قضايا وآراء

ماذا وراء منح الجنسية التركية للسوريين!!

| د. بسام أبو عبد الله 

انشغلت الأوساط التركية بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول رغبته وقراره منح اللاجئين السوريين الجنسية التركية للاستفادة كما قال من الكوادر العلمية، وأصحاب رأس المال الذين استثمروا في تركيا طوال السنوات الماضية ملايين الدولارات، وجاء إعلان أردوغان غريباً في توقيته بعد أن كان يهدد الاتحاد الأوروبي، ويحذره من أن بإمكانه أن يطلق باصات، وطائرات ملأى باللاجئين السوريين إلى أوروبا، إذا لم تتم تلبية مطالب تركيا المتمثلة بتعويضات مالية من جهة، وإطلاق حرية التأشيرات للمواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي.. لكنه تراجع عن ذلك كعادته، وطرح الآن موضوع منح الجنسية للسوريين.
تصريح أردوغان أغضب الأوساط التركية سواء الأحزاب السياسية أو حتى الشارع التركي الذي صدم بهذا القرار وخاصة أن توتراً اجتماعياً بدأ يظهر لدى الأتراك في العلاقة مع اللاجئين السوريين وتفجر ذلك في منطقة (بيه شهير)- محافظة قونيا في وسط الأناضول في 9/7/2016 إثر مقتل مواطن تركي، وآخر سوري على خلفية حادثة جدال في الشارع بشأن قيام شبان سوريين برفس كلب في الشارع واعتراض المواطن التركي على ذلك، وهي حادثة أدت إلى خروج أهالي المنطقة مطالبين بطرد السوريين منها على خلفية حادثة القتل، وقد أشار السكان المحليون إلى أنه كان مرحباً في السابق بالسوريين لكنهم الآن أصبحوا خطرين، وعلى الدولة التركية إيجاد حل للمشكلة.
أحزاب المعارضة التركية بمجملها اعتبرت أن أردوغان يريد استغلال ورقة اللاجئين لأهدافه السياسية الداخلية، وحَولَ ملف اللاجئين السوريين إلى ملف للاستثمار السياسي في داخل تركيا، وخارجها، وبعضهم مثل صلاح الدين ديميرطاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي اعتبر أن ما يجري سوف يزيد (العنصرية)، وأن الرئيس أردوغان لا يمتلك مثل هذه الصلاحية وحده، ولكن إذا كان واثقاً من نفسه كثيراً، فلنأخذ الموضوع لاستفتاء شعبي!!
الأوساط الإعلامية التركية انشغلت بتحليل خلفيات هذا القرار، وأبعاده، وطرحت تساؤلات عديدة، فـ(مراد تيكين) قال في حرييت ديلي نيوز إن أحزاب المعارضة تشك في أن المقاتلين الجهاديين الذي يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد (على حد تعبيره) يمكن أن يحصلوا على الجنسية، وأن هذا العدد الكبير من المواطنين الجدد يمكن أن يغيروا الواقع الانتخابي في بعض الدوائر الانتخابية لمصلحة أردوغان، وحزبه.
الحكومة التركية عملت على التخفيف من المخاوف لدى الشارع التركي فأعلن مسؤول حكومي تركي لصحيفة (خبر تورك) أن (نحو 300 ألف لاجئ سوري يمكن أن يمنحوا الجنسية التركية، وعاد (نعمان قورطولموش) نائب رئيس الحكومة التركية ليؤكد بعد جلسة الحكومة في 11/7/2016 أنه لن يتم تجنيس كل اللاجئين السوريين بل سيتم تقديم الجنسية للمتعلمين، والمؤهلين، وذوي السجلات النظيفة، فالدراسات التي تقوم بها المؤسسات التركية هي في كيفية الاستفادة من السوريين بحيث يمكن أن يكونوا جسراً بين تركيا، وسورية (لننتبه إلى كلمة جسر!!) وهؤلاء من سيصبحون مواطنين أتراكاً..
وعلى الرغم من كل الشروحات، والإيضاحات الحكومية فإن الأوساط الإعلامية، والسياسية التركية طرحت مجموعة من الأسئلة:
1- هل بقي هناك أي من المهاجرين السوريين المؤهلين الذين يمكن أن يساهموا فعلياً في دعم الاقتصاد، والمجتمع التركي، إذ إن معظمهم غادروا إلى الدول الأوروبية للتمتع بالمواطنة، والفرص؟
2- هل هناك أحد ما يريد أن يصبح مواطناً تركياً؟ فالجواز التركي لديه الكثير من المشاكل في مجال الحصول على التاشيرات في العالم، وسيكون الترحيب بالسوريين أقل بكثير داخل تركيا، وخارجها.
3- هل ستؤدي خطوة كهذه إلى تدفق جديد للاجئين من سورية إلى تركيا، ليس بهدف الحصول على الجنسية التركية، ولكن لاستخدام تركيا كنقطة عبور لدول الاتحاد الأوروبي، كما أننا لابد من أن نفكر في موضوع (لم الشمل للعائلة) لأن أعضاء عائلة الذين سيمنحون الجنسية سوف يبدؤون بالقدوم إلى تركيا، وهو ما سيقود لموجه أخرى من اللاجئين.
4- يؤكد الباحث التركي (مراد أردوغان) في (جامعة حاجه تبه)- الذي قام بالعديد من الدراسات الميدانية حول اللاجئين السوريين أن (حجة الاستفادة من السوريين المؤهلين ليست حجة موثوقة، لأن القسم الأكبر من هؤلاء قد غادروا تركيا فعلاً، ولأنه لا يمكن التمييز بين اللاجئين بهذه الطريقة)، ويرى أن منح الجنسية للسوريين بهذه السرعة سوف يُحدث المزيد من التوتر في المجتمع التركي، وسوف يعاني السوريون أنفسهم غالباً من هذا، وكل ما كسبته تركيا نتيجة استضافتها للسوريين سوف تفقده خلال أيام.
5- إن تقديم الجنسية بهذه الطريقة غير ممكن، فالأمر يحتاج إلى إعداد لهم للاندماج بالمجتمع، ودراسة اللغة، ومسائل أخرى كثيرة، ومن دون تحضيرات بهذا الشأن فإن الأمر خطير، ومعقد، وما سيضر اللاجئين السوريين أكثر هو تسييس الملف بين الحكومة، والمعارضة، ما سيجعلهم يدفعون الثمن.
طبعاً هذا ما يدور في الأوساط التركية، لكن ماذا عنا هنا في سورية هل سنبقى ننظر للأمور، وكأنها سيناريوهات غير قابلة للتطبيق، ونتعاطى معها كأخبار إعلامية، ونمر عليها مرور الكرام، بالتأكيد لا يجوز ذلك فلقد تعلمنا خلال سنوات المواجهة المستمرة أن علينا أن نضع كل الاحتمالات من الأسوأ للأحسن، وليس العكس، وبالتالي سأكتب هنا وجهة نظري، وتقديري للموضوع من أجل أن نعمل على وضع استراتيجيات مناسبة للمواجهة تقوم على أسس علمية وواقعية، وليست عاطفية، وشعبوية كما يقال، والسبب في هذا الطرح أن هناك وراء الأكمة ما وراءها!!
يبدو واضحاً أن أردوغان فقد الأمل نهائياً في إمكانية تحقيق أي نتيجة عسكرية في سورية، وتقاربه مع موسكو سيجبره على تقديم تنازلات لإيجاد حل سياسي، وهو ما أشار إليه سيرغي لافروف من أن التقارب الروسي- التركي سيكون له انعكاسات إيجابية على الأزمة السورية، ولأن الأمر سيتضح أكثر بعد اللقاء بين أردوغان- وبوتين نهاية الشهر الحالي في سوتشي، أوكازاخستان كما تقول أوساط تركية، فلابد إذاً من العمل على كسب ورقة اللاجئين السوريين عبر تجنيسهم، وتحويلهم إلى قوة ديمغرافية تركية داخل سورية بعد إنجاز الحل السياسي، من خلال ارتباطهم بأجهزة الدولة التركية، أو باستخدامهم لاحقاً في أي انتخابات كأداة تركية في الداخل السوري..
ما يفضح هذه النيات هو ما تنشره مواقع إسلامية تركية قريبة من حزب العدالة والتنمية، إذ نشر موقع (حقائق الدنيا- دنيا غير تشيك لاري) في 5/7/2016 ما مفاده: (أن هناك احتمالاً لتقسيم سورية إذ ستعمل الولايات المتحدة على إعطاء الرئيس الأسد (دولة علوية)، وفي الشمال دولة كردية وأما داعش لكونها (عميلة للأميركان) ستُترك في مناطق داخلية سورية ليتم تحريكها وفق مصلحتهم.. ولمواجهة هذا المشروع قام أردوغان بتطوير مشروع ضد أميركا عبر (ضم حلب) ليس جغرافياً، وإنما من خلال تجنيس السوريين، وجعلهم أتراكاً، كتحضير لما بعد الحرب، حيث سيتم الاستفادة منهم في (حلب، وإدلب، وحتى شمال اللاذقية)، إذ يمكن لتركيا أن تطالب باستفتاء هل يرغب هؤلاء البقاء في سورية أم الانضمام لتركيا!!)
بغض النظر عن مدى خيال هذا المشروع، أو واقعيته لكنه يكشف لك كيف يفكر هؤلاء، وما نياتهم الحقيقية، ذلك أنني أعتقد إن عملية تجنيس السوريين لها هدف قادم يقوم على العمل على تعزيز ارتباط هؤلاء المجنسين بتركيا حتى في حال عودتهم إلى سورية، ليتحولوا إلى ورقة يحركونها متى يريدون ضد الدولة السورية، ومصالحها الوطنية.
إن عقل اردوغان، وجماعته من خلال خبرتنا به طوال سنوات يفكر بهذه الطريقة، وهذا هو التحليل الأقرب للصحة، ذلك أن استخدام هؤلاء في اللعبة السياسية الداخلية التركية قد يكون أحد الأهداف، ولكن الأهداف الخفية والحقيقية هي تلك التي ذكرتها.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار النشاطات الدولية المشبوهة تجاه مسألة اللاجئين السوريين في «لبنان، والأردن، والدول الأوروبية» مؤخراً، وعدنا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي ينص على حق اللاجئين بالتصويت في الانتخابات القادمة في سورية فسوف ندرك أكثر الخلفيات الخطرة للخطوة التركية مستقبلاً.
الآن ما المطلوب فعله؟
– أعتقد أنه بموجب هذا المنطق التركي من أن هدف تجنيس السوريين هو أن يكونوا جسراً بين تركيا وسورية في المستقبل، فإن من حق سورية تجنيس كل السوريين، والعرب الموجودين في تركيا «في إسكندرون، وماردين، وأورفا، وسيرت، وأضنة، ومرسين» ويبلغ عددهم ما بين 4- 5 ملايين نسمة كي يكونوا جسراً في المستقبل بين البلدين!!!
– دعوة الحكومة السورية لدراسة تداعيات مثل هذه الخطوة التركية المستقبلية عبر وضع كل السيناريوهات المضادة، والاحتمالات الممكنة بعين الاعتبار.
– دعوة أعضاء مجلس الشعب السوري لمناقشة هذه القضية أيضاً، ووضعها على جدول أعماله، والإجراءات الواجب اتخاذها استراتيجياً.
– تنفيذ حملة إعلامية واسعة عبر وسائل الإعلام الوطنية المشاهدة جيداً من السوريين في تركيا، من أجل توعيتهم لمخاطر هذه الخطوة التركية، والقول لهم إن وطنهم لم يتخلَ عن أحد، ولابد من الوقوف معه في الظروف الصعبة لأن هدف أردوغان الحقيقي لم يكن يوماً من أجل سواد عيون السوريين الذين تاجر بهم في بداية الأحداث باسم (المهاجرين- والأنصار)، ثم نهب، وسرق وسلب عرق جبين السوريين طوال سنوات، ووضعهم لاحقاً أداة ابتزاز ضد الاتحاد الأوروبي، ليصل أخيراً إلى نقطة منح الجنسية، والتي كان يرفضها في بداية الأحداث معتقداً أن سقوط الدولة السورية لن يطول، ولذلك على الجميع أن يفهم المغزى الحقيقي، والبعيد، وليس خطب الكذب والنفاق لتلامذة (يوسف القرضاوي)!!
إن القوانين السورية تسمح بالحصول على جنسية أخرى، وسورية لم تجرد أحداً من جنسيته، ولكن عندما تفوح رائحة كريهة من وراء إجراء أردوغان، فعلينا أن نفكر في كل السيناريوهات، بما في ذلك السيئة منها، ونضع الإجراءات المناسبة لها.
منح الجنسية التركية لهذا العدد الهائل من السوريين إن نجح فهو قرار سياسي، وعلينا الرد عليه سياسياً، لأنه آن الأوان أن نواجه العدوان الديمغرافي، كما واجهنا العدوان الإرهابي، على سورية، لأن استهداف وحدة المجتمع السوري، وتفتيته إلى جماعات، وطوائف وإثنيات تتبع للخارج هو الهدف المخفي والحقيقي لكل الدول التي تتباكى، وتذرف دموع التماسيح على السوريين، ووضعهم الإنساني.
ما يجب أن نقوله بوضوح شديد كمجتمع: كفى يعني كفى!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن