سورية

البطريرك الماروني في دمشق للمشاركة في لقاء البطاركة الأنطاكيين…الراعي: الكلمة الأخيرة في سورية لن تكون للحرب بل للسلام

أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن «الكلمة الأخيرة في سورية لن تكون للحرب بل للسلام وليس للبغض وأمراء الحروب بل للحب واستعادة السلام للأمة كلها».
وقال البطريرك الراعي في كلمة له خلال زيارة للمشفى الفرنسي بدمشق «إنني كل يوم في سورية حيث أصلي باستمرار وفي كل المناسبات حتى تنتهي الحرب وتتم الحلول السلمية فيها».
ولفت الراعي إلى أنه ومن خلال «كل اتصالاته وعمله اليومي سواء مع سفراء الدول أو الكرسي الرسولي أو من خلال زياراته للخارج يحمل قضية سورية لأن الحرب مفروضة ظلماً عليها» مؤكداً أنه «لن يكون للظلم الكلمة الأخيرة في سورية» وقال «نحن ككنيسة نقف ضد الحرب ومع السلام والحلول السلمية» مضيفاً إن «المأساة التي يعيشها السوريون هي نتيجة القلوب المتحجرة والوحشية والحرب العبثية التي تقتل وتهجر وكأن الضمير العالمي مات كلياً لأن الدول الكبرى لا يهمها إلا مصالحها الاقتصادية والسياسية».
وأضاف: «جذورنا عميقة في المنطقة ولدينا ثقافتنا وتاريخنا وتعايشنا مع إخوتنا السوريين من مختلف الأديان وكنا على الدوام نزور سورية فنجد شعباً طيباً ومحباً وصبوراً» مبيناً «لذلك ليس من الغريب أننا جئنا إلى سورية للصلاة من أجل السلام وإنهاء الحرب وكي يستمر المسيحيون والمسلمون في أرضهم».
وقال البطريرك الراعي: «نعم إننا نشعر بخوف وهواجس ولكننا يجب أن نظل صامدين بالمحبة والبناء والرجاء».
كما ترأس الراعي أمس قداساً إلهياً في كاتدرائية مار انطونيوس «أبرشية دمشق المارونية».
ووصل الراعي إلى دمشق أمس للمشاركة في اللقاء الروحي للبطاركة الأنطاكيين الذي يعقد اليوم الإثنين ببطريركية الروم الأرثوذكس «الكاتدرائية المريمية».
وكان المونسنيور ميشال فريفر النائب العام الأسقفي ورئيس المحكمة في أبرشية دمشق المارونية قال في تصريح لوكالة «سانا» الجمعة: إن «زيارة البطريرك الراعي الروحية إلى دمشق يومي الأحد والإثنين تأتي أولاً لتفقد الأبرشية المارونية وتدشين المركز الاجتماعي الماروني التابع للمطرانية، وثانياً لحضور اجتماع البطاركة الأنطاكيين الذي دعا إليه البطريرك يازجي، والمشاركة أيضاً بتدشين مقر جديد ضمن البطريركية الأرثوذكسية».
يشار إلى أن البطاركة الأنطاكيين خمسة هم يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ومار أغناطيوس أفرام الثاني كريم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، وغريغوريوس الثالث لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، ومار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك، إضافة إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

معان عميقة لزيارة البطريرك الراعي

نعيم إبراهيم: 

حل البطريرك الماروني ضيفاً كبيراً على سورية في زيارة هي الثانية له منذ بداية الأزمة، حيث كانت الأولى في التاسع من شباط 2013 للمشاركة في حفل تنصيب بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي.
دمشق التي ترحب دائماً بكل من يناصر الحق ويقف في وجه الظلم أياً كان منبعه فتحت صدرها من جديد للراعي الذي أكد في أكثر من مناسبة موقفه الثابت والداعي إلى وقف كل أشكال الحرب الإرهابية التي تتعرض لها سورية، وإيقاف تقديم السلاح والدعم المالي للإرهابيين.
كما أن الزيارة تعكس التقارب والتعاون الحاصل بين الكنائس المسيحية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المسيحيون في المنطقة، وفي هذه المناسبة ينبغي تأكيد وحدة الجميع مسيحيين ومسلمين في خوض معركة المصير التي فرضت على سورية والدول العربية كافة.
زيارة الراعي رعوية وكنسية، تضمنت في شقها الرعوي تفقد أبرشية الموارنة في دمشق والاحتفال بالصلاة إلى جانب أبناء الرعية، إضافة إلى تدشين المركز الاجتماعي الماروني التابع للمطرانية. وفي شقها الكنسي الآخر تلبية لدعوة بطريرك الروم الارثوذكس يوحنا العاشر يازجي لتدشين مقر جديد للبطريركية الأرثوذكسية، إضافة إلى تلبية دعوة أخرى من بطريرك السريان الأرثوذكس مار أفرام البستاني للمشاركة في افتتاح سينودس الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وفق مصادر مقربة من الراعي.
وكما سلف فإن الزيارة تعكس التقارب والتعاون الحاصل بين الكنائس المسيحية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المسيحيون في المنطقة حيث يحاول الأعداء على مختلف مشاربهم تنفيذ مخطط تهجير المسيحيين من سورية التي عرفت بأن نحو 10 بالمئة من سكانها من الطوائف المسيحية المختلفة أي ما يعادل نحو مليوني مواطن سوري، يتعرضون لحرب نفسية وإرهاب لحملهم على ترك أرضهم وبلدهم. الشواهد كثيرة على ذلك تبدأ بحلب ولا تنتهي بمعلولا وكلنا لمسنا كيف حدث ويحدث ذلك.
وتعرض عدد من رجال الدين المسيحيين خلال سنوات الأزمة لحوادث قتل، كما خطف آخرون أبرزهم مطرانا حلب للروم الأرثوذكس بولس يازجي وللسريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم، اللذان خطفا على يد الإرهابيين في 22 نيسان 2013 قرب حلب، ولا يزال مصيرهما مجهولاً.
عبر التاريخ عاش المسيحيون متفاهمين مع كل مكونات المجتمع السوري في شكل أهلي وسلمي، وهذه أهم وأقوى نقطة في شخصيتهم ووجودهم الحضاري.
ولهذا يمكن فهم مغزى ما قاله البطريرك الراعي في وقت سابق عن تفهمه لموقف الرئيس بشار الأسد وعن خشيته في الوقت ذاته من مرحلة انتقالية في سورية قد تشكل تهديدا لمسيحيي الشرق. وعبرعن أمله بأن يتم إعطاء المزيد من الفرص للإصلاحات السياسية التي بدأها الرئيس الأسد. وكان موضوعيا في ذلك «فالرئيس الأسد بدأ بسلسلة من الإصلاحات السياسية ومن المفترض إعطاء المزيد من الفرص للحوار الداخلي ومزيد من الفرص لدعم الإصلاحات اللازمة وأيضاً تفادي أعمال العنف والحرب».
وقال الراعي: إن ما يهمنا في لبنان هو أن تعيش سورية بسلام وحسن الجيرة مؤكداً أن المخاوف كثيرة لما يحصل في المنطقة وصورة العراق ماثلة أمامنا، مشدداً على أن الدول الغربية لايهمها إلا مصالح إسرائيل وما يحصل من تفتيت للدول العربية هو لمصلحة «إسرائيل». لا شك أن هذا الموقف هو موقف مسؤول وعميق ويعبر عن رؤية فكرية ووطنية وسياسية متوازنة ومسؤولة ومنسجمة مع موقف الكنيسة التي يمثلها الراعي في مواجهة المؤامرة التي تستهدف المنطقة برمتها والأرجح أنه يعبر أيضاً عن رأي الفاتيكان.
في هذا السياق يمكن فهم إشارة القاضي في المحكمة الكنسية المارونية في دمشق الأب مارون توما إلى أن زيارة غبطة البطريرك بشارة الراعي للأبرشيات المارونية في العالم تعدّ ترسيخا لانتشار هذه الكنيسة العريقة في القدم في العالم لكونه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق لهذه الكنيسة. وتأتي أهمية هذه الزيارة لكون سورية هي المهد الذي انطلقت منه الكنيسة المارونية مع القديس مارون وتلاميذه في منطقة براد شمال حلب ومنها بدأ انتشار الكنيسة المارونية من سورية إلى لبنان وإلى كل العالم، فسورية هي مهد الحضارات والثقافات وأرض القداسة، ولكون دمشق هي المدينة التي انطلق منها القديس بولس في بشارته ليسوع المسيح إلى كل العالم، فهذه الزيارة على خطا القديس بولس هي زيارة بشارة بالسلام والرجاء المسيحي لمستقبل أفضل لسورية وتثبيت المسيحيين في هذه الأرض المقدسة التي أعطت قديسين وشهداء إيمان أمثال الشهداء «المسابكيين» أبناء دمشق الذين استشهدوا على أيدي العثمانيين عام 1860م، وهي الآن تقدم شهداء من مختلف مكوناتها فأصبح الدم السوري دماً واحداً مسكوباً على أرضها المقدسة. وأضاف الأب توما: لهذا كله تعد هذه الزيارة زيارة بالدرجة الأولى لإعادة بث الأمل والرجاء في قلب كل السوريين من دون استثناء وللاستماع إلى هموم الناس ومشكلاتهم والصعوبات التي يمرون بها، آملين أن تكون هذه الزيارة خطوة باتجاه السلام في بلدنا الحبيب ومعلنين «مبارك الآتي باسم الرب» غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى.
اليوم يشد الراعي أزر المسيحيين في محنتهم وتثبيتهم بأرضهم ويؤكد الوحدة الوطنية في بلدهم سورية وعلى المصير الواحد للسوريين كافة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن