ثقافة وفن

في «نص يوم» قفزات هوليوودية بتوقيع عربي … هفوات إخراجية وأحداث تراجيدية لا تتفق مع المنطق بمكان

| ديالا غنطوس

ما بعد «لو»، و«تشيللو»… يطل علينا في الموسم الرمضاني الدرامي الحالي مسلسل «نص يوم» بتوقيع المخرج سامر البرقاوي، بما يتجاوز قدرة هوليوود على جمع كم الأحداث التي تضمنها هذا المسلسل في عمل واحد، فحتى لحظة كتابة هذه السطور اختزل صاحب العمل في عمله ثلاثة أفلام سينمائية شهيرة وهي «Original sin»، «Best offer» و«Focus»، المسلسل الذي استنسخت أحداثه حرفياً من تلك الأفلام الثلاثة مقتبساً ومترجماً العديد من الجمل الواردة في سياقه، يبدو بعيداً كل البعد عن قدرة العقل على الاستيعاب، ليرسم قصة خرافية ثلاثية الأبعاد لا تجرؤ كبرى دور الإنتاج العالمية على تخيل أحداثها!! فجاء العمل غنياً بأحداث طفولية وفجَّة.. لا تنسجم مع معايير الإدراك الإنساني ولا حتى في قصص الحب الخيالية.. حب جنوني، غباء مفتعل، هفوات إخراجية واضحة.. نص فظ لا ينتمي للعالم العربي ولا حتى العالمي… ذلك أنه من غير الممكن إدراج صفة اقتباس على العمل الذي نسخ ولصق مقاطع من أفلام بطريقة لا تشبه الحرفية بمكان..
لعلي أبدأ بواقعة نسخ قصة فيلم «الخطيئة الأصلية Original Sin»، التي شكلت الإطار العام لمسلسل «نص يوم» تماماً بمجمل تفاصيله، إنما بإطالة زمنية وإبطاء ملحوظ في سير أحداثٍ مُطت لتغطي أيام الشهر الفضيل الثلاثين. الخطيئة الأصلية الذي أدى بطولته النجم أنتونيو بانديراس والفاتنة أنجلينا جولي، تدور أحداثه في كوبا عام 1880م، حين يقرر تاجر القهوة الثري والمرموق «لويس» أن يتزوج من الفتاة الأميركية «جوليا»، اقتصرت علاقتهما على التراسل عن بُعد من دون لقاء، عند وصولها إلى كوبا، ينبهر لويس بجمالها الذي لم يتوقعه أبداً، تماماً كما صُعق ميار- تيم الحسن- الشاب الإقطاعي حين رأى يارا- نادين نسيب نجيم- الفتاة اليتيمة البارعة الجمال التي كفلها والده المتوفى حديثاً، وبدءاً من هذا اللقاء تتطابق أحداث المسلسل مع الفيلم المنسوخ عنه، حيث يتزوج البطلان وتتسم علاقتهما بالفتور والحذر في بادئ الأمر قبل أن تشعر البطلة «جوليا- يارا» بالارتياح للزوج وتسمح له بممارسة دور الزوج، ويلفهما لهيب الحب وتغمرهما السعادة، لكن مع مرور الأيام تزداد الزوجة غموضاً وارتباكاً، يدفع التوتر بجوليا لقتل عصفورها الهائج الأسير في قفصه، في حين يارا قتلت كلبها المحبوس في غرفته بعدما أثار نباحه المتواصل غضبها، ولاحقاً يكتشف لويس اختفاء زوجته ورحيلها بعد فترة وجيزة من علمها بقدوم محقق خاص أرسلته أختها للاطمئنان عليها، هربت بعد أن أفرغت خزانتها وأفرغت حسابه المصرفي الذي منحها توكيلاً يتيح لها سحب أي مبلغ مالي منه من دون إذنه، بشكل مطابق لما فعلته يارا التي فرَّت بعد أن عرفت بسعي خطيبها السابق للقاء زوجها للاستفسار عنها، فجمعت ملابسها وحاجاتها من خزانتها، التي وقف ميار مذهولاً قبالتها تماماً كوقفة لويس بمواجهة خزانة زوجته، ولم يفُت المخرج تثبيت الكاميرا بالزاوية نفسها في عمق الخزانة من دون أي خلل في تكوين اللقطة أو اختلاف في حركات الجسد بين الرجلين، واكتمل المشهد بنهب يارا ثروة زوجها وسلبها موجودات خزنته التي سلمها نسخة من مفاتيحها… وبما أن القصة البسيطة والمُحكمة لفيلم Original Sin لا تحتمل الإطالة والمد بما فيه الكفاية، ورغبة بالتنويع وإثراء العمل، اتجه مخرج المسلسل للحشو وإدراج قصص منسوخة من أفلام أخرى اختصرها على عجل بعدة مشاهد لا تليق بأفلام بذاك القدر من العظمة، مثل فيلم «العرض الأفضل Best Offer» الذي كان أيضاً ضحية للنسخ واللصق وطالته يد البتر والتشويه، حين ارتأى مخرج نص يوم أن يزج بالفيلم في مسلسله، يروي «العرض الأفضل» قصة «فيرجل» الرجل الوقور ذائع الصيت، الخبير بتمييز الأعمال الفنية المزيفة عن الأصلية، والمتوجس من كل المحيطين به لحد الانعزال، إلا أن خبرته لم تسعفه، فوقع صريعاً في فخ احتيال مزدوج، مادي وعاطفي، تبدأ مأساته باتصال تلقاه من فتاة ترغب ببيع منزلها المملوء بالتحف القديمة، طالبة منه تقييمها بغية بيعها بمزاد علني يتولى إدارته، يتفقان على موعد لمعاينة التحف، وتتوالى المواعيد من دون أن يتمكن من لقاء ومعاينة مالكة التحف، حيث أوهمته بأنها تعاني رهاب الاختلاط بالناس وأن أحداً لم ير وجهها يوماً، اعتاد مخاطبتها من خلف جدار يفصل بين غرفتها السرية وبين باقي غرف المنزل، أعطت نفسها حق رؤيته عبر ثقب صغير في حائط غرفتها، هالة الغموض هذه التي أحاطتها جذبته إليها وسلبت لبَّه، بخدعة منه تمكن خلال إحدى الزيارات من رؤيتها خلسة للمرة الأولى، فوقع ثملاً في عشقها، وتحول الرجل المسن إلى عاشق هائم حد التهور، تحرَّر من وحدته وتمكن من كسر عزلتها ودمجها بالمجتمع المحيط، اتفقا على الزواج وأحضرها إلى بيته، أدخلها غرفته السرية الذي يخبئ على جدرانها كنزه المكون من لوحات فنية جمعها طوال مشوار حياته، تمضي الأيام ونراه واقفاً مشدوهاً وسط أربعة جدران جرداء، كانت تعج يوماً بتلك اللوحات، عملية نصب وقع في شراكها تركته ركام إنسان جليس كرسي متحرك في مصحة للأمراض النفسية، ليستعيد صوابه الذي سُلب بعد القضاء عليه مهنياً ومادياً. روعة الفيلم جرى مسخها بمشاهد بانورامية امتدت طوال حلقتين من المسلسل، مماثلة ما جاء في الفيلم من أحداث، إنما بأداء تمثيلي أضعف وبهفوات إخراجية لا يمكن تجاوزها.
لم يوفر المخرج سامر برقاوي فرصة إقحام جزء من مطلع فيلم «ركِّز Focus» للنجم ويل سميث، الذي تدور أحداثه حول رجل اسمه «نيكي» ذي باع طويل في النصب والاحتيال، يدخل إحدى الحانات فيلتقي مصادفة بفتاة جميلة، تهرب إليه من عشيقها المخمور، يصعدان إلى غرفتها في الفندق ويشرعان بإقامة علاقة حميمة، قبل أن يقتحم الغرفة رجل يدَّعي أنه زوجها ويصوِّب مسدسه نحو نيكي مهدداً بقتله، لكن نيكي يكتشف الملعوب ويواجههما ويغادر الغرفة بهدوء، لاحقاً تتوسل إليه الفتاة ليعلمها أساليب وأصول الاحتيال، يوافق وينقل إليها خبرته في السرقة، ويباشرا العمل معاً. هذا الجزء من الفيلم تم السطو عليه «أو تعفيشه» ليضاف إلى المسلسل، وجسَّده الممثل أويس مخللاتي الذي أدى دور «جابر».
لا يخفى على أحد حجم الاستياء والنقد والاستغراب الذي اجتاح صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أثارت حفيظتهم محاولة مخرج المسلسل إنجاح عمله عبر اعتلائه أكتاف المخرجين العالميين وبناء عمله على إنجازاتهم، لدرجة دفعت المشاهدين للتندر والبحث عن أي مشهد غير مقتبس من هنا أو هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن