قضايا وآراء

مقاربة لفهم القمة الروسية- التركية

| صياح عزام 

أثارت قمة «سانت بطرسبورغ» ولا تزال جدلاً حول ما إذا كان البلدان روسيا وتركيا سينجحان في الفصل بين حاجتهما لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة من جهة، وإدارة خلافاتهما السياسية وخاصة حول سورية من جهة ثانية.
تجربة السنوات الأربع الأولى من عمر الحرب على سورية، أظهرت أن مثل هذا النجاح يبدو أمراً ممكناً، وتجربة الفصل هذه لا تقتصر على هذين البلدين، فإيران وتركيا برهنتا كذلك على أن الفصل بين العلاقات الثنائية بملفاتها الاقتصادية والتجارية والسياحية والمالية عن الخلافات السياسية، يبدو أمراً ممكناً، بل مطلوباً في السياسة.
بطبيعة الحال يعلّق /أردوغان/ آمالاً كبيرة على عودة الحرارة إلى خط أنقرة موسكو، ولا سيما بعد توتر علاقة بلاده مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلفية محاولة الانقلاب على نظام حكمه مؤخراً.
كذلك يدرك الرئيس بوتين حاجة أردوغان له سياسياً واقتصادياً وأمنياً ولا سيما فيما يتعلق بتنفيذ مشروع «السيل التركي» القاضي بمد أنابيب لنقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى حدود اليونان، وإنشاء مجمع للغاز هناك لتوريده لاحقاً إلى أوروبا.. وفي وقت لاحق، أغرى الدبلوماسيون الروس تركيا بالقول: «إننا وإيران وتركيا يمكن أن نشكل حوضاً اقتصادياً واستراتيجياً لا يُكسر».
السؤال، هل سيكون «أردوغان» متجاوباً مع بوتين فيما يخص الملف السوري، بعيداً عن تصريحاته العنترية السابقة؟
الإجابة عن مثل هذا السؤال تكمن في كيفية استجابة أردوغان في الأيام المقبلة لسحب ضباطه واستخباراته التي تدير معركة الإرهابيين في حلب، جنباً إلى جنب مع ضباط أميركيين وسعوديين وقطرين وفرنسيين، وبأن يغلق حدوده في وجه الإرهابيين الذين تدفقوا وما يزالون إلى سورية بأعداد هائلة وصلت إلى 360 ألفاً، وفق ما ذكره مركز «فيريل» الألماني منذ عام 2011 وحتى الآن.
في المؤتمر المشترك مع أردوغان أشار الرئيس بوتين إلى أن «لموسكو وأنقرة هدفاً مشتركاً هو تسوية الأزمة في سورية»، بعد أن نوّه بأن مقاربات بلاده لم تتطابق دائماً مع المقاربات التركية في السابق في هذا السياق.
في الواقع، يدرك الرئيس بوتين أنه لولا أردوغان لما أخذت الحرب على سورية هذا المنحى الكارثي، وأنه كان يحلم باقتطاع المنطقة الممتدة من حلب إلى اللاذقية وضمها إلى بلاده إلا أن هذا الحلم أصبح من الماضي.
لقد عاد أردوغان إلى موسكو كما يعود (الابن الضال) إلى حضن أبيه وأمه بعد أن تعرض لأكبر صدمة في حياته السياسية، إلا أنها صدمة ربما تساعده على النزول عن شجرة «السلطنة» و«الخلافة» التي صعد إليها، وبمعنى أكثر وضوحاً عاد مُرغماً بعد تخبط في سياسته الداخلية والخارجية ومناورات خاسرة وبهلوانية قام بها في الداخل والخارج ولاسيما فيما يتعلق بالخطاب الإيديولوجي- المذهبي الذي ركّز عليه في السنوات السابقة، وبالتالي، فليست عودته إلى موسكو- كما يُفسّرها البعض- بأنها تكشف عن قيادة «براغماتية من الطراز الرفيع» وكما يُشيع مؤيّدوه ومريدوه من بعض الحكام العرب وأبواقهم الإعلامية المأجورة.
من خلال ما تقدم يمكن أن نخلص إلى بعض الاستنتاجات منها:
– إن لتركيا مصلحة في الاستدارة الأخيرة باتجاه موسكو، وفي إجراء مراجعة وتعديل على سياستها الخارجية، وبالأخص في الملف السوري والعراقي حسب تصريحات رئيس الوزراء التركي مؤخراً، ولا سيما بعد تفاقم التهديد الكردي، وإمكانية تحوّل داعش من أداة بيد تركيا إلى تهديد آخر لأمنها واستقرارها.
– إن موسكو قادرة على تطوير علاقات وتفاهمات مع تركيا برغم الخلاف حول الأزمة السورية، مثلما أدارت علاقاتها وتفاهماتها مع الولايات المتحدة رغم خلافات الدولتين تجاه الأحداث في سورية.
– إن التدخل الروسي المباشر في سورية منذ أيلول الماضي قد أدخل عنصراً جديداً في حسابات العلاقات التركية الروسية حيث باتت سورية تحتل مكانة متقدمة على جدول أعمال السياسة الخارجية والدفاعية الروسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن