قضايا وآراء

موسكو وأنقرة.. التوازن الهش

| مازن بلال 

من الصعب رسم شكل نهائي للعلاقة بين روسيا وتركيا، فرغم الغموض الذي يلف مباحثات البلدين، وعملية «البناء الصعب» التي تحدث عنها الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، لكن التوازن الذي يسعى الطرفان لتحقيقه يتسم بـ«هشاشة» ناجمة عن طبيعة التحولات التركية من جهة، وطبيعة الصراع على النظام الدولي القادم من جانب آخر، فالطرفان الروسي والتركي يدركان تماماً أن هضبة الأناضول كجغرافية تفرض إيقاعها على أي علاقة بينهما، وأن الأزمة السورية ربما من الصعب أن تصبح البوابة الوحيدة لرسم أفق جديد لتعاونهما، فهي أزمة تقوم بعملية فصل إستراتيجي بين المحاور في الشرق الأوسط، ونوعية التدخل الخارجي فيها محكومة بالحفاظ على الحد الأدنى من التوازن الذي يحصر التصعيد ويمنعه من الانتشار على المستوى العالمي.
عملياً فإن لقاء بوتين أردوغان يشكل الحلقة التي تريدها موسكو للحد من «السطوة» التركية داخل الأزمة السورية، في حين يختلف التصور التركي ويتشعب محاولا رسم علاقات تركية مختلفة مع المنطقة والعالم؛ لا تتناسب مع إرث العدالة والتنمية ولا مع طموح رجب طيب أردوغان السياسي، فما حدث خلال الأسابيع الماضية «زلزال» إقليمي على مستوى نوعية العلاقات في المنطقة، لكنه ليس بالضرورة تبدل حاد للموقف التركي الذي يقرأ السنوات الخمس الماضية بمقياس مختلف عما تقرؤه موسكو، فداخل الموقف التركي ثلاثة مؤشرات أساسية:
– الأولى هي الحفاظ على عامل القوة داخلها، وهو يتشتت نتيجة تطورات الأزمة السورية، فالدور الكردي اليوم مهما كانت نتائجه يمكن اعتباره مقدمة لانحسار السيناريوهات الأميركية المعتمدة على أنقرة، ويتصرف رجب طيب أردوغان وفق هذا الأمر حيث يعطي العامل الدولي لتركيا دوره الكامل، واستعادة علاقته مع موسكو هو في النهاية تثبيت لشرعية الدور الإقليمي التركي أكثر من كونه تغيراً على مستوى علاقته مع الغرب.
– الثاني استيعاب نتائج الأزمة السورية، فحتى لو كانت معركة حلب تقوم على خطوط الإمداد التركي، لكن أنقرة امتنعت على الأقل من ممارسة ضغط دبلوماسي، فهناك انزياح في الموقف التركي نحو التعامل مع توازن مختلف، في حين تبقى مسألة دعم ما يسمى «جيش الفتح» عملية يمكن أن تسير باتجاهات مختلفة أو حتى ضمن مسار يتراجع لمصلحة التحرك السياسي.
– الثالث يتعلق أيضاً بالأزمة السورية، فالتأثير للحرب في سورية يرتبط بما أحدثته على مستوى العلاقات الداخلية التركية، وعلى الأخص في موضوع العلاقة بين المؤسستين العسكرية والأمنية مع الرئاسة وباقي الجهاز السياسي، فلا يمكن النظر إلى الانقلاب الفاشل على أنه صراع داخلي بين غولن وأردوغان، بل هو أيضاً ازدياد في الخلل بالعلاقة بين المؤسسات نتيجة الحرب في سورية، والمهام الأمنية التي تقوم بها بعض الأجهزة التركية.
«التوازن الهش» القائم اليوم على مستوى العلاقة بين أنقرة وموسكو سيبقى ضمن إطار صلب، رغم إصرار الكرملين على تشكيل تحالفات غير نمطية، ولكن في المقابل فإن نجاح المحاولات الروسية سيبقى مرتبطا بصراع أكبر، وبالإستراتيجية الأميركية للحد من رؤية الكرملين لمنطقة «أوراسية» واسعة، فالأزمة السورية وسط هذا الأمر هي عامل حساس يحتاج لمتغيرات إضافية من أجل إحداث تغير كبير ينهي الصراع الإقليمي، ويساعد في حسم المعركة على الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن