ثقافة وفن

علي أحمد العبد الله الأديب الشهيد… أودع مادته وتنشر بعد رحيله… تحية لروحه … محمد طلب وشخصيات مجموعته القصصية «الوجه الآخر»

| علي أحمد العبد الله

يقول روبرت لويس ستيفنسون: ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة، قد يأخذ الكاتب حبكة، ثم يجعل الشخصيات ملائمة لها، أو يأخذ شخصية ويختار الأحداث والمواقف التي تنمي تلك الشخصية، أو قد يأخذ جواً معينا ويجعل الفعل والأشخاص تعبّر عنه أو تجسده، فالشخصية تعد أحد أعمدة القصة القصيرة، فلا يستقيم بناؤها من دونها ويمكن أن تكون بشراً أو حيوانات أو جمادات أو نباتات أو رمزاً.

على أكثر من طريق دفع القاص « محمد طلب» في مجموعته «الوجه الآخر» بشخوصه وراح يراقبهم وهم في معمعة الحدث. دفعهم ليواجهوا قضايا عدة.
تتصدر المجموعة قصة «ولادة» التي تحكي حكاية فيصل عواد الذي يُستدعى للتحقيق معه لأمر لا يعلمه ويترك بطله بعد أن قذفه في هذه المعمعة يصارع خوفه وتساؤله عن سبب ذلك الاستدعاء، لكنه ما يلبث أن يخرجه منها بسبب تشابه الأسماء، الأمر الذي اعتبره الكاتب ولادة جديدة يجب توثيقها في سجلات الأحوال المدنية. فيصل عواد هو الشخصية الرئيسة في القصة. ظهرت شخصية فيصل شخصية مرحلية؛ إذ كانت تعيش حالة متوازنة حتى تم استدعاؤها ففقدت توازنها ودخلت في دوامة، فالشخصية مرتبطة بالحالة التي تمر بها كما يقول «تودوروف» وتعني حالة مرحلية تمر بها الشخصية. قد لا يكون من المهم التركيز على اسم الشخصية فما يقع في دائرة الاهتمام هي الحالة التي تعيشها الشخصية لا الاسم، يظهر ذلك جلياً من خلال تفاعل المتلقي مع الحدث وموقفه من تصرف الشخصية.
الرأي نفسه يمكن أن ينطبق على قصة «إجابات بطعم العلقم» التي تحكي قصة أم ماتت في أثناء المخاض. في وقت كان يحلم الأب بولادة ولد ذكر. لكن الولادة تتعسر، فيطلبون زيت خروع يذهب لإحضاره من قرية مجاورة ويعود ليجدها ميتة. يكسر زجاجة الخروع. يكبر الولد ليتعرف على زميلة جامعية تأسف لحاله حين تسمع بحكايته، في هذه القصة تؤدي الشخصية دوراً حكائياً غير منوط بفعل أو هدف غاب فيه الفعل والريادة التي يجب أن تتمتع بها شخصية القصة. على عكس ما رمى إليه القاص في قصة «غربة» التي اختار شخصية رمزاً هي الفرح وتحكي القصة أن الفرح قرر أن يزور حياً ليزرع السعادة في النفوس. تحمّل مشقة الطريق، لكنه رغم المسير الطويل لم يصل، فيطلب العون من الله فلم تستجب دعوته عند ذلك أدرك أنه بعيد عن منازل الفقراء وبقي على محاولته حتى أحس أنه قريب منها؛ إلا أن الشرطة اتهمته باللصوصية، فأطلق ساقيه للريح وهرب ومن يومها ما زال الفرح يخشى زيارة أحياء الفقراء. يظهر الفرح هنا شخصية أشمل لأنها تمثل صفة غير محصورة في شخص بعينه، لكنها تبقى علامة فارقة في النص وتحولت إلى مدلول يتعلق بمطلب إنساني وأخلاقي. أما في قصة «خبر القرية» التي تحكي فقدان القرية لتابوت المسجد وهو بعهدة أبو طراد. بحثوا عنه فلم يجدوه لكنهم وجدوه مصادفة في قبر أحد الموتى فبان مسؤولية الإمام عن ذلك بعد أن كان أبو طراد هو المتهم فقرر سكان القرية أن يكون لكل عائلة إمام. في هذه القصة ظهرت شخصية الإمام كمنتج في المجتمع المُتوارِث لسلطة زعيم القرية وهذا يعني أننا نحن أمام منتج عقلي جمعي كما يرى كلود ليفي شتراوس. أما في قصة الوجه الآخر يضطر بطل القصة للبحث عن عمل بعد أن تخلت الجهات عن التزاماتها في تعيينه بإحدى المؤسسات بعد تخرجه في الجامعة. يبحث في الشركات الخاصة لكن الشروط لا تنطبق عليه فهم يستخدمون المرأة فقط بل إنهم يستغلون أنوثة المرأة. يسمع عن وظيفة شاغرة لسائق يتقن الانكليزية لكنه لا يحسن قيادة السيارات ولا اللغة أيضاً عندها يرمي جريدته من يده ويذوب وسط الزحام كغيره من الوجوه. هنا يعود بنا القاص إلى الشخصية الحالة التي فقدت توازنها حينما وضعت بمواجهة البحث عن لقمة العيش.
أما شخصية أبو سلمان الذي تعرض لخديعة في قصة «الكنز» فتحكي القصة أن أبو سلمان الذي تعرض لخديعة الشيخ التركي الذي يبحث عن الذهب في قرية «محجة» وأراهم خريطة الكنز ليحصل على مئتي ألف ليرة، لكنه يفاجأ بأن الجرة المملوءة ذهبا كانت فارغة. كما هو حال أربعمئة عام من حكم الأتراك العثمانيين للوطن العربي كان فارغاً. أرى هنا أن الكاتب قد وظف شخصية الشيخ التركي بأفعالها التي قامت بها أي ربط «الشخصية بالدور» الشرير الذي قامت به من خلال عرض صفاتها للمتلقي كي يصل معه إلى نبذها والوقوف ضد أفعالها، على حين أظهر أبو سلمان كمخدوع مغبون وكأني به يعيد على أسماعنا ويذكرنا بأن حكم الأتراك العثمانيين لم يكن سوى جرة فخار فارغة.
يبدو أن مجموعة «الوجه الآخر» تعج بالشخصية المسحوقة «الإنسان» الذي ظهر في شخصية ناجي سليم في قصة «يحيا العدل» التي تحكي قصة عمال يكابدون المشقة والعناء والبرد وويلاته في حين لا يعاملون معاملة واحدة. يخصم من مرتبه لتأخره بضع دقائق في حين غيره لم يكن يحضر لكنه يعامل كمن حضر. يهزأ من مقولة يا عمال العالم اتحدوا. تظهر الشخصيات حكائية محضة في هذه القصة ودون المستوى المطلوب فلم يول الكاتب جانب الفاعل في شخوصه، بل تركهم يؤدون دوراً جزئياً، فالشخصية الفاعل ما هي إلا الفاعل المجرد، أو القصة بذاتها كما يقول جيرار جينيت. كذلك اتبع الكاتب الأسلوب نفسه في قصة «الذاكرة المثقوبة» التي تتحدث عن أشباه الرجال الذين يدعون حماية الضعيف تتسرب الأحداث والذكريات من ذاكرة مثقوبة توجب بعدها أن العسس أوقفوه تحت تهم عديدة وأغلقت وراءه الأبواب، لكنه يجد في الغناء بعض الأمل كمن يستغيث بالأعلام الأوائل من التاريخ لنصرتنا على النكسات التي لا بد ويكون النصر منسوباً للوالي. إذ ترك الجانب الفعلي وقدم أنماطاً للشخصيات قدمت فعلاً ضعيفاً والمفترض أن يكون الفعل ريادياً في نص يتحدث عن معاناة الإنسان وإلحاق نصره لمن لا يستحقه.
أما شخوص قصة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» فحيث يستيقظ صباحاً مثقلاً بحمال الليل. يستمع للمذياع لا تعجبه الأغنيات يتذكر عمالقة الغناء وبعض قصصهم. ينتقل للأخبار وللمعتقلين في سجن أبو غريب يبدي ممانعته لتسمية أميركا بالحضارة النشرة الجوية تؤكد أن لا مطر فيهزأ لأن جارتهم تنبأت بذلك بسبب قطع الأرحام. يتجول في شارع هنانو بدرعا يستعرض محلاته بأسمائها وموقعها ثم يشتري فستانا لابنته. هي استرسال لحالة لا قيمة للاسم فيها وأن تداعيات حدث أن مرت بها الشخصية لا يتعدى إلحاقها بالشخصية الحالة، أما في «المحطات الملغومة» والتي هي على شكل قصص قصيرة جداً فقد قدم النص المنجز شخصيات مختلفة تنوعت بين الشخصية الحالة والرمز.
قدمت مجموعة الرأي الآخر لمحمد طلب عدة مستويات من الشخصيات غلب عليها طابع الشخصية الحالة غاب الفعل في قصص كثيرة وظهر جانب التأمل والوصف على حساب الفعل لكنها في حالات الشخصية الرمز كان تأثيره أكبر ينم عن معرفة إدراك فكري وثقافي لمعاناة الشخصية «الإنسان» قدمها في أحد عشر نصاً ومجموعة من القصص القصيرة جداً يذكر أن محمد طلب قاص سوري متحصل على خمس جوائز في القصة القصيرة منها جائزة اتحاد الكتاب بدرعا عام 1999 وعام 2003 وجائزة عبد السلام العجيلي عام 2010 وجائزة بصرى الشام عام 2010.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن