ثقافة وفن

أبو صياح.. قبضاي أصيل وعتيد ساخر من بيئته … رفيق سبيعي لـ «الوطن»: الشام تبقى الشام مهما حاولوا أن يشوّهوها فعراقتها لن تسمح

| سوسن صيداوي- «تصوير: طارق السعدوني»

«لا تزعلي يا شام من قسوة الأيام مازال فيكِ عيون ع الضيم ما بتنام… يا نعمة من الله.. اللـه معك اللـه».
كلمات أغنية من أغاني أبو صياح، الفنان المعني بهموم الناس وقضاياهم، في الوقت الحالي وبين أوقاته المملوءة بالملل والفراغ، يعربش الحزن فارضاً الألم في ثنايا قلب فنان الشعب أبو صياح على حال أصبحنا فيها، خاطب الشام محبوبته بأن تتجنب الحزن والزعل، لأنه بإيمانه الكبير فيها وبعراقتها وبحضارتها، هي بالضرورة من نعم الله.. وهي بالتأكيد ستتجاوز كل المحن، هذا ما قاله في كلمته الأخيرة من الجزء الثاني.
مسيرة حافلة تدعّمت بالصبر والعطاء والالتزام مع الإصرار، والأهم من هذا كلّه حب حالة فنية، رفيق سبيعي أحد أعمدة تأسيس الحركة الفنية في سورية، تمتع بحضور قوي بكل المجالات التي عمل بها سواء غناء المونولوج، المسرح، السينما، التلفزيون، الدراما، والإذاعة، قدم خلال مسيرته الفنية التعدد الغني والتنوع البارز، والأهم من هذا كلّه صدق القضية المعنية وفي الوقت ذاته المنطلقة من الناس.
«الوطن» حاورت فنان الشعب رفيق سبيعي وإليكم الجزء الثاني:

في عام 1960 تم تأسيس التلفزيون السوري، كيف التقيت الدكتور صباح قباني؟
عندما نقول صباح قباني فهذا يعني أننا نقول التلفزيون السوري، ولا بد لي أن أذكر أن صباح قباني كان ابن حارتي، وهو رجل من الصعب جداً أن يتكرر، فبمساعيه واحتوائه لنا وبرؤيته الثاقبة استطاع أن يؤسس التلفزيون السوري، أما بالنسبة كيف التقيته؟… كنت شاركت بمسابقة في سورية كمخرج وممثل ولأنني نجحت بها تأهلت إلى بعثة أو دورة تعليمية عن الإخراج الإذاعي في مصر، وفي أثنائها كان التلفزيون السوري في طور التأسيس، وفي مصر التقيت الدكتور صباح قباني وسألني ماذا أفعل في مصر؟ فأخبرته بتأهلي لهذه البعثة، وهو بالتالي أخبرني عن التحضيرات لتأسيس التلفزيون السوري، فقال لي « بمجرد عودتي إلى الشام تعال فوراً إلى مكتبي»، وبالفعل عندما انتهيت من الدراسة، وكانت المدة ستة أشهر، في القاهرة انتقلت إلى الشام، وذهبت مباشرة إلى صباح قباني، وجمعني بالفنانين نهاد قلعي ودريد لحام ومحمود جبر وقال إننا سنعمل معاً، وهذا ما حصل فعملنا مع بعضنا ضمن إمكانيات محدودة وبسيطة.

أول عمل مع نهاد قلعي ودريد لحام كان تمثيلية مطعم السعادة؟
أجل… وبعدها عملنا في كثير من التمثيليات والمسلسلات التي كانت طبعاً بالأبيض والأسود وعبارة عن سلسلة حلقات، ولكن ما أريد أن أذكره أننا في ذلك الوقت زمن تأسيس التلفزيون، كنّا نمثل الحلقة ونحن على الهواء مباشرة، فلم نكن نسجلها ومن ثم يتم بثها ولكن بعدها أصبح التسجيل هو الأسلوب المتبع.

كم كان هذا صعباً وكم كنتم خلاقين؟
بالفعل كان الأمر صعباً جداً لأنه كان علينا أن نكون متيقظين وحذرين وأعصابنا مشدودة إلى درجة كبيرة، فالخطأ ممنوع، لأنه يظهر مباشرة على الشاشة ومن ثم للجمهور ولا يمكن تصحيحه أبداً، ولكن حبنا وإخلاصنا لما نقوم به من أعمال، كان دافعنا هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرصة تأسيس التلفزيون السوري هي بحد ذاتها كانت أمراً يمنحنا الدافع بأهمية أنه أصبح في سورية تلفزيون وهو منبر من خلاله سنبرز هواياتنا ونثبت أنفسنا وبأننا على قدر كبير من المسؤولية وفي الوقت نفسه على قدر من الكفاءة.

في ذلك الوقت هل جمعك مع الفنانين أي مواقف طريفة؟
لا… لا أذكر أي مواقف طريفة حصلت، ربما لأننا كنا منهمكين ومنشغلين بأعمالنا، وبجدية العطاء مع عدم التساهل.

في الدراما قدمت العديد من المسلسلات ما رأيك بالدراما السورية في الوقت الحالي؟
أنا أرى أن الدراما السورية تتقدم وتستوعب الشبان والشابات، كما أنها توظف قدراتهم، وفي الحقيقة أنا أشعر في الوقت الحالي، بالاطمئنان على الفن، كما أرى أن ما كنا نعاني منه من عقبات، اليوم قد زال، فمثلاً الأهل كانوا عقبة بأن يكون ابنهم أو ابنتهم فنانين سواء ممثلون أو مغنون أو استعراضيون وحتى كانوا يمنعونهم، على حين اليوم الأهل هم من يدفعون أولادهم لأمر كهذا.

ويمكننا القول إنك من هؤلاء الأهل المشجعين؟
طبعا… وبصدق تأسيس المعهد العالي للموسيقا والفنون المسرحية عنى لي الكثير، فنحن لم يكن في زمننا أي معاهد لتعليمنا التمثيل، ونحن تعلمنا من خلال الفرق الاستعراضية والنوادي وغيرها، ولكن تأسيس المعهد كان وما زال أمراً مهماً، لأنه دائماً سيضم نخبة من الشباب السوري الموهوب، واليوم مثلا أصبح الأب هو من يدفع ابنته كي تكون ممثلة وهذا أمر لم يكن في السابق، ولكنه اليوم أمر حاضر بقوة ما سينعكس إيجابا على الفن ويرفع من مستواه، إذاً وجود المعهد جعل الناس تحترم الفن، وأيضاً تبني وزارة الثقافة والدولة للفن رفع من مستواه وجعل له مكانة في نظر الناس.

أنت متنوع المواهب، منولوج، سينما، مسرح، إخراج إذاعي.. هذا التنوع ألا يؤدي إلى تشتت عند الفنان؟
رغم تعددية ما يقدمه الفنان ورغم ما يمكن أن يعرّضه هذا إلى ضغوط إلا أنه إذا كان للفنان قدرة عالية في التركيز على كل ما يقدمه سواء أكان في السينما أو المسرح أو الإذاعة أو التلفزيون، وعندما يتوجه بأعماقه كلّه إلى أعماله التي يقوم بها فهذا أمر لن يؤثر حسب اعتقادي وانطلاقاً من تجربتي وخبرتي، لأنني كنت أهب نفسي في فترة محددة لعدة أعمال وأشارك وأؤدي الشخصية الموكلة إليّ بكل التزام وصدق، فهذا الأمر هو الذي يمكن الفنان من الاستمرار من دون أن يواجه أي من العقبات.

على أي أساس كنت تختار وتفاضل بين الأعمال المعروضة عليك سواء من مونولوج أو سينما أو دراما أو إذاعة؟
دائماً وقتي هو الذي يحكمني فمثلا عندما كنت أريد أن أقدم عملاً مسرحياً، وفي الوقت نفسه كان لدي التزام في إذاعة دمشق، كنت أرتب وقتي وأنظمه بطريقة أنهي فيها العمل الإذاعي خلال ساعات النهار وقبل الساعة التاسعة مساء، لأني في التاسعة مساء أكون في المسرح، وكانت العملية بسيطة بحيث لا يتداخل أمر على أمر أخر أو أن يكون شيء على حساب شيء آخر.

صار في البيئة الشامية، بالتحديد، تشويه لصورة الأبضايات، في حين أنت أعطيت هذه الشخصية الكثير من حب الأصالة وحب الوطن وحب الأم والأخت والأرض والانتماء، ولكن مؤخراً صار يقدم الأبضاي في بعض المسلسلات بأسلوب مبالغ فيه وأصبح الأبضاي هو صاحب المشاكل؟
وللأسف الشديد صاروا يقومون بتشويه شخصية البيئة أو الشخصية الشامية، وأنا في الوقت الذي مثلت فيه الشخصية الشامية جعلتها تحمل المُثل، ولكن هم استعملوا الشخصية بقصد السخرية والاستهزاء بدافع إضحاك الناس بأمور من المعيب الاستهانة بها، وأنا أحزن كثيراً عندما أرى أن الشخصية الشامية أصبحت مشوهة وليست كما أردت أنا أن تكون أو المفروض أن تكون.

هل يمكننا القول إن هذا الأمر عائد إلى شركات الإنتاج؟
شركات الإنتاج لها يد بالموضوع ولكن نحن الفنانين علينا أن نحافظ على أصالة الشخصية التي تجسد واقع وتاريخ بلد مهما كان، وعلينا أن نرفض أموراً كهذه تسيء لواقعنا وحياتنا بغرض ربح مادي أو أهداف أخرى، ولكن خلق شخصية والمحافظة عليها محبوبة من الناس هو أمر جداً صعب وليس وليد لحظة وما يقومون به نعم يسيء لكنه في النهاية لن يستمر لأن أساسه خاطئ والذي يبنى على باطل لا يمكن أن يستمر.

وهذا ما دفعك إلى رفض العديد من مسلسلات البيئة الشامية رغم المبالغ الطائلة التي كانوا يحاولون إرضاءك بها؟
صحيح… لأنني كما قلت قررت أن أقدم الصورة الكاملة والجيدة، ولكنهم للأسف هم يعملون على تشويه الصورة.

ماذا تقول لسيف ابنك؟
ابني سيف بالذات… كان دخل جامعة دمشق في قسم التجارة والاقتصاد، وكان درس سنتين إلا أنه جاء إلي وقال لي « أبي أريد أن أكون فناناً، ثم ماذا سأفعل بشهادتي لا أريد أن أعلقها على الحائط، أنا أريد أن أفعل شيئاً تتذكرني الناس من خلاله»، وبالفعل أخلص سيف إلى عمله كما لاحظت أثناء مسيرته، والحمد لله استطاع أن يُوجد لنفسه مكاناً على الساحة الفنية.

ولكن إلى أي مدى ساهم اسم والده رفيق سبيعي في مساعدته فنياً؟
حب سيف لفنه هو الشيء الوحيد الذي دفعه للعطاء والإخلاص من دون أن يعتمد على اسمي، وبالنسبة له هو يريد أن يبني شخصية خاصة به بعيدة عن الشخصية التي كونتها أنا والده في مشواري الفني، والحمد لله استطاع أن يبني لنفسه ذلك وخاصة كمخرج تلفزيوني.

بعيداً عن الفن كنت حازما في التربية، والغلط عندك ممنوع ولكن في الوقت نفسه كنت أباً حنوناً وطيباً؟
هذا أمر مفروغ منه، وهو أمر يجب أن يكون عند كل أب….

… وباعتبار ظرفك كفنان كنت تخشى على أطفالك أكثر؟
نعم هذا أمر طبيعي لأنني حاولت قدر الإمكان أن أوفق بين فني وتربيتي الاجتماعية، وصحيح أن أبي كان يعنفني عندما كنت صغيراً، هذا لأنني كنت أذهب وأسهر، فهذا الأمر كان من باب خوفه وحرصه عليّ، لأنني كنت بعمر عشر سنوات، وأذهب دائماً لأبحث عن المناسبات والحفلات والأعراس كي أغني فيها، وهذا أمر لا يتناسب مع عائلة اجتماعية محافظة من جهة، ومن خوفه علي من الانحراف أو أي أمر سيئ في ذلك الوقت هذا من جهة أخرى، في زمن كان يُعتبر فيه الفن أمراً مشيناً ومعيباً، لهذا سعى كل جهده كي يبعدني.

هل تعتبر اليوم الموجودين بالساحة الفنية أمناء على الفن والحركة الفنية؟
إن شاء الله… هذا ما أتمناه كما أتمنى على أي إنسان قد وهب نفسه للفن، أن يخدم الفن بشكل مخلص لفنه وبالتالي سينجح.

أنت من المؤسسين.. ماذا تقول للناهضين؟
أقول لهم أن ينتبهوا ويقوموا بالاهتمام بالفن بجد كبير، لأن الفن ليس وسيلة لكسب المال أو هو أمر يُستهان به، فالفن أمر معقد رغم جماليته، وبالنهاية سيشوه سمعة الفنان نفسه إذا كانت خياراته خاطئة، فمثلا شخصية أبو صياح اشتهرت لأن عطاءها متميز وغير محدود والتميّز هو الذي مكّنها من النجاح، في حين ما يقدم اليوم فيه استسهال للأمور وفيه تشويه للأصالة وبالتالي سيؤدي إلى تشويه فكر الناس بطريقة سيئة.

وقفت أمام كاميرات مخرجين كبار.. هل اختلف الحال بالتعامل مع مخرجين شبان؟
نحن من جيل الملتزمين ولم نكن نفكر يوماً كم سيكون المردود المادي، وكان جل ما نفكر به هو كم سيكون العمل الذي نقوم به جميلاً ومحبوباً من الجمهور وكم سيكون له من الأصداء، إضافة إلى أي مدى يحمل قيماً راقية، ولكن للأسف الشديد الأموال قامت بإغراء البعض وصاروا يقدمون أشياء همهم فيها هو الحصول على أرباح أكبر وأنا لا أريد أن أشوه سمعة أي أحد ولكن للأسف الشديد ما أراه هو تشويه لأصالة واقعنا من خلال بث أفكار وحالات هي ليست بواقع معيشي بل هي نماذج، وهذا أمر لا يجوز.

منذ متى لم تزر الشام القديمة؟
لم أزرها منذ وقت طويل.

هل تغيرت الشام القديمة في ظل الأزمة الحالية.. أم الشام تبقى الشام؟
الشام تبقى الشام، ودمشق أو بالأحرى بلاد الشام، لها تاريخ عريق وهذا التاريخ لا يمكن لأحد أن يغيره أو أن يمحيه، لذلك تبقى الشام عريقة باعتبارها من أول البلدان التي فيها نشأت الحضارات والأبجدية، لذلك مهما حاولوا أن يشوهوا صورتها فهي لن تتشوه وعراقتها لا تسمح لها بذلك.

كيف تقضي وقتك؟
في الحقيقة أصابني الملل لأنني لا أخرج من المنزل بسبب وضعي الصحي ولأنني لم أتعافَ بالشكل الأمثل، ولكنني أحمد الله.. أنا بخير وأتمنى أن تعود لي قوتي وأعود إلى عملي بأقرب وقت ممكن.

هل تقرأ؟
أقرأ وأتابع التلفزيون كي يمضي الوقت ولا أشعر بالملل.

هل تقرأ الصحف؟
لا.. لا أقرا الصحف، لأنني لا أحب كلام الجرائد وأعتبر أن الوقت الذي سأمضيه بقراءتها، من الأفضل أن أمضيه في قراءة كتاب.

كلمة أخيرة…؟
أريد أن أقول للفنانين أن ينتبهوا وألا ينجرّوا وراء مغريات مادية مثلاً أو أشياء ليس لها قيمة فنية أو اجتماعية ونحن وجدنا في هذا المجتمع كي نشارك في تقويته ودفعه للأمام ونحن ننتظر من الفنانين أن يساهموا بدفع المجتمع إلى الأمام باعتبار الفن هو المتنفس لهمومهم ومشاكلهم الحياتية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن