قضايا وآراء

سورية والأسئلة الصعبة

| مازن بلال 

يمكن لأنقرة أن تصبح محور رهانات دولية وإقليمية، فهي قادرة على كسر العديد من التوازنات السياسية القائمة، وهي في المقابل تعاني من صراع واضح على موقعها الجيوستراتيجي، وعلى الرغم من أنه من المستبعد حدوث تحولات حادة في الإستراتيجية التركية تجاه حلف شمال الأطلسي، وتجاه موقفها من سورية، لكن الاهتمام الروسي- الإيراني باتجاهات سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان؛ تتجه نحو تحالفات محددة ولها طابع وظيفي أكثر من كونها قلباً للمعادلة التركية، فالعناد التركي لا ترسمه سياسة حزب العدالة والتنمية بل أيضاً شكل تاريخي طويل، وجغرافية تركية يبدو من الصعب وضعها ضمن مسار خاص لتحالفات الشرق الأوسط.
عملياً فإن ما حدث خلال الأسبوع الماضي لم يكن فقط مرتبطاً بالعلاقات بين أنقرة وموسكو، فهناك أيضاً زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ومحاولة إيجاد دائرة إقليمية حول داعش؛ ربما تتطور لتضم سورية والعراق، فالدبلوماسية في المنطقة تتحرك سريعا لكسر النمطية القديمة التي سادت منذ اندلاع الأزمة السورية، لكن هذه المحاولة مازالت مقيدة بشرطين:
– الأول: يرتبط بتبدل دولي عميق، فالمسألة بالنسبة لتركيا وتحالفاتها لها علاقة بالنظام الدولي، فعلاقة أنقرة مع الناتو تحدد الكثير من العوامل تجاه التقارب مع موسكو، وإذا كان من الصعب تخيل خروج تركيا من حلف الأطلسي، فإن هذا الأمر يصبح مفهوماً في حالة واحدة فقط هو تبلور إستراتيجية غربية جديدة؛ أي تحول في النظام الدولي.
حتى اللحظة ليس هناك خسارة أطلسية في تركيا؛ إنما خلافات حادة يتم تركيزها ضمن سياسة الرئيس التركي وطموحاته الداخلية، فالانتقادات المستمرة لا تطال الموقع الذي تحتله تركيا ضمن الناتو، فالرهانات الأوروبية والأميركية تتركز على رسوخ تركيا في عمق النظام الأطلسي، والمحاولة الروسية بالنسبة للعواصم العالمية هي خفض توتر روسي – تركي ضمن مجال إقليمي خاص بهما، على حين لا تظهر مواقف من أنقرة توحي بانقلاب على موقعها الجيوستراتيجي داخل الناتو.
– الثاني: يتعلق بالأزمة السورية، فعلى الرغم من أن الحرب القائمة اليوم مرتبطة بالشرط السابق، وبنوعية تفكير واشنطن بالنظام الدولي عموماً، إلا أن السيناريو التركي لشرقي المتوسط لم يكن منسجما فقط مع توجهات واشنطن، بل تكون أيضاً وفق هوية العدالة والتنمية التي رسمت التحالفات على خريطة «الإسلام السياسي»؛ بتصوراته التركية أو ما اصطلح على تسميته بـ«العثمانية الجديدة».
بالتأكيد لن تستطيع موسكو تحويل الهوية الخاصة بالعدالة والتنمية، وهذا الأمر بدا واضحاً من خلال نتائج اللقاءات للقمة الروسية- التركية، وظهر لاحقاً عبر مباحثات وزير الخارجية الإيراني، فهناك تفكير إقليمي لدى الجانب الروسي والإيراني يحاول تفهم القلق التركي الحالي، وتهدئة الهواجس عند أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشل، ورسم تحالفات «الأمر الواقع» التي تحاول التوقف عن التصعيد والإقرار بتفاهمات مبدئية.
بالتأكيد فإن تكريس علاقات مختلفة إقليمياً وعلى الأخص مع تركيا أمر جوهري لتهيئة بيئة سياسية؛ يمكن عبرها الدخول في حل سياسي للحرب في سورية، والأهم لمحاربة داعش الذي يشكل محوراً في التجاذبات السياسية، فما حدث هو أن العلاقات الإقليمية اتجهت شمالاً، وابتعدت إلى حد ما عن التأثيرات الخليجية، وأخذت بعداً آخر له علاقة بحيوية الأمن الإقليمي «شمالاً»، فالمواقف ربما لم تتغير لكن أهداف هذه المواقف بدأت بالتحول ولو بشكل تدريجي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن