قضايا وآراء

الصين تواصل الانتقال إلى الدبلوماسية الخشنة

| سامر ضاحي 

يبدو أن الصين، القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد واشنطن، لم تعد من «الدول القانعة» بقوتها الاقتصادية فقط وبدأت تحاول الانتقال إلى الخطوات العملية من إستراتيجيتها التي أعلنتها بداية العام الجاري كي تفرض نفسها سياسياً وعسكرياً على المعادلات الإقليمية بعدما ضمنت زعامة منطقة شرق آسيا وبدأت التمهيد نحو الانتقال إلى المشاركة الفاعلة في أزمات الشرق الأوسط تمهيداً للزحف نحو القارة العجوز (أوروبا) لوراثة دورها.
ومع الأنباء الواردة من بكين عن نيتها افتتاح قاعدة بحرية في جيبوتي تعتبر هي الأولى من نوعها حجماً ونفوذاً خارج حدود أراضي التنين الصيني، لتنتقل بذلك إلى مصاف الدول المسيطرة على ممرات مهمة في العالم.
ولعل اختيار الصين لجيبوتي ليس من فراغ بل خيار إستراتيجي إذ إن الأخيرة تشرف على مضيق باب المندب من الجهة الغربية فمن جهة تصبح بكين على تماس مع أهم ممر للقوافل التجارية والعسكرية البحرية من أوروبا والشرق الأوسط إلى المحيطين الهندي والهادي وكذلك المشاركة الفعالة في مكافحة القرصنة الدولية البحرية المنتشرة هناك.
إضافة إلى ذلك فالقرب من اليمن يتيح للتنين الصيني الولوج إلى الأزمة اليمينية بشكل مباشر بعدما دخل الأسبوع الماضي جدياً في الأزمة السورية عندما زار مدير مكتب التعاون العسكري الدولي باللجنة المركزية العسكرية الصينية قوان يو في 14 الشهر الماضي دمشق واتفق مع وزير الدفاع فهد جاسم الفريج على برامج لتدريب الجيش السوري.
إذاً الصين لم تعد تكتفي بالعمل السياسي وباتت بحاجة إلى «الدبلوماسية الخشنة» لتأكيد دورها، بعدما راقبت عن كثب تصاعد الدور الروسي في العالم انتقالاً من النهضة التي حققها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا سيما وقوفه الحازم إلى جانب الحكومة السورية في مواجهة الإرهاب.
ومع أن الحديث ما زال مبكراً جداً عن قوة عالمية يمكنها مواجهة القطب الأميركي، إلا أن الدور الصيني المتصاعد يمكن له تحقيق التوازن بعد الخلل المتوقع حدوثه نتيجة الانتكاسات التي يتعرض لها الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعدما أسفر الاستفتاء البريطاني عن نية الإنكليز الانسحاب من اتحاد بروكسل، كما أن القاعدة البحرية الصينية المقبلة لا تبعد سوى كيلو مترات قليلة عن القاعدة الأميركية بجيبوتي التي تعتبر أكبر قاعدة لواشنطن في إفريقيا.
وبانتظار الخطوات المقبلة للصين التي يمكن التنبؤ بها، وخاصة إذا ما تمعنا في خريطة الأزمات في العالم لنجد أن الصين أيضاً يمكن لها أن تلج اقتصادياً للاتحاد الأوروبي نفسه عبر إنقاذ اقتصاديات بلدانه المتهاوية، وربطها باتفاقيات ولا بد أن تكون لمصلحة الصين.
ولا يمكن إغفال أن التوجه الصيني الجديد لن ينأى بنفسه بعد اليوم عن دخول أي أزمة وبقوة ولا سيما أن شعار «مكافحة الإرهاب» بات شعاراً فعالاً للتدخلات العسكرية في أزمات الشرق الأوسط ويمكن أن نرجح هنا أيضاً خطوة صينية نحو ليبيا على غرار الخطوة نحو دمشق، حيث لا تزال البلاد هناك بكراً وقابلة لاستيعاب قوى دولية متزايدة لا يمكن للفرنسيين والإيطاليين والأميركيين وحدهم أن يملؤوا فراغها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن