قضايا وآراء

ما ترسمه حلب..

| مازن بلال 

لا تختلف مشكلة مدينة حلب عن باقي الجغرافية السورية، فهي الأقسى ضمن مشهد يحاول وضع التوافقات الإقليمية والدولية ضمن وضعية اختبار، وإعادة رسم الأزمة على مساحة من العلاقات المضطربة؛ ما يجعل الوضع الميداني شكلا من التحدي للتأثير على العنف، أو حتى الدخول في عمق بناء الأدوار الإقليمية، فمدينة حلب ليست بوابة لحل الأزمة أو لتكوين تصورات جديدة، بل هي بالدرجة الأولى تشكيل ينقل التعقيدات التي تفرضها الجغرافية على كل التفاهمات، فالاحتمالات التي وضعتها عودة العلاقات بين موسكو وأنقرة انفجرت في مدينة حلب، وأوضحت أن القرارات الإقليمية مازالت تشكل خطوطا حمراً في وجه الوضع الدولي العام.
عمليا فإن حصار مناطق المجموعات المسلحة في مدينة حلب كان الواقع الجديد، وهو في الوقت نفسه استخدام لـ«لزمن الأميركي» الحرج قبيل الانتخابات الأميركية، وهو ما دفع تركيا وروسيا لإحداث اختراق خاص في مساحة الأزمة السورية، وهنا يمكن قراءة عاملين أساسيين:
– الأول هو الإحراج التركي من طبيعة التحرك الدولي في الشمال السوري، فمنذ عبور ما يسمى قوات سورية الديمقراطية باتجاه غرب نهر الفرات؛ اتضح التباين في الرؤية داخل أعضاء الناتو تجاه ما يحدث، فالدعم الأميركي لهذه القوات كسر الخط الأحمر التركي، ولكن في الوقت نفسه فإن الدعم الأميركي بدا مربكا من طبيعة ملء الفراغ بعد انسحاب داعش بقوات كردية.
الخشية التركية من سيطرة الأكراد على حدودها مع سورية دفعها وبشكل سريع إلى تعديل علاقاتها، في حين تحركت موسكو بشكل سريع لاستيعاب الموقف التركي، وهذا الأمر لم ينعكس على حلب بشكل حاسم، بل أعطى هامشا للطيران الروسي كي يفرض الحصار على أحياء المسلحين دون خوف من زيادة التوتر الدولي، فالمعركة في مزارع الملاح جرت تحت مظلة إعادة العلاقات مع تركية لكنها لم تكن ضمن إطار توافقات كاملة بشأن الأزمة السورية.
– الثاني يرتبط بالمظلة الأميركية للشمال السوري، فريف حلب هو نقطة تماس مباشرة بين كل القوى، وواشنطن تعرف حساسية فتح معركة حرجة ضد النصرة من دون سيناريو سياسي، لذلك فهي تفضل المساحات الأكثر هشاشة على مستوى التماس العسكري، ودعمها لقوات «سورية الديمقراطية» يدخل في هذا الإطار، لكنها في الوقت نفسه تبحث عن نوعية التوازن الذي سيظهر نتيجة هذا الدعم.
التحرك التركي باتجاه روسيا لم يكن مربكا لواشنطن بقدر كونه عاملا إضافيا بالنسبة لواشنطن في قراءة التوازن القادم، وهو ما يجعل تفكيرها يتجه أكثر نحو إزاحة الصراع نحو المساحة المفتوحة على ضفتي الفرات، في حين تبقى حلب نقطة تصادم العنف والبحث عن ملفات جديدة يمكن التعامل معها للتأثير على مسار الأزمة، والموقف التركي لم يتحول بعد إلى مسار الحل السياسي لأنه لا يملك ضمانات دولية لهذا التحول، ولا يعرف بالضبط كيف سيكون الإرهاب في حال الدخول في توافقات نهائية، وربما كانت دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تجنيس السوريين نوعا من استيعاب أي صعود للإرهاب داخل تركيا، لكن هذا الأمر سيحتاج إلى توازنات إضافية مازالت بعيدة حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن