ثقافة وفن

اللهم قنا شر (باب الحارة) في رمضان القادم

| شمس الدين العجلاني

كم هو مؤلم الآن عندما نتذكر وسائل إعلامنا المختلفة قبل عشرات السنين حين كانت تنادي بأن (الفن في خدمة الجماهير) وأن (الدراما هي مرآه المجتمع) وأن (الفن والدراما في خدمة القضايا القومية)..
فهل ما زلنا على حالنا نؤمن بأن (الفن في خدمة الجماهير) أم عفا اللـه عن تلك الأيام وتلك المقولة….؟
(باب الحارة) أكثر المسلسلات جدلاً، وأكثر المسلسلات مشاهدة، وأكثر المسلسلات انتقاداً… و(مسلسل باب الحارة) هو جزء من الغزو الثقافي الذي نتعرض له.
فوجئت كغيري من المعترضين على هذا المسلسل، أنه عرض على شاشتنا الوطنية بجزئه الثامن!؟ وإني أرى أن صناع باب الحارة كان لهم هم واحد وهو أن يعرض المسلسل على شاشتنا الوطنية مهما كلفهم الأمر!؟ فالشاشة الوطنية هي جواز مرور لباب الحارة!؟

رسالة باب الحارة
مسلسل باب الحارة (الجزء الثامن) بمجمله يرسل رسالة إلى اللاوعي الجمعي للمشاهد مفادها، أن الحداثة والعلم والتكنولوجيا هي أمور مملوءة بالشر ولا تأتي إلا بالخراب، وهذا انتهاك صارخ للتاريخ، وأن أغلب منظري القومية العربية العلمانية هم من خريجي فرنسا أو الغرب، وولدت الأحزاب العلمانية السورية من رحم هؤلاء المنظرين.
رسالة صناع باب الحارة واضحة، وهي توصيل فكرة أن مجتمع (باب الحارة) الذي يماثل في فكره ومظاهر الحياة فيه، المجتمع الوهابي والجولاني وحتى البغدادي، هو المجتمع المغلق الذي تتكون حياته على مرتكزات محددة، تشتمل على الزواج والطلاق وتعدد الزوجات وضربهن والاكتفاء بتعليم الأولاد مهنة الآباء وعدم إرسالهم إلى المدارس!؟
باب الحارة يسعى للإساءة لدمشق وبيئتها ونسائها ورجالها وأطفالها.. ونتساءل لماذا!؟

محطات
لم «تفلت» امرأة واحدة من نساء باب الحارة من الضرب من زوجها أو شقيقها، ضرباً مدمياً، وكانت وظيفتها حسب رؤية صناع المسلسل، هي الإنجاب وتحضير الطعام لابن عمها!؟.
رجال باب الحارة همهم الأساسي الزواج والطلاق وتعدد الزوجات و«اللصلصة على النساء»، كما حصل مع عصام والمحامية، وهذا من شيم الوهابية.
صناع باب الحارة أَساؤوا إلى الصوفية، والصوفية صفة من صفات المجتمع الدمشقي، فقد اشتهرت دمشق منذ القدم بوجود العديد من الطرق الصوفية في مجتمعها وتراثها، فكان منها، الدسوقية، النقشبندية، الرفاعية، الشاذلية، المولوية… ولم يزل العديد من زواياهم موجوداً حتى الآن بدمشق ورجالهم معروفون تاريخياً بدمشق، وعلى رأسهم الشيخ محي الدين بن عربي، الذي يزار ضريحه حتى الآن من شرائح المجتمع السوري، في حين يصور لنا صناع باب الحارة، حلقة للمتصوفين: (وهم يرقصون على نشيد ديني… وبينهم سمعو وهو يترنح كالسكران.. لحاهم طويلة.. محفوفو الشوارب، معتمرون عمامات خضراء..) ويصف العكيد معتز هؤلاء بـ: (أشكالن غريبة، ورقصة وضرب بالدف). هذا الوصف هو تشويه لثقافة دمشق الصوفية بغض النظر عن الانتماء المذهبي، إن محفوفي الشوارب هم رجال الوهابية، والعمامة الخضراء هي رمز لآل البيت!؟
الحوار الذي تم في الجامع بين خادم الجامع سمعو والشيخ فكري والمصلين، حول تمجيد الملاية والحجاب، هو خطاب تكفيري نعيش الآن جزءاً منه في أزمتنا الحالية، فالأمة الإسلامية التي يتحدثون عنها، كان من خلفائها أصحاب السفر برلك ومن علقوا المشانق للسوريين في ساحتي المرجة والشهداء فكان 6 أيار. الحوار الذي تم بين سمعو وفكري والمصلين، بحرفيته لا يبتعد عن ممارسة التكفيريين ضد أبناء سورية، إن طرح موضوع الملاية والحجاب بهذا الشكل هو إعادة استجرار أفكار الطغمة الدينية الوهابية في مملكة آل سعود، وتصوير السوريين الذين حملوا الحضارة على أكتافهم، ونشروا الديانات من أرضهم إلى أنحاء العالم، وكان منهم نساء ورجال تطول قامتهم السماء، يصفهم صناع باب الحارة، بأنهم ضالون يحملون أفكاراً خبيثة!؟ إن الحديث عن الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر في هذا الحوار لا يسمح به أحد… الشهبندر حمل اسمه العديد من مدارس سورية وشوارعها وساحاتها، وضريحه بجوار ضريح صلاح الدين الأيوبي، ألا يدل ذلك على محبة سورية لابنها البار الشهبندر!؟
إن غراميات (النمس) في حارات دمشق شيء مقرف وغير معقول ولا منطقي، رجل يركب على أكتاف رجل ليصل إلى نافذة الحبيبة ويتبادل معها كلام الغرام؟ وشقيقها نائم بجانبها، هذا لا يمت بأي صلة للأخلاقيات السورية وحرمة الجوار! والمضحك المبكي أنهم لا يعرفون حتى الطراز المعماري للبيت الدمشقي، ذي النوافذ الخارجية العالية التي لا يمكن أن يصل إليها النمس وصاحبه التنكة!؟
إن نساء دمشق اشتهرن عبر التاريخ بأنهن يقفن مع رجالهن في السراء والضراء، ويساهمن في بناء الأسرة والوطن، والمثل المعروف يقول: (يلي ما بياخد شامية ما بيعيش عيشه هنية) وليست سارة أبداً من توجه وتعلم (نسوان الشام).
في مشهد من الحلقة الثانية يطرد سمعو سارة زوجة العكيد معتز من منزله لأنها يهودية وهذا ما ينفيه كل من أرخ لحياة اليهود بدمشق، حتى اليهود أنفسهم ينفون مثل هذه الحادثة لأن حياتهم في دمشق بل في سورية كانت طبيعية ولم تكن تحدث حوادث غير طبيعية إلا فيما ندر، ولا يمكن تعميم الجزء على الكل، في زمن (باب الحارة في جزئه الثامن) كان هنالك نواب في البرلمان السوري من اليهود، كان هنالك أعضاء يهود ضمن الكتلة الوطنية وهي من أهم الأحزاب السياسية السورية آنذاك، في زمن (باب الحارة في جزئه الثامن) كان أهم أطباء وتجار وحرفيي… دمشق يهوداً وكان منهم الكثير من موظفي الدولة ومن أعضاء المجلس البلدي.. والأمثلة كثيرة جداً التي تؤكد أن اليهود في ذاك الزمن كانوا جزءاً من نسيج المجتمع السوري.
ومن اللافت للنظر أن مسلسل باب الحارة في جزئه الثامن حسب شارته (قبل حذفها من يوتيوب بناء على طلب إم بي سي) يطلق الصفات الخارقة على ممثليه (النجم الكبير– النجمة القديرة– النجم العربي– النجم المتألق– النجمة القديرة– النجمة المتألقة– نجما الكوميديا– الفنان القدير).
لم يحفل مسلسل عربي على خلافات وتقلبات وتغييرات ودعاوى قضائية مثل (باب الحارة).
إن الاسم الرسمي والكامل للجزء الثامن من هذا المسلسل هو (التحدي– باب الحارة) فهل هنالك من يفسر لنا ما التحدي المقصود!؟

شخصية سمعو
سمعو حسب صناع باب الحارة هو شخص غير متعلم أو مثقف، وهو مجرد خادم للجامع، ولكنه بقدرة صناع باب الحارة، أصبح يخطب في المصلين، ويفتي في قضايا الدين، ويعطي دروس الدين في الجامع، وطبعاً يضرب زوجته ضرباً مبرحاً.. أليس هذا هو حال رجال دين الوهابية والإخوان المسلمين!؟

شخصية الشيخ فكري
وهنا حطنا الجمال!؟ الشيخ فكري حسب (باب الحارة) هو رجل ملتحٍ ذكي مبتسم، يخطب في الجامع بنبرة جدية ويدعي العصبية..
حوار دار بين الشيخ فكري وسمعو والمصلين في الجامع عندما «تمسخر» على الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر واتهمه مع عدد من رجالات الشام بأنهم يحملون أفكاراً خبيثة!؟ هذا الحوار لربما يشبه واقع ما نشاهده ونسمعه من التنظيمات الإرهابية اليوم!؟ إن الحوار هذا حول تمجيد الملاية والحجاب، هو خطاب تكفيري نعيش الآن جزءاً منه في أزمتنا الحالية،
هنالك عشرات الفيديوهات، والمقالات، والشهادات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، والصحافة العالمية، حول حقيقة شخصية ما يسمى (خليفة المسلمين) أبو بكر البغدادي، فقد نشر الموقع الأميركي Veterans Today تقريراً يؤكد أن أمير «داعش» خليفة ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «أبو بكر البغدادي»، ليس إلا عميلاً للموساد الإسرائيلي يسمي «سايمون إليوت» أو «إليوت شيمون»، تم تدريبه ليرأس تنظيم «داعش» بهدف نشر الفوضى في الدول العربية المجاورة لإسرائيل. واستدل الموقع بتصريحات أدلى بها «إدوارد سنودن»– الأميركي الذي سرب تفاصيل برامج التجسس لوكالة الأمن القومي الأميركية- لإحدى الصحف، حيث قال «سنودن» إن تنظيم «داعش» ليس إلا نتاج خطة أميركية وإسرائيلية وبريطانية، تهدف إلى جمع أغلبية مجاهدي العالم المتطرفين داخل تنظيم واحد، لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وهدم الدول، ما يعطى إسرائيل والعالم الغربي فرصة أكبر للسيطرة على ثروات تلك المنطقة، ونشرت عشرات الصور للإرهابي البغدادي تجمعه مع عاهرات في علب الليل، هذه الحكاية ذكرتني بالشيخ فكري في مسلسلنا باب الحارة!؟ أليس الشيخ فكري لدى صناع باب الحارة، هو القائم على الخطابة والفتاوى ويؤم المصلين ويتباركون به..!؟ وفي الليل يأوي إلى علب الليل (بيوت الدعارة والفساد) ويمارس الخطيئة ويتناول المسكرات!؟ إن شخصية الشيخ فكري في «باب الحارة» لفاجعة…

وبعد
تبدو مشكلتنا أننا نتعرض لغزو ثقافي مبرمج بأموال ملوثة مصدرها البترول العربي الذي يتحكم به أمراء المشيخات وطويل العمر ومن لف حوله!؟ ونحن على حد قول أهل مصر (نايمين على اودانا).
ومشكلتنا الأخرى أن (باب الحارة) ارتبط مع شهر رمضان، فكل رمضان وأنتم بخير، وكل رمضان ومعكم باب الحارة، فحتى الآن بشرنا صناع باب الحارة أنهم يحضرون للجزأين التاسع والعاشر!؟
نرفع أيدينا للسماء: اللهم قنا شر (باب الحارة) في رمضان القادم واصرف عنا شر ما قضيت.
اعتمدت في كتابة المقال على سيناريو باب الحارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن