قضايا وآراء

الظروف مواتية لانقلاب حقيقي

| ليون زكي 

مهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حيث لا يدري لانقلاب حقيقي قادم وليس تمثيلية على حكومته بتوفيره العوامل المحفزة لحدوثه من إذلال لمؤسسات الدولة وخصوصاً القضائية والعسكرية التي تمثل رمز وهيبة الدولة العلمانية الأتاتوركية، وخلق توتراً كبيراً وشرخاً عميقاً في المجتمع التركي يصعب ردم فجواته بتوسيع صلاحيات قبضته الأمنية التي طالت ونالت بتعدياتها الصارخة من كل وزارة ومؤسسة بل حتى مدرسة خاصة وجمعية خيرية.
أردوغان خلق أعداء كثراً وجدداً في الداخل التركي أضيفوا إلى قائمة مناوئيه التقليديين الذين يصعب النيل منهم بمجرد إجراءات القمع والاعتقال وفرض حال الطوارئ، وهم لا بد أنهم سينقضون عليه في أقرب فرصة ممكنة بقيادة الجيش في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية وميلها نحو التصعيد، كما أوجد مبررات نفض أيدي الدول الداعمة له منه وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي اتسعت فجوة التقارب للانضمام إلى مظلته.
ومن المرجح أن ينشغل أردوغان وحكومته «العدالة والتنمية» في المدى المنظور عن موجبات الانخراط في حلف مكافحة الإرهاب الدولي الذي يمثله «داعش» وعن استكمال خطوات الاستدارة المطلوبة نحو موسكو ودمشق وحتى طهران، الأمر الذي يضع المدن التركية مجدداً في قائمة أهداف التنظيم عدا الخطر الآتي المحدق بتركيا الذي يمثله حزب العمال الكردستاني عبر ذراعه السورية حزب الاتحاد الديمقراطي الساعي لإقامة إقليم ولاحقاً دولة كردية عند حدودها الجنوبية في الضفة المقابلة من الأراضي السورية وما يخلقه ذلك من مبررات الانقلاب المرتقب على أردوغان.
ولم ينف أردوغان نفسه في تصريحاته احتمال حدوث محاولة انقلاب جديدة يحاول جاهداً تداركها من خلال حل «الحرس الرئاسي» وإعادة «هيكلة» الجيش، الذي يحوي بداخله بالتأكيد عناصر انقلابية متخفية ولا يمكن تغييبه عن الحياة السياسية، عدا تدارك «قصور» عمل الاستخبارات وإقصاء كل موال محتمل للداعية فتح اللـه غولن قبل دراما الانقلاب لكن ما يتجاهله الرئيس أو ما لا يقدر على مواجهته سوء الحال الاقتصادية للبلاد وهبوط أسهم عملتها أمام العملات الأجنبية، ما سيدفع بحاضنته الشعبية، التي احتمى بها في الشارع، إلى التخلي عنه بفقدانها مصالحها ومكاسبها من الدفاع عنه في وجه أي محاولة انقلاب أخرى سيعزز فرص نجاحها إمعان أردوغان في صلف وعجرفة سياساته الإقصائية والانتقامية غير القانونية التي يتبعها حالياً والتي لن يجدي معها الحذر والحيطة بعدما أوقف أكثر من 10 آلاف شخص و«طهر» نحو 50 ألف شخص آخر سيشكلون نواة لحشد وتأليب الجيش ومؤسسات الدولة خلف أي انقلاب، وهو ما يؤكد فرضية الخطط المسبقة الجاهزة لقوائم الاستهداف.
ومن المؤكد أن أحزاب المعارضة التركية الرئيسية الثلاثة التي لعبت دوراً في إفشال محاولة الانقلاب ثم راعها ما يحدث من توقيف واعتقال وعزل وتنكيل بالقضاة وأساتذة الجامعات والمدرسين والإعلاميين وموظفي الحكومة والشرطة والمدنيين، لن تمد يدها ثانية لأردوغان عندما تدور الدوائر عليه ثانية. كما أن المجتمع المدني التركي ومنظماته الحقوقية لن يقفا على الحياد مجدداً في حال تكرار محاولة الانقلاب وستقوم انتفاضة عارمة وشعبية أيضاً ضده.
بإمكان أردوغان الآن الإفادة من الانقلاب الفاشل المزعوم وتحقيق قيمة مضافة لسطوته ونفوذه بتوجيه صفعة قوية للنخبة التركية ولخصومه السياسيين ومعارضي سياساته وللمؤسسات العسكرية والقضائية والتشريعية والتعليمية والإعلامية ثم حصر سلطاتها لاحقاً في قبضة «سلطنته» العثمانية المستبدة التي يجهد كي ترى النور في حال تحقيق حلمه بتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي كامل، بيد أنه لا بد أنه سيفشل حتماً عند أول محاولة انقلاب جديدة في استمالة الشعب التركي الذي حرضه للوقوف معه ونال ما نال من بطشه وغطرسته بحقوقه وآماله في حياة كريمة.
تركيا بعد إخفاق الانقلاب الافتراضي والسياسات القمعية الأردوغانية التي وأدت الديمقراطية، دخلت بقوة خط الدكتاتورية الرئاسية الجديدة التي ستوجد بيئة خصبة مناهضة لحكم «العدالة والتنمية» ولطموحات ومآرب الرئيس أردوغان، ومبررات كافية لأحفاد أتاتورك للإطاحة به بانقلاب مدروس ستنضج وتينع ظروف قطف ثماره قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن