ثقافة وفن

الصحفي الوجيه! الصحافة ليست وجاهة!

| د. رحيم هادي الشمخي

الصحافة ليست «تشاوفاً» على الآخرين، ولا هي استعلاء وغطرسة! ولا هي ترفاً ثقافياً أو سياسياً واجتماعياً، يمارسه من احترف المهنة! ولم يُطلق على الصحافة لقب «صاحبة جلالة» لأن الصحفي يجلس فوق عرش عجز الآخرون حتى عن ملامسته!
ولم يقل أساتذتنا الكبار عبثاً: إن الصحافة مهنة البحث عن المتاعب! فالمقصود بالتعبير ليس خناقات مع الناس وصراعات مع السلطة ومشاجرات مع أصحاب الفكر ورجال الأعمال.
والصحافة ليست معارضة للنظام والسلطة وانتقاداً لكل شيء على قاعدة «خالف تُعرف»!
الصحافة مدرسة جامعية لا ينجح فيها إلا من تواضع وحاز ثقة المجتمع واحترامه. وهي باب للثقافات السياسية والاجتماعية. وهي صاحبة جلالة لأنها تملك عصمة الحق والعدل والإنصاف والحياد في المسائل التي تعالجها.
وهي مهنة البحث عن المتاعب لأنها تلج إلى بعض «المحرمات» فتنشرها بهدف الإصلاح ونصرة المظلومين وعرض الحقائق مجردة، عارية وموضوعية، أمام الرأي العام وقادته من سياسيين وعسكريين واقتصاديين ورجال فكر.
إن مناسبة التذكير بهذه البديهيات البسيطة والمتعارف عليها في عالم الصحافة هي كون بعض الزملاء يعتبر أن الصحافة ترف يمارسه، ومرحلة يقطعها للوصول إلى طبقة اجتماعية لا توجد وسيلة أخرى غير الصحافة تمكنه من الدخول إلى نرجسيتها وعنجهيتها.
هذا لا يعني أن ينقطع الصحفي عن المجتمع ويقاطعه. فمن واجبه أن يحضر ما استطاع من المناسبات والندوات السياسية والاجتماعية. فاختلاط الصحفي برجال السياسية والمجتمع جزء أساسي من وظيفته بشرط ألا يكون هذا الحضور من قبيل «معرفة الشيء ولا الجهل به»! بل إن توظيف هذه المناسبات لخدمة المهنة بخبر وقصة وحكاية تنشر على الناس هو الجزء الأهم في مهنة صاحبة الجلالة!
صحيح أن المجالس بالأمانات، لكن الصحيح أيضاً أن ما كل ما يعلم يقال، وخاصة في الصحافة العربية. وليس المطلوب أن يتحول الصحفي إلى جاسوس، إنما على الأقل أن يفيد صحيفته بخبر أو حتى بطرفة سمعها! إن الصحفيين الغربيين، وخاصة في الولايات المتحدة، يختلطون بالجسدين السياسي والدبلوماسي، فيخرجون بقصص وحكايات هي أكثر ما يقرؤه الناس في صحفهم.
وإذا انتقلنا من فئة صحفيي الصالونات إلى فئة أخرى من محترفي المهنة، نجد أن الصحفي المتحرك هو أفضلهم مهنياً، وأكثرهم إنتاجاً وعطاء، فهو عدا ظروف التشرد التي يعيشها، فإنه يدرس، ويبحث، ويدقق، ويسأل، ويحاور، وينشر، ويبقي أقل القليل لنفسه. وليس الفدائي من هذه الفئة هو الذي يذهب إلى ميادين المعارك، فيصاب بمكروه، إنما هو الذي يقتحم الصعاب السياسية والمناخية، فيأتي بقصة جديدة، ويفتح ملفاً مغلقاً، ويثير قضية منسية في وقت بدأ فيه لهب الشمس يزيد الوجوه اسمراراً ويصب على حرارة الأحداث ناراً! واليوم نحن بـأمس الحاجة إلى الصحفي المقاتل الذي يرافق رفاقه في ميادين القتال يكتب عنهم قصصاً وروايات تمجد بطولاتهم مثلما يحدث في سورية والعراق ولبنان عندما أصبح لكل مقاتل وطن وحده وكل دم شهيد بقعة ضوء تنير الدرب لكل عربي شريف ضد أميركا وإسرائيل والسعودية وقطر وداعش وأخواتها في أكبر ملحمة عرفها التاريخ العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن