قضايا وآراء

شروط التفاوض القادم

| مازن بلال 

تبدو معارك حلب مواجهة لشروط التفاوض القادم، فهي ليست معارك مرتبطة بالمجموعات الإرهابية التي تحاول كسر الطوق عن المسلحين في الأحياء الشرقية، بل هي أيضاً صراع على نوعية التحالفات القادمة والعلاقات داخل منظومة الشرق الأوسط، فهناك تجاوز كامل للتوازن الذي ظهر منذ الإعلان عن تأسيس «جيش الفتح»، والتصادم الذي يجري في محيط حلب سيقرر في النهاية إمكانية رسم جبهة إقليمية؛ عبر عنها «جيش الفتح» في مراحل سابقة، ويحاول من خلال معاركه المتتالية «إثبات جدارته» في التأثير على موازين القوى القائمة.
إن المشكلة الأساسية بالنسبة للفصائل التي تهاجم حلب هي في طبيعة المشروع الإقليمي العام، وبغض النظر فيما إذا كانت تدرك هذا الأمر أم إنها تقاتل وفق العبثية التي يرسمها لها القاضي الشرعي لجيش الفتح، عبد اللـه المحيسني، فإنها تقف ضمن مساحة بعض الإرادات الإقليمية التي تسعى لأمرين:
– الأول تغيير طبيعة العلاقات الإقليمية على طول الجغرافية الفاصلة بين تركيا وإيران، وهي المنطقة التي يشغلها الإرهاب حالياً، فبالنسبة للولايات المتحدة والسعودية فإن طبيعة الدولة في تلك المنطقة يمكن أن تتحول إلى شكل من «النفوذ الدولي»، وعبر ترتيبات لا تشبه النموذج اللبناني أو العراقي فقط، بل تكون أيضاً «جغرافية امتصاص» للأزمات في المنطقة وربما العالم.
التصور الدولي لعمليات التفاوض القائمة في جنيف يرسم توزيعاً للقوة داخل كل دولة، وهو توزع مفتوح الاحتمالات يسمح بإبقاء مناطق للتطرف يمكن من خلالها الضغط على كل المنطقة، وهذا الأمر سيمنح «الدول الأصغر» إمكانية تشكيل التوازن الإقليمي على حساب الكتل التاريخية مثل إيران ومصر أو تركيا.
– الثاني رسم خريطة طريق نهائية ستشمل أيضاً «الكيان الإسرائيلي» الذي سيدخل في خلفية التفاوض؛ الأمر الذي استدعى تطوير العلاقة بين الرياض وتل أبيب، وتصحيحها أيضاً بين تركيا والكيان الإسرائيلي.
عملياً فإن هذا المشروع لا يحاول سد الفراغ الذي سيخلفه انهيار داعش والنصرة، إنما سيحاول رسم المنطقة على المجموعات المسلحة الأصغر التي ستتحكم بالمعادلة لأنها تستند أساساً إلى مجموعة من القوى الإقليمية الأصغر والتي شكلت في الماضي حزاماً أساسياً داخل النظام الإقليمي والعربي، فالسعودية ودول الخليج كونت عملياً نقاط الضغط الأساسية على مجمل النظام العربي.
في معارك حلب تحولات حادة لشروط التفاوض القادم، لأن النموذج الدولي يرتج بقوة، ويصبح مقياساً لقدرة الولايات المتحدة حصراً على فرض آليات فض النزاع اعتماداً على تشتيت قوة الدول، والاستناد إلى الحالات الأضعف كي تضمن التوازن الإقليمي، فالدولة الإقليمية لم تعد صالحة وفق النموذج الأميركي، وهناك حاجة إلى توازنات أخرى تستند أساساً إلى «شبه دولة» و«شبه سيادة»، لكن هذه «الأشباه قادرة على إبقاء النظام الدولي قائماً من دون تغيير، وفي المقابل منع التحول الذي تريده روسيا داخل العالم.
معركة حلب لا تقرر مصير النظام الدولي لكنها أنموذج لتغيير شروط التفاوض، وربما لكسر «طوق ثقافي – سياسي» أكثر من أن يكون عسكرياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن