شؤون محلية

العدالة بين سلطة القاضي وممارسة المحامي

إن القضاء هو الطريق إلى تحقيق العدالة والإنصاف ومنع الظلم والاستغلال، وهو في الوقت ذاته الميزان الذي يوازن بين جميع أطراف المجتمع ومكوناته السياسية وفقاً للدستور، وهو الذي يضمن تطبيق القوانين وتنفيذها بالشكل الصحيح ويمنع تجاوزها والتعدي عليها.
ومن هذا المنطلق فإن القضاء سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالسلطة التنفيذية هي التي تقوم بإعداد مشروعات القوانين وفقاً لحاجات الدولة والمجتمع وترسلها إلى السلطة التشريعية لتقوم بدراستها ومناقشتها وإقرارها أو تعديلها وفقاً لما نص عليه دستور البلاد، ولأعضاء مجلس الشعب حق اقتراح القوانين وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء.
ويأتي إلى جانب السلطة القضائية المحكمة الدستورية التي تُعنى بشكل أساسي بكل ما يتعلق بدستورية القوانين وانسجامها مع روح الدستور وجوهره.
والقضاء ملاذنا جميعاً حكاماً ومحكومين، وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بتحصين هذه المؤسسة ورفعها إلى مستوى ينأى بها عن كل الشبهات ويجعلها موضع ثقة الجميع، ويجعل القضاة بمنزلة رفيعة بعلمهم وسلوكهم ونزاهتهم، وهذا يستوجب وضع ضوابط وآليات صارمة لمراقبة عملهم وسلوكهم من مجلس القضاء الأعلى، ورفع الحصانة عن القاضي الذي تثبت إدانته ومحاكمته وفقاً للقانون.
لقد نص الدستور على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وهذا يعني بوضوح أن سلطة القاضي تنحصر بالحكم بالدعاوى والقضايا المنظورة أمامه وفقاً للقوانين والتشريعات النافذة التي يجب أن تكون نصوصها واضحة لا تحتمل التأويل، وفي حال وجود نص قانوني بحاجة إلى تفسير فإن ذلك يجب أن يتم من السلطة التشريعية التي أقرت القانون بعد مناقشته ودراسته (مجلس الشعب) أو الهيئة العامة لمحكمة النقض أو إدارة التشريع لدى وزارة العدل- حسب الحال- ولا يجوز أن يقوم القاضي بتفسير نص قانوني بحكم يصدره، وإن سلطة القاضي تنحصر بالحكم بما نص عليه القانون حول موضوع الدعوى، فالأحكام القضائية تصدر باسم الشعب العربي في سورية، وهذا يعني بوضوح أن سلطة القاضي وسلطانه في الحكم مستمدة من الشعب الذي يمثله المجلس المنتخب من قبله ويعبر عن إرادته من خلال القوانين والتشريعات التي يصدرها، وإن تفسير النص القانوني يجب أن ينطلق من غاية المشرع وما جاء في الفقه القانوني.
إن سلطة القاضي وحصانته يجب أن تكون دافعاً للتعامل مع المواطنين الذين يقفون أمامه بالأسلوب الذي يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم بعيداً عن التعالي والفوقية، وأن يفرق القاضي في أسلوب تعامله بين المتهم المجرم والمدعي الذي يطالب بحق له والمدعى عليه الذي له الحق أن ينفي وجود هذا الحق.
لقد عاصرنا مجموعة من القضاة الكبار الذين كانوا مثلاً يحتذى به في علمهم وأخلاقهم وسلوكهم واحترامهم للناس وابتعادهم عن أماكن الشبهات، وأذكر ما قاله لي أحد القضاة الكبار عن فصل قاضٍ بسبب جلوسه مع محامٍ في مقهى..
انتقل إلى جناح العدالة الآخر وهم المحامون، فهذه تأتي ضمن إطار تحقيق العدالة في ظل سيادة القانون وهي مهنة سامية يجب أن يتحلى ممارسها بأعلى درجات الالتزام بقيم وأخلاق وأدبيات المهنة، وسماها البعض (مهنة الفرسان).
ومؤخراً سمعنا عن معاناة كثير من المواطنين في التعامل مع وكلائهم المحامين- وطبعاً لا أقصد جميع المحامين بل بعضهم- الذين يتقاضون أتعاباً بمبالغ كبيرة تفوق بكثير ما يجب أن يأخذوه وتزداد هذه الأتعاب بنسبة كبيرة مقابل قيام المحامي باتباع أسلوب المماطلة والمراوغة في الدعوى مستفيداً من بعض النصوص القانونية التي تساعد على ذلك، ما يؤدي إلى ضياع الحقوق وإهدارها بمرور الزمن، والإخلال بحسن سير العدالة وإعاقة البت بالدعوى وتنفيذ الأحكام الصادرة.
ويبدو أن ثقافة حق المحامي بالدفاع عن موكله بأي طريقة أو أسلوب متاح له، أصبحت ثقافة منتشرة، رغم أن أساس هذا الفهم هو للدفاع عن أصحاب الحقوق وليس للدفاع عن الذين يعتدون على حقوق الآخرين ويغتصبونها.
وهنا يأتي دور نقابة المحامين التي وجدت بالأساس لتنظيم عمل هذه المهنة بكل أبعاده التي تتعلق بالوطن والمواطن وممارس المهنة، ولا يجوز أن ينحصر عمل النقابة بالدفاع عن مصالح منتسبيها دون الاهتمام بمراقبة أدائهم ومعالجة الشكاوى التي يقدمها المواطنون بحق بعض المحامين.
إننا بحاجة ماسة إلى العمل الجدي والمسؤول من جميع الجهات الوصائية المعنية لتقوية جناحي العدالة وتحصينهما، فمؤسسة القضاء هي الأهم في بناء الدولة ومؤسساتها، ويجب أن تكون دائماً وأبداً في أول سلم الأولويات.

نبيل الملاح – وزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن