قضايا وآراء

ألم تنقض عجافك السبع يا مصر؟!

| عبد المنعم علي عيسى

يروي الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه الأخير بعنوان مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان «الصادر عن دار الشرق 2012» أن لقاءً قد جمعه مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر 7/11/1973 في إطار ما كان يسمى بمفاوضات فض الاشتباك التي أعقبت حرب تشرين 1973 آنذاك، وفي ذلك اللقاء كان كيسنجر قد لاحظ أن هيكل كان يتحدث بصيغة الجمع فما كان منه إلا أن طلب من شريكه في الحوار الاقتصار في حديثه على مصر وقضاياها لوحدها، كان رد هيكل على هذا الطلب الأخير بأنه «إذا اقتصر اهتمام مصر على قضاياها وحدها فهي تحتاج إليكم وإذا كانت –مصر- وسط أمتها العربية فأنتم بحاجة إليها».
لكم يوصف جواب هيكل هذا الأخير الحال المصرية منذ ما يزيد على عقود ثلاثة عندما اختارت القاهرة الانكفاء عن دورها الريادي والتقليدي والسير بمسار أقل ما يقال فيه إنه النقيض للمسار المشار إليه كانت زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس في 2/11/1977 مدخلاً للانكفاء الذي أفضى إلى كامب ديفيد أيلول 1979 التي كان لها أثر بالغ على الطرفين (مصر ومحيطها العربي) على امتداد عقد من الزمن كان حافلاً بالأحداث الهامة مثل الحرب الإيرانية- العراقية أيلول 1980 وكذلك غزو إسرائيل للبنان حزيران 1982 وما تفرّع عنه من أحداث خطرة مثل خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وتالياً لبنان إلى تونس أيلول 1982 وفرض اتفاق 17 أيار 1983 على لبنان على الرغم من أن هذا الأخير قد استطاع بدعم سوري مطلق عبر قواه الوطنية التي أجمعت على رفضه إسقاط الاتفاق المذكور قبيل أن يصبح ساري المفعول أو قيد التنفيذ.
عادت مصر إلى محيطها العربي في العام 1989 إلا أن تلك العودة كانت مرفقة بقيود كبرى ومعها تحديد السقوف التي يمكن للدور الإقليمي المصري أن يبلغها ولقد استمر هذا الواقع على امتداد عهد الرئيس السابق حسني مبارك (1981-2011) لتنخرط قاهرة محمد مرسي «حزيران 2012- تموز 2013» في سياسات كانت بعيدة كل البعد عن الاحتياجات المصرية- والعربية- والأمر نفسه قد تكرر بعد سقوط مرسي 3/7/2013 الذي حمل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة شيء واحد قد تغير هو الانتقال من الاستدلال بوقي البوصلة التركية- القطرية إلى الاستدلال بنظيرتها السعودية التي باتت تحدد كل شيء وتحدد أيضاً كبرى التوجهات المصرية.
قد يكون مفهوماً اندفاع قاهرة السيسي نحو الرياض دون مبرر شكلت هذه الأخيرة الرافعة الاقتصادية التي لا غنى عنها للحال المصرية التي كانت متأزمة عشية سقوط حكم الإخوان المسلمين 3/7/2013 إلا أن المتغيرات ما بين تلك المرحلة وبين اليوم كبيرة وهي لم تعد تبرر الركوب في المركب السعودي كيفما اتفق، صحيح أن القاهرة قد كسرت – مؤخراً – الكلمة السعودية في محطات عديدة كان آخرها التصويت ضد قرار تمثيل الدولة السورية عبر وفد الائتلاف المعارض في القمة العربية المنعقدة في نواكشوط 25/7/2016 وصحيح أيضاً أن ذاك أمر إيجابي يحسب لها إلا أنه عندما يكون (ذلك التصويت) هو السقف الأعلى المسموح به سعودياً عندها يتحول الموقف إلى عامل تقزيم للدور المصري إذ لطالما فعلت ذلك دول تحسب من بين الدول الصغيرة مثل لبنان وجيبوتي بل وفعلت ذلك (وإن بصورة أخرى كالامتناع عن التصويت) دول محسوبة حليفة للرياض مثل الإمارات وأخرى بعيدة كثيراً عن الصراع الدائر في المنطقة مثل جزر القمر وموريتانيا.
اليوم قد يكون مفيداً التذكير بحقيقة راسخة كرستها التجربة على امتداد عقود وعقود هي أن مصر «المشاغبة» أيام عبد الناصر 1952-1970 كانت تتمتع باقتصاد هو أفضل بمرات عدة من نظيره في مصر «المنقادة» ما بين 1979-2011 وتالياً ما بين تموز 2013 إلى الآن على الرغم من أن هذه المرحلة الأخيرة قد شهدت قيام القاهرة بفتح قنوات عديدة مع دمشق على مختلف الصعد والمستويات في الوقت الذي كانت العلاقة الرسمية ما بين العاصمتين مقطوعة منذ أن أعلن تلك القطيعة الرئيس السابق محمد مرسي 15 حزيران 2013 أي قبل ما يزيد قليلاً على أسبوعين من سقوطه بعد دعم سعودي يحمل الكثير من إشارات الاستفهام.
مضى على القطيعة الرسمية المصرية- السورية ثلاث سنوات ونيف والسؤال المهم الآن هو: هل ينبغي علينا الانتظار لأربع سنوات قادمة لكي تنقضي السنوات السبع العجاف؟ بالتأكيد لا فحجم التحديات وكم المخاطر المحدقة بالمنطقة تقتضي حرق المراحل خصوصاً أن التقارب المصري السوري لم يكن يحدث في مراحل عدة بفعل عوامل معينة أو قيام محاور مختلفة بل بفعل حقائق التاريخ والجغرافيا التي تقول إن قيام محور دمشق القاهرة يشكل ضمانة كافية لوقف الانهيارات الكبرى كما الحاصلة حالياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن