قضايا وآراء

أسئلة الأتراك ما بعد الانقلاب الفاشل- وإسقاطاتها السورية!!!

| د. بسام أبو عبد الله 

لم يُخف الصحفيون الأتراك امتعاضهم من موقف الغرب الملتبس تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة ليلة 15/7/2016، ذلك أن هناك شبه إجماع لديهم من أن الانقلاب بحد ذاته لم يحظ إلا بالقليل من الاهتمام، وكان التركيز الحقيقي في وسائل الإعلام الغربية (كما تقول حرييت ديلي نيوز الليبرالية) هو كيف سيعزز ذلك سلطة أردوغان، الذي ينظر إليه الغرب الآن كحاكم مستبد، ويعتبرون ذلك مصدر قلق لهم!!! من دون أن تسأل الصحيفة نفسها سؤالاً بديهياً، وهو: لماذا لا يقلق الغرب مثلاً من النظام الفاشي الوهابي السعودي، أو القطري!!!
تقول الصحيفة: إن بعض الإعلاميين الغربيين ذهبوا لاعتبار الانقلاب أنه (تدبير أردوغاني) على أساس أن ذلك احتمال واقعي، وحقيقي، وعملوا للدفاع عن الانقلابيين بشكل ظهر فيه أن هناك افتراقاً كبيراً بين نظرة الأتراك، ونظرة الغربيين لتسأل الصحيفة سؤالاً كبيراً (من يعرف تركيا أفضل: الأتراك أم الغربيون؟).
الغرب لم يقرأ بعد، أو لا يريد أن يقرأ أن هناك إجماعاً وطنياً تركياً أن الانقلابيين هم من الشبكة السرية لـ(فتح اللـه غولن) داخل الجيش، ومؤسسات إستراتيجية أخرى، وأن الأتراك أصبحوا أكثر إدراكاً أن (جماعة غولن) ليست حركة مجتمع مدني تدعو للمحبة، والتسامح، وإنما شبكة خفية لـCIA متغلغلة في الدولة التركية لتنفيذ الأجندات الخاصة بالولايات المتحدة، وبالقوى الخفية الأخرى في العالم، وهو ما دعا زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا لمطالبة الولايات المتحدة بتسليم (غولن)، ومطالبة غولن بالعودة لتركيا لتبييض صفحته أمام القضاء التركي، وأما دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية المعارض فقد قال أمام مجموعته البرلمانية يوم 26/7/2016 (إنه إذا صحت المعلومات عن أن قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان زار تركيا سراً مرتين، وعقد اجتماعات سرية للغاية قبل 15/7/2016 في أرضروم، وأنجيرليك، فإن ذلك يعني أن المخابرات المركزية الأميركية والبنتاغون يقفان خلف المتآمرين، وهو ما سيقود لمشكلة جدية للغاية لن تتمكن أميركا من تجاوزها، وإذا ثبت استخدام قاعدة أنجيرليك التي وضعتها تركيا لمكافحة داعش في الانقلاب- فإن هذا يوصلنا إلى أن أميركا، ومراكز عالمية يخططون لدفع تركيا نحو حرب أهلية)!!!
لا تتوقف الأسئلة لدى الأتراك في وسائل الإعلام، ولدى السياسيين خاصة مع تنامي الشكوك لديهم من وقوف حليفتهم الأساسية المفترضة أي الولايات المتحدة خلف محاولة الانقلاب، وما يزيد الطين بلة دفاع كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية عن فتح اللـه غولن -إذ أعلن جيمس كلابر مدير الاستخبارات القومية الأميركية- عندما سألته الصحافة في 20/7/2016 عن تورط غولن في محاولة الانقلاب- بالقول: (لم نر ذلك حتى الآن، ونحن بالتأكيد لم نر ذلك من خلال معلومات ذات قيمة سياسية، أوعسكرية)، ليدعم (غراهام فوللر) مسؤول الـCIA السابق في استانبول لسنوات طويلة- كلام سيده في مقال في الـ(هوفينغتون بوست) بالقول: إن (غولن كان واحداً من أفضل الوجوه المشجعة على الإسلام اليوم)- وفوللر هذا كان من بين أولئك الذين ساعدوا (غولن) على الإقامة في الولايات المتحدة بعد فراره من تركيا أواسط التسعينيات، وأما (هنري باركي) وهو مساعد (فوللر) في الـCIA خلال فترة عمله في تركيا (وبالمناسبة هو يهودي تركي من إزمير ما تزال عائلته تعيش في تركيا، وزوجته إيلين باركي موظفة رسمية في الـCIA) فقد كان قد قال في تصريح مسجل عام 2012: (لقد استطعنا وضع القوات المسلحة التركية في القفص من خلال أصدقائنا في حزب العدالة والتنمية)- تعقيباً على محاكمة الضباط القوميين الأتراك المعارضين للمشروع الأميركي (الشرق الأوسط الكبير)- في قضية إرغينيكون الشهيرة بالتحالف بين أردوغان، وغولن، والذين أعاد أردوغان الاعتبار لهم بعد حادثة الانقلاب الفاشلة الأخيرة.
هنري باركي هذا –قال في آذار 2016: (لا يوجد لفتح اللـه غولن وحركته أي علاقة أو ارتباط مع الـCIA، ولو كان هناك مثل ذلك الارتباط- لعرفت بذلك!!!).
وسأزيدكم من الشعر بيتاً أن (باركي) هذا هو أحد منظري ما يسمى (الإسلام المعتدل)، وكتب مؤخراً مع معلمه (غراهام فوللر) كتاباً بعنوان (المسألة الكردية)، وتفيد المعلومات أن فوللر- وباركي التقيا عبد اللـه أوجلان بعد خروجه من سورية، في روما، وقبيل اعتقاله، وتسليمه للأتراك أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
كما أن (باركي) هو من طالب الكونغرس الأميركي بالسماح لممثل حزب العمال الكردستاني بالإقامة في أميركا، وهو من حضّر لمؤتمر (كردستان والمسألة الكردية) في واشنطن لزعيم حزب الشعوب الديمقراطي التركي صلاح الدين ديميرطاش مؤخراً، وكذلك من شجع على عريضة الـ(51) دبلوماسياً أميركياً الذين طالبوا أوباما بالخيار العسكري ضد سورية، وهو من شجع على تصفية الضباط الأتاتوركيين في الجيش التركي إذ يقول إذا لم تتم تصفيتهم فسنعيش علاقة مضطربة بين تركيا، وأميركا والناتو، وسنرى تركيا زاحفة باتجاه روسيا، والصين.
إن تركيزي منذ فترة على ما يجري ي تركيا هو لكشف الكثير من الخيوط، وخفايا المشهد التركي، وانعكاساته المباشرة سورياً، فالمشروع الأميركي- الإسرائيلي هو إقامة (كردستان الكبرى) كما يبدو وواضحاً من نشاطات (باركي)، ووجود قوات خاصة أطلسية في الشمال السوري، ودعمها لما يسمى (قوات سورية الديمقراطية) لوصل كانتون كردي على طول الحدود مع تركيا، وإذا أخذنا الواقع في جنوب شرق تركيا، وتنامي العمليات الإرهابية في المناطق الكردية الإيرانية ندرك بوضوح طبيعة المشروع الذي يستهدف دول المنطقة (وهو ما سبق وكتبت عنه في «الوطن» تحت عنوان: مشروع كردستان الكبرى خطوة- خطوة!!).
لكن ما يُشعرك بالحزن، والسخط أحياناً هو استمرار جماعات ما يسمى (المعارضة السورية) بتكرار الأسطوانة المشروخة نفسها حول الرئيس بشار الأسد، ودوره المهم، والأساسي في رسم مستقبل سورية، لا بل المنطقة بأسرها، من دون أن يتعلموا درساً واحداً للتاريخ في تركيا ولا في أوروبا، أو أميركا، لأن ما يحركهم (أحقاد فقط)، وليس مصالح وطنية سورية بحتة، إن لم أقل إنها (العمالة والخيانة) ليس أكثر، فلو كانوا ذوي رؤية وطنية معارضة لوقفوا مع دولتهم، وبلدهم قولاً واحداً، ولم يتحولوا إلى متسكعين، أو مرتزقة على موائد أجهزة الاستخبارات الإقليمية، والدولية، ودهاليز ما يسمى منظمات المجتمع المدني الأوروبية والأميركية، والتي ليست إلا أذرعاً ناعمة للاستخبارات.
أحد الصحفيين الأتراك لخص هذه المقاربة التي أشرت إليها- عندما سأله صحفي غربي السؤال التالي: (ألم يكن من الأفضل لكم لو نجح الانقلاب للتخلص من حاكم ديكتاتور- أي أردوغان؟؟؟).
أجابه الصحفي التركي: (لست سعيداً بنوعية الديمقراطية في تركيا، وأنا أنتقدها في مقالاتي، لكن انقلاباً عسكرياً ليس الطريق الصحيح لجعل الديمقراطية أفضل، فأنت لا تستطيع تدمير الديمقراطية لجعلها تعمل بشكل أفضل، ولا تستطيع أن تجعل شيئاً ما أفضل من خلال فرض شيء ما أكثر سوءاً!!!).
ليتابع الصحفي التركي تساؤله بالقول: (وكأن الديمقراطيات المتقدمة في الغرب غير سعيدة بأن محاولة الانقلاب فشلت في تركيا نتيجة الموقف المشترك للأحزاب السياسية في البرلمان، وأغلبية أبناء الشعب التركي، وقوى الجيش، والشرطة غير الخاضعة لهيمنة الانقلابيين) ليخلص إلى نصيحة الغرب أن عليه أن يفهم أنه لا تأييد شعبياً للانقلاب الفاشل، وأن أغلبية الشعب بما في ذلك خصوم أردوغان اللدودون لا يرون أن الانقلاب العسكري هو الطريق للوصول إلى ديمقراطية أفضل.
هذه الخلاصة هي التي أريد أن يدركها القارئ السوري، لأن الهدف ليس إدانة أردوغان فهذا شأن تركي داخلي، إنما الاستفادة من الحدث التركي لفهم نفاق الغرب، وحقيقة (المعارضة السورية) في الخارج، والخيوط المتشابكة بين ما يجري في تركيا، وانعكاساته، أو إسقاطاته السورية، ذلك أن أولئك الذين ساقوا سورية، وشعبها إلى هذا الدمار، والتشرد والحرب هم أنفسهم الذين يريدون تدمير كل دول المنطقة، وينطبق عليهم وصف لافروف: (إنهم أشرار، وأوغاد، ومنافقون) بغض النظر عن جنسياتهم سواءٌ أكانوا سوريين، أم أتراكاً أم أمريكان، أم فرنسيين.
أنا على ثقة أن التحولات القادمة سينتجها صمود السوريين، ومقاومتهم الأسطورية لهذه الفاشية الجديدة ذات الإنتاج المتعدد الجنسيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن