عربي ودولي

الانتخابات البرلمانية التركية: أردوغان تحت خط الفقر السياسي والسلطة لم تعد مطلقة…«العدالة والتنمية» فوز بطعم الهزيمة وأحزاب المعارضة تنعى حكمه وترفض تشكيل ائتلاف حكومي معه

أدخلت نتائج الانتخابات البرلمانية تركيا في مرحلة جديدة سيكون عنوانها عدم الاستقرار السياسي وهو ما أدركه حزب «العدالة والتنمية» جيداً ودفعه إلى بدء البحث عن مخارج تمكنه من البقاء في واجهة المشهد السياسي أولاً، وتحميه من أي محاسبة أو ملاحقة على ما اقترفه طوال فترة حكمه السابقة ثانياً.
فلنتائج الانتخابات البرلمانية دلالاتها وانعكاساتها على المشهد السياسي التركي عامة وعلى حزب العدالة والتنمية الحاكم بنحو خاص كأنه «فوز بطعم الهزيمة» أذاقها الأتراك له بملعقة حزب الشعوب الديمقراطي.
وخاض حزب الشعوب الديمقراطي وهو الحزب ذو الأغلبية الكردية الانتخابات للمرة الأولى ليكون الحصان الأسود فيها، فهو تمكن من الفوز بنسبة أصوات فاقت العشرة في المئة، وهي النسبة الضرورية لدخول البرلمان. وهذه النسبة إضافة إلى النسب التي حازتها الأحزاب المعارضة كحزب الشعب الجمهوري والحركة القومية حرمت الحزب الحاكم من نسبة الثلثين البرلمانية.
ولو فاز حزب الإخوان المسلمين بهذه النسبة في الانتخابات لنجح في تحويل الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، كما كان يتداول في الكواليس عن طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان.
لكن حزب العدالة والتنمية لم يحقق حتى نسبة النصف زائداً واحداً وهي ما اعتمد عليه لتشكيل حكومات منفردة منذ العام 2002، واليوم يواجه الحزب الذي وعد الأتراك بصفر مشكلات في محيطه وبنمو اقتصادي مطرد تحدي تشكيل حكومة ائتلافية مع معارضيه.
كما أن ائتلافاً حكومياً تحت قبة برلمان يضم أطياف الحياة السياسية التركية قد يكون صعباً لدرجة إجراء انتخابات مبكرة كما قال رئيس حزب الحركة القومية. فخلافات حزب العدالة والتنمية مع معارضيه كبيرة، من ملفات داخلية وإقليمية يختلفون حولها من عملية السلام مع الكرد إلى علاقة الدولة بالجيش مروراً بتقاليد الديمقراطية التركية وعلاقتها بالعلمانية وصولاً إلى دعم تركيا المجموعات المسلحة التي تعبث بأمن الجارة سورية والمنطقة عامة. وأظهرت النتائج غير الرسمية للانتخابات النيابية التركية تراجعاً لحزب العدالة والتنمية الحاكم برغم تصدره النتائج، حيث حصل على 41.4% وينال بموجبها 258 مقعداً في البرلمان، وتلاه في المرتبة الثانية حزب الشعب الجمهوري بـ132 مقعداً وحزب الحركة القومية بـ81 مقعداً على حين حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 79 مقعداً ليدخل البرلمان للمرة الأولى.
إلى ذلك ذكر الحساب الذي يحمل على «تويتر» اسم فؤاد عواني ويحظى بمتابعة شعبية كبيرة أن حكومة حزب العدالة والتنمية الحالية بدأت عملية إتلاف الوثائق وإحراقها في رئاسة الوزراء على خلفية النتائج الانتخابية وخسارة الأغلبية البرلمانية المطلقة.
وأشار عواني الذي سبق له أن نشر وثائق ومعلومات كشفت فساد أردوغان وحكومته إلى أن إتلاف الوثائق لن ينقذ أعضاء حكومة حزب العدالة والتنمية من المحاكمة التي باتت قريبة ولن يساعدهم على الإفلات من العقاب.
بدوره دعا أردوغان في أول تصريح له بعد خسارة حزبه الأغلبية إلى «التصرف بمسؤولية للحفاظ على استقرار البلاد»، وهو ما فاجأ بعض المحللين الذين استغربوا إثارة أردوغان لموضوع الأمن والاستقرار في وقت مرت فيه الانتخابات دون أي حوادث تذكر.
وقال أردوغان في بيانه: «من المهم جداً في العملية الجديدة أن تتصرف الأحزاب السياسية كافة بالحساسية الضرورية وتتحلى بالمسؤولية لحماية مناخ الاستقرار والثقة إلى جانب مكتسباتنا الديمقراطية». وتتقاطع تصريحات أردوغان مع تصريحات رئيس حكومته أحمد داوود أوغلو الذي أعلن عقب صدور النتائج الأولية للانتخابات بأن الحكومة لن تسمح لأحد أن يمس بالاستقرار، ما يشكل إشارة إلى طريقة تفكير حزب العدالة والتنمية الذي قد يلجأ إلى معاقبة الأتراك على تخليهم عنه وإثارة الفوضى بهدف الاحتفاظ بالسلطة ووضع البلاد أمام خيارين الفوضى أو حكم الإخوان.
من جهته اعتبر نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش أن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي في دخول البرلمان هو مؤامرة على حزبه من حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية.
وبعد أن هدد أرينتش باللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة دعا إلى تشكيل الحكومة بشكل عاجل لأن تركيا بحسب زعمه «ربما تضطر لاتخاذ قرارات عاجلة بشأن الحروب التي تجري في الدولة المجاورة».
ومن جانبها ذكرت وسائل إعلام تركية أن نتائج الانتخابات فتحت المجال أمام عودة عبد اللـه غل الرئيس التركي السابق إلى حزب العدالة والتنمية الذي يعتزم عقد مؤتمره بين شهري أيلول وتشرين الأول القادمين من أجل انتخاب رئيسه الجديد.
وقالت صحيفة كارشي: إن «السؤال بات اليوم هل سيترشح داوود أوغلو لرئاسة حزب العدالة والتنمية بعد النتائج الحالية؟»، مشيرة إلى خلاف بين غل وكل من أردوغان وداوود أوغلو ظهر بامتناع غل عن حضور احتفالات ذكرى فتح إسطنبول.
بدوره نعى نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري والمتحدث باسمه هالوك كوتش حكم حزب العدالة والتنمية وقال: إن «الديمقراطية التي وضعتها حكومة الحزب في غرفة الانتظار انتصرت»، مشيراً إلى أن حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال كيليتشدار أوغلو تحولا إلى أهم لاعبين مؤهلين لتشكيل الحكومة الجديدة، مستبعداً احتمال تشكيل حزب الشعب الجمهوري حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية.
ومن جهته أكد رئيس حزب الحركة القومية الذي حل ثالثاً دولت بهتشلي أن نتائج الانتخابات هي بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية وأن أردوغان هو الخاسر والمهزوم الأهم بعد أن استنفر كل إمكانيات الدولة لدعم حزبه ومهاجمة أحزاب المعارضة بجمل وعبارات منحطة، مشيراً إلى انتهاء حقبة السياسة المعتمدة على التوتر.
وأعلن بهتشلي أمام أنصاره الذين تجمعوا أمام مقر الحزب في أنقرة أن حزبه يرفض الائتلاف مع حزب العدالة والتنمية وهو مستعد لتولي مهمة حزب المعارضة الرئيسي ولخوض انتخابات مبكرة متى ما أجريت إذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية تشكيل الحكومة، داعياً أردوغان إلى الاستقالة في حال رفض أن يلتزم بالصلاحيات التي يخوله بها الدستور التركي.
إلى ذلك قال صلاح الدين دميرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي: إن «حزبه لن يشكل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية ولن يدعمه بأي شكل من الأشكال كما وعد سابقاً»، مؤكداً أن حزب الشعوب الديمقراطي لن يشارك في أي مشروع لا يخدم مصالح تركيا وشعوبها، لافتاً إلى أن الجدل حول الانتقال إلى النظام الرئاسي انتهى مع نتائج الانتخابات حيث عادت تركيا من حافة الهاوية. وتضع نتائج الانتخابات البرلمانية تركيا أمام 3 احتمالات وهي تشكيل حكومة ائتلافية أو تشكيل حكومة أقلية أو إجراء انتخابات مبكرة الأمر الذي يصفه المحللون بعدم الاستقرار السياسي.
سانا – الميادين – رويترز

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن