اقتصاد

مديح (مشروع الزراعة المنزلية)

| علي هاشم

رغم تأخره، يبدو من المبكر الحديث عن (مشروع الزراعة المنزلية) الذي تهتم به الحكومة كأحد ثلاثة مشاريع تسعى من خلالها لتنمية إنتاجنا الزراعي ومعالجة الفقر.
فعلى أهمية ما قيل حتى الآن، إلا أن كثيراً من تفاصيله لا يزال في عهدة الغموض، كتعريف (الحديقة المنزلية) التي ستقدم 5 آلاف منها كـ (منح) مجانية للأسر الزراعية الفقيرة سنويا، وما إذا كان (مشروع الدواجن) من ضمنها!، إلا أن الغموض الأبرز يتجلى في طريقة التمويل، فعلى الرغم من ورود كلمة (منح) في متن البيان الصحفي لاجتماع الحكومة، فما قاله وزير الزراعة عقبها، نفى ذلك لمصلحة الدعم على شكل (قروض أو مساعدة فنية).
لربما يقتصر الارتباك على طريقة الإعلان عن المشروع فيما أسسه النظرية واضحة في عقل الحكومة، وبغض النظر عن ذلك، فإن عدم استقرار (طرق التمويل) يشكل عقبة جوهرية تبعا لما يفرضه كل منها من تبدل هيكلي في بنيته وفي مروحة الشركاء المحتملين لإطلاقه.
من حيث المبدأ، يسهل توقع إخفاق فكرة (القروض المصرفية) في ظل المخيلة العقيمة للإدارات المصرفية وتبجيلها المذهل للعقل البيروقراطي، وإصرارها على انتهاج التوسع بالإقراض الاستهلاكي (المضمون) مقابل الامتناع شبه التام عن التمويل الاستثماري؟!.
وفيما لو كان كلام وزير الزراعة حول استبعاد (المنح) دقيقاً، فلا يبقى لنا سوى (الدعم الفني) الذي يعني في مختزله (تعليم المزارع.. الزراعة!) ما يبدو كوصفة ناجحة لوأد المشروع مبكراً؟!.
لإنجاح المشروع، قريباً ما ستجد الحكومة نفسها مضطرة لتوليف منتج تنموي مختلط بين الصيغ الثلاث (المنح، القروض، الدعم الفني)، ولئن كان من المنطقي تفعيل مؤسساتها (تنمية الصناعات الصغيرة) و(ضمان القروض) لتحقيق ذلك، فهذا ما لن يتحقق، أقله ريثما تنتهي محاولاتها المستمرة منذ قرابة عام كامل لوضع (التعريف المعجزة) لهذا النوع من المشاريع!.
والحال كذلك، سيكون على الحكومة البحث عن شراكات مع مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في ميدان المشاريع التنموية الصغيرة، التي، وإضافة إلى خبراتها المتراكمة في الدعم الفني وقربها اللصيق من المواقع الهدف، فستكون الحاجة إليها أكبر لإطفاء مخاوف الديون المعدومة التي تنتصب عائقاً أمام التمويل المصرفي، كما ستكون المعبر الأمثل لتمرير المنح (المحلية والدولية) إلى حيث يجب.
في الواقع، لا يحتاج مشروع (الزراعات المنزلية) إلى مديح، يمكن القول -فقط- إنه أول المؤشرات الجدية في استثمار أبرز ما نملكه من (رأسمال ثابت) متاح ومهمل، عبر تمويلات صغيرة لرأسماله المتغير وتنشيط قوة العمل المكبوحة قسرياً، كما يسجل له عدم إخلاله بالتوازن الهش بين الكتلتين السلعية والنقدية فيما لو انطلقت معه سياسة مصرفية توسعية، فمن حيث المبدأ، ستنفق القروض على استهلاك سلع مهملة حالياً في معظمها لاستيراد سلع جديدة تتدفق إلى الأسواق بشكل منتظم وتراكمي ضمن دورة موسمية قصيرة تدعم تحرير التضخم من التناقض الحرج بين تركز سلعنا التصديرية الزراعية، وبين تناقص عرضها المحلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن