قضايا وآراء

بين انقلاب فاشل وانقلاب قادم

| رفعت البدوي 

مساء يوم الجمعة في تركيا لم يكن عادياً بل نستطيع القول إن الساعات الأولى من ليل يوم الجمعة كانت حافلة بالأحداث الدراماتيكية إنه انقلاب عسكري في تركيا العضو في حلف الناتو لن نطيل في سرد أسباب الانقلاب وأسباب إخفاق الانقلاب.
لكن عوامل داخلية وخارجية إضافة لممارسات أردوغان الدكتاتورية أوصلت البلاد للذروة التي لم يعد بالإمكان تحملها وخصوصاً في المؤسسة الوحيدة التي تشكل هاجساً مستمراً عند أردوغان ألا وهي المؤسسة العسكرية.
السيناريوهات كثيرة في الأسباب وهناك من صوّر الانقلاب بأنه مدبّر من أردوغان نفسه بهدف تشديد قبضته على المؤسسة العسكرية ما يسمح له بتطهير كبار الضباط الذين يشكلون معارضة قوية وبعدها تفتح الأبواب التي شكّلت عائقاً أمام تحقيق أماني أردوغان بتحويل الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي.
وهناك من يعتقد أن الانقلابيين لم يحسنوا دراسة تنفيذ الانقلاب وأن المخابرات التركية الموالية لأردوغان هي التي أفشلت الانقلاب ما أدى إلى انقلاب الصورة لمصلحة أردوغان مع ساعات الصباح.
محاولة الانقلاب الفاشلة تعتبر حدثا مهماً واستثنائياً سواء كان الانقلاب مدبراً من أردوغان (وهذا مستبعد من وجهة نظرنا) نظراً للقطاعات العسكرية التي شاركت بمحاولة الانقلاب التي تعتبر قطاعات أساسية ومن أعمدة المؤسسة العسكرية التركية أم لم يكن مدبراً (وهذا هو اعتقادنا) لأن أعداد القتلى الذين سقطوا بلغ أكثر من 280 قتيلاً 170 منهم هم من العناصر المشاركة في الانقلاب وجرح أكثر من 1800 إضافة إلى اعتقال أكثر من 2800 ضابط وعسكري وعزل العديد من القضاة ورؤساء المحاكم الإدارية العسكرية.
أردوغان نفسه يقول إن الانقلاب هدية ونعمة من اللـه ليكمل عملية تطهير الجيش التركي وإعادة تأسيسه من جديد.

إن ما حصل في تركيا العضو في حلف الناتو أمر غير عادي سيترك آثاراً سلبية وسيكون له ارتدادات وتداعيات متتالية على الصعيدين الداخلي والخارجي لوقت ليس بقصير كما أنه أدخل تركيا في منعطف تاريخي وأدخل المؤسسة العسكرية التركية وهيبتها في حال من التخبط واهتزاز صورة الجيش التركي لأن بروز معارضة من داخل المؤسسة العسكرية التركية حتى وإن فشلت اليوم لا يعني نهاية المطاف بل إنها البداية المتوقع نموها مع تراكم الأحداث على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
البعض يقول إن نزول الشعب التركي إلى الشوارع كان عاملاً أساسياً لكن الواقع يقودنا إلى عكس ذلك لأن أعداد الناس الذين نزلوا إلى الشوارع ليست بالأعداد الغفيرة وليسوا فقط من مؤيدي حزب التنمية والعدالة بل إن معظمهم ينتمون إلى أحزاب معارضة للحكومة رفضاً للانقلاب ذلك يعني أن لا تنسيق لعملية الانقلاب مع الأحزاب التركية المعارضة وهذا يقودنا إلى أن الانقلاب الذي حصل هو قرار عسكري صرف جاء من صلب قطاعات مهمة في المؤسسة العسكرية التركية وما يعزز هذا الاعتقاد هو اتصال أردوغان بزعماء المعارضة التركية لشكرهم على الموقف الرافض للانقلاب العسكري.
أردوغان ملطخ بدماء السوريين والعراقيين والأكراد واليوم بعد الانقلاب الفاشل تلطخت أيادي أردوغان بدماء الشعب التركي نفسه بنقطة سوداء تضاف إلى سجل الدكتاتور التركي.
الردود التي صدرت من دولة إقليمية من ضمن محور المقاومة الرافضة للانقلاب الفاشل والمؤيدة لأردوغان وحكومته بحجة أنها منتخبة من الشعب تعتبر مخيبة للآمال لأن الردود جاءت من منطلق ومنظور إسلامي بحت ولم تأخذ بعين الاعتبار ازدواجية المعايير في المواقف ما يجعلنا نتساءل عن كيفية دعم دكتاتور تركي بحجة أنه منتخب من الشعب وهو في الوقت عينه المساهم الأساسي في دعم تنظيمات إسلامية إرهابية مثل تنظيم الإخوان وغيره في سورية.
فشل الانقلاب العسكري في تركيا لا يعني أن الوضع السياسي سيكون ممسوكاً لأن التراكمات الداخلية التركية نتيجة السياسات الخاطئة تكبر وآخذة في التوسع وبعد إفشال الانقلاب في تركيا اليوم علينا ترقب انقلاب قادم في الغد.
أمس لن يكون كالغد والاهتزاز السياسي والعسكري الذي حصل سيترك بصماته وتداعياته في تركيا والقادم من الأيام سيكون حافلاً في الأحداث..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن