتوصل بكل بساطة، بعيداً عن التعقيد أو المبالغة، رسائل واقع سوري، فيه قدر كبير من الحب والعطاء والتسامح، إلا أننا بإرادتنا غيبّنا ضمائرنا واعتنقنا الاستسلام الممزوج بالخوف والجهل، مبتعدين عن حقيقة أنفسنا.

حقيقة ممثل.. واختلاف جيل
تمكّن المخرج أيمن زيدان في مسلسله، من ضم عدد من الممثلين من بينهم حسب الظهور الأول في الشارة: سوزان نجم الدين، ديمة قندلفت، وائل رمضان، محمد حداقي، حلا رجب، رنا كرم، محمد قنوع، روبين عيسى، مصطفى سعد الدين، زهير عبد الكريم، صباح الجزائري، عبد الهادي الصباغ، رضوان عقيلي، شادي زيدان، عبير شمس الدين، روزينا لاذقاني، ولاء عزام، وغيرهم الكثير، وبهذا الاختيار ركّز «زيدان» على فكرة وضرورة أن ما هو قديم جزء لا يتجزأ مما هو جديد، مؤكداً من حضورهم أنه لا يمكن الاستغناء عمن لهم من الفن تاريخ قديم، مع أهمية احتضان الجيل الجديد بمواهبه كي يتم صقلها «باللاشعور» بالتعاون مع من هم أقدم خبرة، هؤلاء الفنانون وجدتهم متفاوتين بين شموخ أشجار غابات تلك المنطقة الطرطوسية الساحلية، وتفتّح زهورها وورودها العطرية، هذه الثلة من الفنانين «الحقيقة»، جسّدت أدوارها، مهما كان حجم المَشاهد كبيراً أم صغيراً، بمساواة في الإتقان والظهور وبالتالي يشعر كل من يشاهد، بأن كل واحد منهم مشهده لن يمرّ مرور الكرام ولا يمكن حتى تهميشه، وربما يعود الأمر بالأصل إلى المخرج والمعروف عنه أن مهنيته تأبى سلوكا متفردا عن فريقه، فهو مندمج به إلى حدّ تذويب الأنا، وليس هناك من مفاضلة بين فنان وآخر، فبطبيعة الحال لكل منهم له دوره، وطبعا الأمر يشمل كل الكادر الفني، صحيح أن المسلسل نقل أحداث ووقائع بين عام 1990 و2016، مركزا على مصير ثلاث نساء هنّ «ليلى، مريم، دينا»، ولكن هذا المصير كان مرتبطا بكل شخصية أخرى في المسلسل وفق قالب درامي اجتماعي متماسك جدا، فالأقدار لم تكن متفرقة في مسارات القصة بل على العكس، هذه الأقدار كان مرتبطاً بعضها ببعضها الآخر بهموم تحملها النفوس المتفاوتة في كبرها أو صغرها بحسب طاقة تحملها واستطاعتها، فـ«مريم» حملت عبء كونها ابنة خادمة، وترعرت على قلق وخوف أمها «نورا» الذي كان سجنا مؤبدا، أما «دينا» حريتها أوصلتها لحب رجل متزوج وبعد خمس سنوات اكتشفت أن اختيارها في الحب كان غير صائب الأمر الذي أحبطها لفترة، على حين «ليلى» التي أحبت من النظرة الأولى ابن جيرانها، الذي لم يتوان أو يتردد بالاحتفاظ بعشق هذه النظرة، ولكن مع الوقت كان أخوها «رياض» هو المنغّص لفرحة هذا الحب الندي، وبعدها لتعيش البطلة الأسى والحزن على فقدان أخويها، وكما ذكرت فلكل شخصية «هم» فـ«زهرة» كان همها مرضها الذي يمنعها من مواصلة حياتها بشكل طبيعي، أما «هم» السيدة القوية والمتسلطة «ملك» كان خوفها من خسارة زوجها وتشويه صورة عائلتها أمام المجتمع، على حين «هم» زوجها «جلال» كان ابنته مريم، و«هم» الجد «أبو رضوان» كان هم كل من: زهرة، مريم، ونورا أم مريم، وزوجة ابنه المتوفى، وحفيده، وبالإضافة إلى «هم» شخصية «مصطفى» الذي هو التخرج والسعي للحصول على لقمة العيش، على حين «أم فتحي» الخادمة كان «همها» إرضاء سيدتها «ملك» وتجنب صراخها وتأنيبها وإهانتها لها بشكل مستمر، أما «أبو سعيد» فكان «همه» وشغله الشاغل هو أن يُنجب ابنه «سعيد»، وما زال هناك الكثير المتفاوت كما ذكرت ولكن ليؤول في النهاية إلى أهمية الشخصيات في القصة وتماسكها في مسارها مهما كان دورها.

مرارة الألم والوجع… هادئة
أيمن زيدان كـ«إنسان» قادر على برمجة نفسه داخليا على آلية تمكنه من احتضان أحزانه وآلامه الشخصية بطريقة يأبى أن تنعكس على حياته الخارجية، الظاهرية، وحتى الفنية، بطريقة عنيفة، ساخطة، ناقمة، مستهجنة لقدر لا يمكن لنا أبدا أن نثق بخطاه، بل كان هو الأذكى بلعبة القدر، لأن ما يخرج منه قولا أو فعلا هو بسيط ومحب ومباشر، وكما قلت انعكس هذا على المسلسل بشكل واضح، لأنه رفض أن يصّور لنا مَشاهد المرارة والحزن بل اكتفى بالإشارة إليها، منبّها إيّانا أن مشاهد واقعنا هي الأكثر قسوة والأكثر مرارة، وربما لأنه لا يريد ازعاج قلوبنا أكثر بتصوير مشاهد الانتحار والقتل بين الإخوة وضرب الزوجة وإهانتها…. وهذا ما جاء منسجما مع الصورة الدرامية للواقع الحقيقي للأزمة السورية التي اختزلها في مشاهد منها حظر التجول، فرض ارتداء البرقع للنساء، إطلاق القذائف على المساكن الآمنة، متناولا أيضاً تجار الأزمة ومضارباتهم غير المشروعة والمستغلة للمواطنين، ليس هذا فقط بل هناك الكثير مما برع «زيدان» بشفافيته في رصد عمق الواقع المتناقض بحلوه ومره، بظلمه وعدله، ومن متابعتي على شبكة الفيسبوك، التي هي في الوقت الحالي المنبر الأقوى والأقرب، على وإلى، كل بشري يدبّ على هذه الأرض، من خلال التعبير عن الآراء الصريحة والمباشرة، والتي كانت في الوقت الحالي هي الأكثر عمقا في التقييم لكل المسلسلات وخاصة المسلسل معرض حديثنا «أيام لا تنسى»، نعم… إنهم من المحبين من المتلقين، الذين انسجموا مع الرؤية الإخراجية وأحبوا القصة، تابعوا كل الممثلين بكل اهتمام كي لا يغفُلوا عن أي تفصيل يمر، وبالتالي استطاع المخرج وفريقه أن يوصلوا ما أرادوا بكل بساطة، وكانت غايتهم محققة، وأثرت في النفس التي أدمعت وتذكرت وابتسمت، مستسلمة للصورة التي كانت من التعبير أبلغ.

أناقة الحضور… وبُعد الابتذال
قدم المخرج أيمن زيدان مسلسله بجو مختلف عما هو مقدّم في المسلسلات الحالية، كان هناك نوع من البساطة والأناقة في العناصر كلّها، التي ظهرت بحسب مسار القصة، وتفاوتت بين العصرنة أو «الموديرن»، وبين بساطة الريف وبدائيته، وبحسب ظرف المشهد، عكست كلّها جمال الطبيعة على الممثلين بأزيائهم ومكياجهم وحتى بالمنازل والديكورات، ونجح المخرج لأنها كانت من الواقع وليست بغريبة عنه، هذا ما شكّل علاقة وطيدة بين المتلقي المُشاهد من جهة، ومن جهة أخرى بين ما يشاهده ليمرّ بسلاسة وبساطة جمالية قريبة من الطبيعة بكل مضامينها، مستغنيا عمّا هو متاح من الابتذال والتصنّع المنتشر في الساحات الدرامية الاجتماعية الحالية والتي تسّوق له بكل اختياراتها.

لكل مجتهد… نصيب
مسلسل «أيام لا تنسى» بنظر الكثيرين من المشاهدين سواء أكانوا معنيين بالفن ومختصين به أم لا، اعتبروه المسلسل الأفضل لعام 2016، رغم الإساءة إليه تسويقيا ورغم العرض المحدود على بعض الفضائيات، هذا ليس كلامي بل ما قمت بمتابعته من خلال ما تمّ نشره على صفحات الفيسبوك من ردود أفعال على مسلسلنا هذا بشكل خاص وغيره من المسلسلات المعروضة حالياً بشكل عام، إذاً كما ذكرت في المقدمة ربما كانت المتابعة في البداية هي تعاطفاً مع الفنان أيمن زيدان، ولكن اجتهاده وبراعته بابتكاراته المعتادة هي التي كانت من أهم العوامل التي دفعت إلى تغيير النظرة من التعاطف إلى حب وشوق انتظار المتابعة والتأكيد بالنتيجة، أنّه ربما يكون التسويق عاملا من عوامل النجاح، ولكن شجاعة… نهاية رجل شجاع… قلبت الموازين… وأثبت أن الجودة هي الأساس وهي مفتاح النجاح مهما بلغت الظروف من تعقيدات أو تسهيلات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن