قضايا وآراء

مؤشرات نزول عن شجرة الإرهاب، أم ماذا..!؟

| عبد السلام حجاب 

رغم الضجيج الإعلامي وقرقعة السلاح التي تديرها قوى الحرب النافذة، فإنه لا شيء يشير، شكلاً على الأقل مع خلافات بالمضمون، أن الرئيس الأميركي أغلق أو أنه يكاد قنوات الاتصال مع الرئيس الروسي بوتين. لمواجهة مسائل ساخنة وملحة، ليس بمقدور ألاعيب سياسية أو خطوة انتقائية مزدوجة المعايير تجنب تداعياتها الخطرة، وأبرزها ما يشغل اهتمام الرأي العام الدولي وهما:
1- البحث عن توافقات أكثر في مسألة محاربة الإرهاب من دون انتقائية أو حسابات سياسية انتهازية والتوحد في مواجهته وفق قواعد نزيهة وصارمة بعد أن أصبح خطراً يهدد الجميع.
2- ضرورة استئناف عملية جنيف السياسية لحوار بين السوريين، لم يبدأ بعد بسبب شروط استفزازية مسبقة تسعى الأطراف المشغلة للإرهابيين فرضها وتتلكأ واشنطن بالضغط عليها وتمارس سياسة استنسابية تجاهها لمصلحة رهانات ثبت فشلها وآخرها في حلب.
ولعل ما أكدته محادثات الرئيسين بوتين وأوباما الهاتفية بشأن ضرورة استئناف الحوار السوري- السوري برعاية المنظمة الدولية حيث قرار مجلس الأمن الدولي 2254 يشي بأن مؤشرات نزول السياسة الأميركية عن شجرة الإرهاب باتت ممكنة وتعلن عن نفسها ببطء متدحرج، إذ لا خيار آخر غير الذهاب إلى المجهولً.
لقد أبلغ بوتين نظيره الأميركي في رسالة «أن الحوار البناء بين روسيا والولايات المتحدة سيمنح مواجهة المخاطر التي يواجهها المجتمع الدولي فعالية أكبر». وكان الوزير لافروف أكد في تصريح «أن العملية السياسية في جنيف تعاني من جمود مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تريد ممارسة ضغوط على حلفائها في المنطقة».
ويبقى السؤال هل يمتلك الرئيس أوباما في الهزيع الأخير من رئاسته قدرة النزول عن شجرة الإرهاب بكل تفاصيلها سيئة الذكر والصيت. وإذا كان يمتلك مثل هذه القدرة فماذا ينتظر علماً بأن الوحي التخيلي الذي استثمر فيه الرئيس بوش الابن لن يأتي في عالم متعدد الأقطاب أخذت القوى الناهضة على عاتقها مسؤولية محاربة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته دفاعاً عن الحقوق السيادية للدولة الوطنية وعن قرارات مجلس الأمن الدولي ومبادئ الأمم المتحدة!؟
وعليه استنتاجاً. إذا كان في ذاكرة أوباما السياسية رصيد من التجارب الناجحة مع الرئيس بوتين، جنبته مخاطر خيارات متهورة سواء في سورية وذريعة الكيماوي أم في إيران وملفها النووي بذرائع عدم سلميته، فهل يساعده ذلك على الانخراط النزيه في جبهة واحدة مع روسيا في محاربة الإرهاب بالتعاون والتنسيق مع سورية التي تحارب الإرهاب دفاعاً عن نفسها وعن العالم أم إنه سيسعى للبحث عن عوائد انتخابية لا تخرج عن حسابات قوى الحرب النافذة التي يشكل الإرهاب عبر رأس حربته مثلث الإرهاب التركي والسعودي والقطري، لحساب مصالح ومشاريع أقليمية ودولية لا يبتعد عنها أوباما وإن كان يختلف بطرق التنفيذ، رغم أن المتحدث باسم البيت الأبيض أعلن أهمية عدم الوقوع بالأخطاء مرة أخرى، في إشارة إلى غزو العراق.
من دون شك، كان ممكناً للرئيس أوباما انتهاز فرصة قمة حلف ناتو في وارسو لجهة عدم حرف أعمال القمة عن أولوية محاربة الإرهاب على قاعدة القانون الدولي وإلزام الدول الداعمة والمشغلة والمصدرة للإرهاب بالتنفيذ الصارم لقرار مجلس الأمن 2253 وتجنب مخاطر خلق أعداء متخيلين وجعل روسيا مصدر قلق وخوف، تضع أوروبا والعالم على بداية حرب باردة تفتح الباب أمام حرب ساخنة خارج قدرة أوروبا على تحملها.
وقد أعربت الخارجية الروسية عن الأمل بأن تدرك واشنطن فداحة خطر منهجها المعادي لروسيا وهو أمل لم تخرج عن سياقه دول أوروبية فاعلة في القمة وإن بصور مختلفة، بدليل الاتفاق على عقد اجتماع الناتو-روسيا في موعد قادم، لأسباب لا تغيب خلفياتها السياسية عن أحد وقد قرؤوا جيداً أبعادها، فقد أعلن الرئيس بوتين في حديث سابق له: «أن مستقبل سورية يمكن أن يقرر مستقبل كل المنطقة» كما أدركوا مغزى إعلان الخارجية الروسية أن الوزير لافروف بحث مع نظيره الأميركي هاتفياً التعاون الروسي الأميركي في محاربة الإرهاب في سورية، وترجمه تشوركين ممثل روسيا في مجلس الأمن بقوله: «هناك عمل واسع النطاق يجري في مجلس الأمن لمحاربة الخطر الإرهابي بما في ذلك في سورية».
ما يعني هل أراد أوباما في كلمته أمام قمة ناتو قبل أن يغادر على عجل عائداً إلى بلاده لمتابعة تطورات ما يجري في الشوارع الأميركية من أحداث عنصرية بين الشرطة وذوي الأصول الأفريقية الذين وصفهم بأنهم مختلون عقلياً، التسويق لأهداف خشنة تصل بحر الصين وأبعد. أم تمهيد الطريق بحثاً عن إعادة تموضع في أزمات المنطقة سواء في سورية أم العراق أو اليمن أو في أوكرانيا وجوارها!؟ حتى وإن أغرق في كلمته بمواقف تكبل أوروبا ولا تساعد في حل مشاكلها الراهنة التي قد تبدأ بالعمل المسؤول لمحاربة الإرهاب، ولن تنتهي بترميم الواقع الذي نشأ جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن غير المستبعد أن تزيد الوضع سوءاً عملية نشر الدرع الصاروخية في بولندا وعدد من دول الحلف الأخرى على الأمن والاستقرار الدوليين.
لا جدال بأن عوامل النهوض التي أحدثتها انتصارات الجيش العربي السوري بدعم شرعي روسي ومساندة إيران والصين والمقاومة اللبنانية لم تقف عند إرباك مخططات حلف الحرب على سورية. وإسقاط أحلام العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر. وتأكيد أن الإرهاب لا يمنح شرعية لتدخل غير شرعي.
لقد طالبت الخارجية الروسية الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة الجرائم الإرهابية واتخاذ إجراءات عقابية بحق الدول والأنظمة الممولة للإرهاب، ما يترتب على أميركا مسؤولية حماية قرار مجلس الأمن 2268 من انتهاكات التنظيمات الإرهابية وردع مموليها والحيلولة دون تحويل الاتفاق الروسي الأميركي الحامل للقرار الدولي إلى دريئة توفر لجبهة النصرة ومشتقاتها فرصة لمزيد من الإرهاب والتزود بالسلاح والعتاد.
لاشك بأن عوامل النهوض الوطني للسوريين جيشاً وشعباً تزداد رسوخاً واتساعاً في الجغرافيا الوطنية السورية وخارجها في العالم.
ولقد كان الرئيس بشار الأسد واضحاً في حديثه إلى قناة اس بي اس الاسترالية حيث أكد «نريد جهداً حقيقياً لمكافحة الإرهاب وليس استعراضياً. نحن لسنا ضد التعاون مع الولايات المتحدة على أساس المصالح المشتركة». ويبدو منطقياً أن ينقل الوفد البرلماني الأوروبي الذي يزور دمشق جانباً من الإعجاز والإنجاز الذي حققه السوريون وجيشهم الباسل في محاربة الإرهاب كمقدمة للنصر على المسار السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن