قضايا وآراء

فك الارتباط المزعوم

| صياح عزام 

بذلت أطراف عربية مثل قطر والسعودية، وإقليمية مثل تركيا، علاوة على بعض من يُطلق عليهم «مشايخ السلفية الجهادية»، والعديد من أصحاب الفتاوى (فتاوى الفتنة)، جهوداً كبيرة لإقناع جبهة النصرة الإرهابي بالإعلان عن فك ارتباطه بتنظيم «القاعدة» الأم، حتى ولو كان الأمر شكلياً، من أجل تفادي تعرضه لأوسع عملية تصفية وملاحقة، مثلما يتعرض لها تنظيم داعش الإرهابي في كل من سورية والعراق، ولو أن الملاحقة لتنظيم داعش من قبل التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة لم تكن فعالة أو في مستوى الجرائم التي يرتكبها هذا التنظيم ليس في المنطقة بل في أوروبا وأمكنة أخرى في العالم… هذه المحاولات لفك الارتباط التي أُعلن عنها مؤخراً تحت اسم «جبهة فتح الشام»، ليست جديدة على أية حال، فقد سبقتها عمليات تهيئة وتمهيد وتلميع، ساهمت فيها قنوات فضائية ووسائل إعلامية محسوبة على دول هذا المحور (قطر والسعودية وتركيا)، إلا أنها أخفقت جميعها في إقناع الإرهابي «أبو محمد الجولاني» بفك مسألة بيعته لزعيم القاعدة «أيمن الظواهري» وتثنيه عن الولاء والسمع والطاعة له… هذه المرة، يبدو أن جهود هذه الأطراف قد أثمرت وحان قطاف ثمارها، وفي توقيت شديد الأهمية والدقة، وذلك في إطار مسعى لتجنيب «جبهة النصرة» المصير الذي ينتظر داعش، وفي محاولة لتعطيل التفاهمات الروسية – الأميركية الأخيرة التي وضعت الدولتين العظميين روسيا والولايات المتحدة على سكة العمل الموحد والتنسيق لضرب «جبهة النصرة» في مناطق وجودها ودفع الفصائل الأخرى الإرهابية إلى فك ارتباطها العسكري الأمني والجغرافي مع إرهابيي الجبهة، بالفعل فإن جبهة النصرة هي أكبر فصيل إرهابي مسلح يقاتل الجيش السوري، على حين أن بقية المجموعات والفصائل المسلحة الأخرى مثل (الجيش الحر والجبهة الشامية وأحرار الشام.. إلخ) كلها منظمات مسلحة هامشية أمام جبهة النصرة، إلى جانب ذلك فإن التفاهم الروسي- الأميركي الأخير لضرب جبهة النصرة يبدو أنه مدعوم من عواصم دولية بقيت حتى الأمس القريب تعارض استهداف النصرة وما يسمى (جيش الفتح)، وتريد حصر الحرب على الإرهاب بضرب (داعش) فقط، ولا سيما العاصمة الفرنسية التي اكتوت أكثر من مرة بضربات الإرهابيين، إلا أن رئيسها كان يكابر ويتجاهل ذلك انطلاقاً من حقده الدفين على سورية وتنسيقه غير المحدود مع السعودية وقطر المعروفتين بعدائهما للدولة السورية، أما سلاح الإفتاء (وهو في الحقيقة سلاح الفتنة) فهو جاهز كعادته لتبرير الشيء ونقيضه في آن واحد، أي لتبرير فك هذا الارتباط لجبهة النصرة بتنظيم القاعدة الإرهابي (القاعدة الأم) للنصرة، ففي السابق استخدم هذا السلاح للدفاع عن موقف (الجولاني) الرافض لفك ارتباطه بالقاعدة، حيث خرجت عشرات التصريحات والتغريدات التي تسوق وتبرر موقف (أمير الجهاد الشامي، الإرهابي الجولاني) واليوم، ستخرج أيضاً عشرات المواقف والتغريدات، ومن الأشخاص أنفسهم، لتبرر وتشرعن موقف الجولاني من مسألة فك ارتباطه بالقاعدة وتبديل اسم جبهته الإرهابية، وعلى سبيل المثال، سيذهب بعض أصحاب هذه الفتاوى من (الأفاكين) إلى الادعاء بأن هناك فرقاً جوهرياً بين (فك الارتباط) و(فك البيعة)، والبعض الآخر سيلجأ إلى فقه (الضرورات) (والمقاصد) و(ما ينفع الناس).. بمعنى أنه لا مشكلة شرعية أمام الجولاني إن نفذ ما يطلب منه من أسياده في تركيا وقطر والسعودية، أي أن يغير اسم جبهته الإرهابية تماشياً مع الظروف.
والسؤال هنا، هل ستنجح النصرة في تكتيكها المدعوم عربياً وإقليمياً في تفادي السيناريو الذي ينتظرها في المرحلة المقبلة؟ والسؤال الآخر والأكثر أهمية، هل ستغير الإدارة الأميركية رأيها وتعيد النظر في تقييمها للنصرة والقبول بفصل مواقعها عن مواقع ما يسمى بالمعارضة المعتدلة، وهل ستقنعها الدول الداعية للنصرة بعدم التفريط بها تحت ستار فك الارتباط المزعوم؟
باختصار، من المبكر الإجابة عن هذه الأسئلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن