ثقافة وفن

معرض الكتاب 2016 إقبال شعبي كثيف وتوق القارئ لمشهده الثقافي … دمشق تحتفي بعودة معرضها للكتاب في دورته الثامنة والعشرين وتطرّز الأبجدية في سماء سورية .. د. العطار: اليوم تعود الحياة ويعود ألق الماضي بشكل رائع وجديد… أذهلتني المعروضات وهذه تباشير البداية

| عامر فؤاد عامر -«تصوير: طارق السعدوني»

يتمكن الكتاب من المحافظة على أهميته، وموقعه في المشهد الثقافي السوري اليوم؛ فبعد غياب معرض الكتاب الدولي مدّة 5 سنواتٍ عن الساحة الثقافيّة السوريّة، بسبب أحداث الحرب والأزمة التي ألمّت بالوطن، تنهض الثقافة بممثلاتها في الوطن لتنفض غبار تعب وقلق تلك السنين، وتقحم القارئ السوري بالدّورة الثامنة والعشرين لمعرض الكتاب، فيقبل القرّاء ومقتنو الكتاب على هذه العودة في مشهدٍ يليق بمكتبة الأسد الوطنيّة، التي ضمت أكثر من 70 دار نشرٍ، ومجموعة من الفعاليّات سنسلّط الضوء عليها تباعاً ضمن هذا الطقس الجميل الذي اشتقنا لإعادة إحيائه في حياتنا الثقافيّة، التي يجب ألا تتجزأ عن حياتنا بالمجمل.

لوحة الافتتاح
افتتحت نائب رئيس الجمهوريّة د.«نجاح العطار» الدّورة الثامنة والعشرين لمعرض الكتاب الدّولي، وسط كرنفال حيّ، حمل نخبة من المهتمين بهذا الحدث، فكان الاحتفال بمرافقة الفرقة النحاسيّة وأطفال عزفوا ما يليق بهذا الحدث، كما حضر هذا الافتتاح د.«بثينة شعبان» المستشارة السياسيّة والإعلاميّة لرئاسة الجمهورية، ود.«خلف المفتاح» رئيس مكتب الثقافة والإعلام، ود.«فيروز الموسى» رئيسة مكتب التعليم العالي، و«منصور عزام» رئيس شؤون رئاسة الجمهورية، ووزراء الإعلام المهندس «رامز ترجمان»، والثقافة «محمد الأحمد»، والتعليم العالي د.«عاطف النداف»، والتربية «هزوان الوز»، وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين والسياسيين والدبلوماسيين وغيرهم. وقد طافت هذه الكوكبة على أجنحة المعرض من دور نشرٍ مشاركة فيه، فردت رفوفها لتعرض ألوان الكتب وأنواعها، بلغةٍ تحمل حالة من الإصرار والتحدّي لثقافة التدمير وسفك الدّماء وهدم الحضارة، وبإشارة إلى أننا في سورية رافضون لمثل هذه الثقافة الغازية الغريبة عمّا تربينا عليه وما اعتدناه. وقد ألقت د.«نجاح العطار» كلمةً للصحافة قالت فيها: «اليوم يُفتتح المعرض وتعود الحياة إلى مكتبة الأسد، يعود لها ألق الماضي، وربما أيضاً بشكلٍ رائعٍ وجديد. أذهلتني المعروضات من الكتب التي عُرضت في الأجنحة التي زرناها. المعرض حدث رائع يليق بسورية، وقيادتها، وشعبها، وهذه تباشير البداية، ونحن نشكر الدور التي شاركت فيه من سوريّة ولبنانيّة وإيرانيّة وروسيّة… ونتمنى النجاح الدائم والمزيد من الغنى كما كان في السابق».

جديد الدورة 28
احتوى المعرض هذه العام على لفتة جديدة من مكتبة الأسد الوطنيّة تمثّلت في جانبين أولهما: معرض الكتب النادرة والمخطوطات الأثريّة والتاريخيّة، والمعرض الآخر: جاء للمقتنيات التراثيّة، وهذه الخطوة كانت جديدة على أجواء معرض الكتاب الدّولي في دوراته السابقة، وكان الهدف من ذلك تعريف مرتادي المعرض بأن مكتبة الأسد الوطنيّة ليست فقط للكتب بل فيها جوانب أخرى لها علاقة بالمخطوطات الأثريّة والكتب القديمة والمقتنيات التراثيّة، فهي بذلك أشبه بمتحف فكري فيه الكثير من القيّمة والمعرفة ضمن وسائل كثيرة متاحة، إضافة إلى أن هذا المعرض قد حمل في برنامجه نشاطاتٍ متعددة بين توقيع كتب جديدة لمؤلفيها وإطلاقها في هذا المعرض كمناسبة رسميّة وتاريخ مهم في انتشار الكتاب الجديد والمؤلَّف السوري القيّم، إضافة إلى صالة السينما التي حملت مجموعة من العروض السينمائيّة تمّ إدراجها في أيام المعرض ليتمّ استقطاب الزائر نحو هذه السينما السوريّة التي تعدّ جزءاً من المشهد الثقافي السوري، وهي ما يعوّل عليها كثيراً في المستقبل القريب.

كشف الأقنعة
تتألق عيون الزائرين في يوم الافتتاح فرحاً بهذه العودة المظفرة بالنجاح، وثقافة الثبات والبقاء، والدالة على الانتصار القادم كمؤشر مهمّ للشعب السوري، وفي هذه المناسبة التقينا العديد من الشخصيّات التي أدلت بدلوها لنا في هذه المناسبة العزيزة، ومن بينها كانت الأديبة «كوليت خوري» التي ذكرت لنا في هذه المناسبة: «الحياة مستمرة والعدوان على سورية بدأ يتضح للعالم أجمع، فعندما كذبوا على الناس بأن هناك حرباً أهلية داخل سورية كان هناك عدوان كوني عليها، واليوم وبعد استمراره خمس إلى ست سنوات تبين أن هذا الشعب العظيم والجيش العظيم والشباب العظيم والرئيس العظيم ولغة الاستمرار والصمود كشفوا الأقنعة كلّها، على الرغم من استمرارهم في كذبهم على مدى الأيام، وبعد مرور هذه السنوات وضحّ كذبهم تماماً، وظهرت الحقيقة أننا نحن في سورية صامدون أمام عدوان منحط، وأننا مصممون على النصر، واليوم في هذا الحدث نؤكّد أن أحوالنا لن تتغير بل نستمر في حياتنا ونصرّ على التآلف بين طوائفنا وبين الأديان والأعراق، وأنا أتأسف على ما حدث، ولكن الفائدة التي نستوضحها أن الأقنعة سقطت عن الوجوه وعرفنا الجميع على ماهيتهم».

عودة الألق
عبّر عن انطباع فرحه والمشاعر التي عادت به إلى الماضي في دورات المعرض الأولى، فكانت هواجسه مزيجاً من السرور واستقراء إشارة النصر، فقال الأستاذ «سعد القاسم»: «لقد حضرت المعرض منذ دوراته الأولى وتابعتها كلّها، أمّا اليوم فلدي بهجة خاصّة، وأشعر واستذكر فترة ألقه ونشاطه السابقة، فهناك تنظيم واضح، والحضور النخبوي في حفل الافتتاح كبير ومُشرّف، وكلّ ذلك مؤشراً على أن هذا المعرض ودلالته الرمزيّة هي المؤشر لعودة سورية إلى ألقها».

ولاّدة بالإبداع
يشبّه هذا اليوم بعيد للثقافة السوريّة ويقول مدير مديريّة المعاهد الموسيقيّة والباليه «محمد زغلول»: «إن عودة المعرض بعد غيابه هو دلالة على أن سورية ولاّدة بالإبداع والثقافة، فهي بلد الأبجديّة، ووطن الحضارة، ومن الطبيعي أن نجد كلّ هذا الإقبال الكبير، والوجوه طافحة بالفرح، بسبب هذه المناسبة العزيزة، وهذا يدل على أننا متعطشون للثقافة، ولا يمكن للحضارة أن تزول بين يومٍ وليلة، وحتى لو غاب المعرض عدداً من السنوات فإنه يعود اليوم، بدليل وعي وزارة الثقافة السوريّة ومن قاموا بهذا المعرض فهم يواجهون ما تريده هذه الحرب التكفيريّة بالتوازي مع تضحيات الجيش العربي السوري، وتقديراً لأرواح الشهداء الأبرار، فالمعرض يحاول إعادة الكتاب لحضن كلّ مواطن، لأننا بحاجة لزيادة الوعي اليوم، وتثقيف الناس في شتى المجالات، والمعرض يخدم هذه المجالات، والكتاب حالة ضروريّة لكلّ فرد من أفراد عائلاتنا، وفي ظل هذا الغزو الإلكتروني لا بدّ لنا من الاهتمام بالكتاب أكثر، لأن الكتاب هو الأساس الثقافي لأي إنسان».

عرس حقيقي
يضيف رئيس اتحاد الكتّاب العرب د.«نضال الصالح»: «نعيش اليوم عرساً بالمعنى الحقيقي، لكنه عرس حقيقي بامتياز، عرس دأبت على تثميره الثقافة السوريّة على الرغم من هذا الانقطاع الذي استمر نحو 5 سنوات. فإن نعيد الفرح إلى أرواح السوريين، وأرواح المعنيين بالمعرفة، والثقافة، فهذا دليلُ أن نثبّت إرادة الحياة لديهم، واليوم هذا العرس الثقافي به نثبت إرادة الحياة، ونحن في اتحاد الكتّاب العرب شركاء أساسيون في هذا المعرض، ونتشرف أن نعدّ ونشرف على هذا المعرض مع جهتين هما وزارة الثقافة، واتحاد الناشرين العرب. وأقول مشاركة ما يزيد على 70 دار نشر عربيّة وسوريّة في أول افتتاح لهذا المعرض بعد الانقطاع لا يعني مؤشراً إيجابياً بامتياز فحسب، بل يقدّم غير إشارة إلى أن البدايات بالقدر الذي تكون فيه عظيمة سيكون الحصاد عظيماً، ونحن في اتحاد الكتاب العرب نعبّر عن غبطتنا لما أنجزناه لسورية التي نحبّ ونعشق، من أجل سورية التي يدافع عنها رجال حقيقيون بعضهم في ساحات المعارك وبعضهم في جبهة الكلمة التي نحن جزءٌ من صنّاعها وسنبقى جزءاً من صنّاعها».

بداية مشرقة
وصفت بدورها د.«لبانة مشوّح» مشهد الافتتاح الذي تابعته منذ البداية: «رؤية هذا الحشد الكبير من الجمهور من غير المدعوين الرسميين؛ هي أكبر دليل على تعطّش الناس للتظاهرة الثقافيّة، فقد اعتادتها دمشق بل اعتادتها المنطقة العربيّة. معرض الكتاب العربي معرضٌ متميزٌ بكلّ المقاييس والتعابير، للأسف الفترة الصعبة ما زلنا نعاني من تبعاتها، لكننا من حيث الأمن والأمان في دمشق والأماكن الأخرى أصبحنا قادرين فيها اليوم على إعادة إحياء المعرض، وربما ليست كلّ دور النشر التي اعتادت المشاركة في المعرض هي مشاركة اليوم، لكن هذه بداية، وبداية مشرقة وجيدة، وأملنا أن تكون أقوى في الأعوام القادمة، وبمجرد إقامة هذا المعرض يتشكّل لدينا دليل هو أن دور النشر الأخرى تستطيع أن تأتي إلى دمشق من دون خوفٍ ولا وجل، ومن دون حياء لأن الأقنعة سقطت، وبان الحق من الباطل، والجميع يعترف بأن ما حصل في سورية هو جريمة كبيرة وإن شاء الله فستستعيد ألقها قريباً. وأقول كلمتي للشباب: «نحن شعب ليس بالهمجي، ونحارب الهمجيّة بالثقافة والفكر، وأنتم شباب اليوم عدّة الغدّ وبكم تنهض الأوطان».

لغة التمييز
د.«محمود السيّد» عضو مجمع اللغة العربيّة حدّثنا عن العودة وعن أهمية الكتاب وأهمية القراءة والتزوّد بالمعرفة: «جميلة جداً هذه العودة، بعد هذا الانقطاع الذي حدث بسبب ما مرّت فيه سوريّة، ومعرض الكتاب هو غذاء بكتبه الموجودة، غذاء للفكر والضمير والوجدان، وكما قال أحد الحكماء: إذا أردت أن تكون كالمصباح فعليك أن تمتلك زيتاً، فدائماً على الإنسان أن يطّلع على كلّ جديد، والكتاب هو سبيل الإنسان للاطلاع على المعرفة شرط أن تكون الكتب هادفة وملتزمة، لأن كلّ ما تقع عليه عين الإنسان ليس بالضرورة أن يكون مفيداً للعقل، فنحن في عصر العولمة التي فيها ما يفيد العقل وما لا يفيده، فعلينا أن نميّز بين الغثّ والسمين وبين ما يلائم الأمّة وما لا يلائمها، وما يفيد المجتمع وما لا يفيده، بين الخبرات المربية والخبرات غير المربية، وتلك المربية هي التي تنعكس خصباً ونماءً على الفرد والمجتمع، ومن هنا علينا أن نواكب دائماً المستجدات في حياتنا المعاصرة من خلال الكتاب، وهو خير جليس، وخير صديق، وهو الصديق الصدوق الذي لا يخون».

قلب دمشق
عميد المعهد العالي للفنون المسرحيّة د.«تامر العربيد»: «ملاحظة الفرح في وجوه مرتادي المعرض هي ملاحظة مهمّة جداً، والأهمّ من ذلك هو عودة المعرض إلى هذا المكان، أي رحاب مكتبة الأسد، في قلب دمشق، ساحة الأمويين، وهذا ما يؤكد أن الثقافة جزء أساسي في حياتنا وأن الحياة مستمرة في دمشق، ويجب أن تستمر في سورية، وما حدث اليوم هو انتصار للحالة الثقافيّة التي تعني الإنسان السوري، وأعني بها أنها ثقافة الحياة، وثقافة القراءة، وثقافة البحث، ففقدان ذلك هو أمرٌ محزن، والعودة هي الأمر المُفرح، والعودة تبيّن لنا أن الثقافة ما زالت هي الواجهة التي تؤكّد أن الحياة تستمر. بالنسبة لشبابنا اليوم فأقول لهم: افتقدنا كثيراً للورق وطغت وسائل الميديا على رائحة ورق الكتب، وحسّ الكتاب ومعناه، والمعرض يؤكّد أن العودة للكتاب أمرٌ ضروري، ولا شيء يُغني عن القراءة منه، ففعل البحث، وجني المعرفة، وإطلاق العنان للخيال، وأمور كثيرة ترتبط بصورة أساسية بفعل القراءة من الكتاب، وإقامة هذا المعرض أمرٌ ضروري لدعوة الشباب للعودة إلى الكتاب».

الساخر يخرس
أطلق الكاتب «حسن م يوسف» عدّة ملاحظاتٍ في يوم الافتتاح ذكرها لنا: «هذه أول مرّة يصدر لي كتاب لدى اتحاد الكتاب العرب، وهي المجموعة القصصيّة «الساخر يخرس» وهي مشاركة في المعرض، ومن ثمَّ لي حصّة في هذا المعرض، وفرحتي كبيرة في هذا الحراك والنشاط، فبكلّ بساطة له بُعدٌ رمزيّ، وقد غاب عندما بدأت الهجمة الفاشيّة على سورية، والعودة هي انكسار وانكفاء لهذه الهجمة الظلاميّة، ففرحتي بالدلالة أكبر من الحدث بحدّ ذاته. الكتاب جميعنا يعلم أنه مظلومٌ والكاتب مظلومٌ أيضاً، فالدخل لا يساعد أحداً على القراءة ولا على شراء الكتاب، فالحرب سرقت منا لقمة عيالنا وسرقت منا كلّ شيء، بل أبهى الأبناء فقدناهم، ولكن إذا لم نستفد من التضحيات التي قدّمها شعبنا فسنكون قد أضعنا الدرس».

سورية تتعافى
جاءت كلمة السيناريست «محمود عبد الواحد» الذي حضر حفل افتتاح المعرض، في عدّة اتجاهات فقال: «الحدث مهمّ جداً، ومفصلي في حياتنا، فبعد 5 سنوات من الغياب يعود المعرض إلى مكتبة الأسد مع هذا الجمهور الكبير، وهذه دلالة بأن سورية تتعافى، على الرغم من كلّ الجراح، وستبقى تتعافى، وأنا متفائل جداً بما حدث. وبالنسبة للشباب اليوم أريد أن أقول لهم وأسألهم كيف يمكن للإنسان أن يوسع مداركه المعرفية والفكرية، من دون فعل القراءة؟! الطرق اليوم باتت كثيرة سواء من خلال الكتاب أم عبر الشاشات أم بالطرق السمعيّة، المهمّ أن يسعى المرء إليها، وبالمناسبة قريباً هناك مشروع سيتمّ إطلاقه بعد مدّة بسيطة في ميدان المكتبة الإلكترونيّة التابعة لوزارة الثقافة، وإطلاق الكتاب الصوتي وكلّ ذلك سيكون بين يدي الشباب قريباً جداً».

فعل صعب جداً
يشير المسرحي «موسى أسود» إلى أن دور المؤسسات مهم جداً في جذب القارئ للكتاب، وهي عملية تحتاج إلى الرعاية والبدء بها من المراحل الأولى: «فعل القراءة فعل مؤسساتي بامتياز، فبناء علاقة مع الإنسان يبدأ من المدرسة صعوداً بمراحلها وانتهاءً بالوسط التعليمي الأكاديمي، وأقصد بالمؤسسات بدءاً من وزارة الثقافة. اليوم يمثّل عودة مباركة لهذا المعرض بعد انقطاع دام 5 سنوات، وهو من الفسح التي تجعلنا نتواصل مع أحدث النتاجات، فما زلنا نعاني الحرب المركّبة التي تُشنّ على البلاد، وكلّما كان لدينا حصانة معرفيّة، وفكريّة، واقتصادية وغيرها، سيكون لدينا المقدرة على مواجهتها، ومن ناحية ثانية القراءة تساعد على البنى الأفقيّة والعموديّة لبناء المجتمع، وكلّما كبر العقل المعرفي تجاوزنا الأخطاء والبدهيات التي تقودنا إلى التلاشي، ففعل القراءة هو فعل صعب وفي عالم العولمة والاتصالات البصرية وصلنا إلى عدم وجود علاقة مع الكتاب وهذه أزمة حقيقيّة، ولدينا في العالم العربي اليوم نحو 100 مليون أمّي، فنحن بحاجة إلى ثورة في اعتقادي لمواجهة ذلك، وباعتقادي إنها مسؤوليّة المؤسسات في قطاعاتها العامة أو الخاصّة. أمّا الدلالة على ما يحدث اليوم فأقول: من هذه المكتبة العريقة التي تضم مئات الآلاف من الكتب وبالعودة منها للتأسيس لانطلاقة جديدة بعد هذه الحرب قد لا توازي الدورات السابقة لكنها تشكّل نقلة نوعيّة ونحن بحاجة إليها بشكل دوري سنوي وبشكل فصلي أيضاً، ولمَ لا تكون في المحافظات السوريّة أيضاً وبمعنى آخر لمَ لا يكون لدينا ثورة حقيقيّة لطباعة الكتاب وتدعمه كل المؤسسات في القطاعين العام والخاص وتحديداً الكتب التي تدعو إلى العقلانية والتنوير».

مظاهر الفرح
«حسن حميد»: «ككاتب وأديب أنا في غاية الفرح وغاية الاعتزاز أن معرض دمشق الدولي للكتاب يعود على الرغم من هذه الكوارث الكبيرة التي لحقت بنا في السنوات الخمس السابقة. وهذه رسالة موجّهة باتجاهاتٍ عدّة للمثقفين والأدباء والكتّاب ولكثير من الناس الذين يريدون أن يكتبوا أو ينشروا أو الذين يبثّوا زيفاً عبر المحطات بأن بلادنا تعاني وواقعة لا محالة، فاليوم رسالة الكتاب موجّهة للكبير والصغير، للصديق والعدو، للصديق بأننا بخير، وللعدو بأنه هُزم من خلال الكتب التي نراها اليوم ومن خلال حضور الناس والأُسر السوريّة، ودور النشر الكثيرة، وغير ذلك من مظاهر الفرح، فهذه رسالة حقيقيّة تقول: إن بلادنا بلاد المعرفة، هي بلاد الكتاب، وها نحن نعود إلى هذه المعرفة، فنحن في غاية الفرح. وأدعو شبابنا وكلّ من يسمعنا ويعلم بأن المعرض قد عاد، بأننا سنبيع هذه الكتب ربما بلا أثمان، وعليهم أن يأتوا ويتزودوا بهذه الكتب وهذه المعرفة انتقاماً من هذه السنوات الخمس التي مرّت».

تجارة الكتب
التقينا د. «علي موسى» الذي كان سعيداً باستعداده لتوقيعه كتابه الجديد «بانوراما كونيّة» ضمن فعاليات المعرض وفي جناح مجلة الأدب العلمي: «لديّ كتاب هو خلاصة ما وصل إليه العلم في الأبحاث الفلكيّة، سيتمّ توقيع الكتاب خلال فعاليّات المعرض، وهذا يعني لي كثيراً، وأشكر مدير مجلة الأدب العلمي الدكتور «طالب عمران»، وأنصح الشباب بالقراءة والتوجه إلى الكتاب لكن ما أريد الإشارة إليه هو التجارة الرهيبة التي يلعب بها من يطبع الكتاب وينشره، وهذا الأمر غريب جداً، وارتفاع السعر هو ما يُبعد الشباب عن الكتب والقراءة، ويتجه نحو الإنترنت».

خطوة مبشرة
يوضح لنا الأستاذ «أكثم حمادة» ملاحظاته حول المعرض والعودة: «هو محاولة حضاريّة لمقاومة الطمس الفكري، وتحويله إلى مجتمعٍ همجيّ، وإلغاء الشخصيّة العربيّة المثقفة، من خلال تدمير الآثار ومنع التجمعات الفكريّة، وهذه الخطوة على الرغم من تواضعها ولكن الحضور كبير وكثيف، وهذه خطوة مبشرة، ويدل بأن مجتمعنا حيوي، على الرغم من الهجرة الكبيرة للمثقفين خارج البلد التي حصلت، لكن بقي هذا التعطش للثقافة بعيداً عن التفكير الديني المتطرف، وأتمنى عودته مهرجاناً فكرياً كبيراً وضخماً كما كان، وأن تعود دور النشر للمشاركة لاسيما «مصر» والتي تُعدّ بحضورها ركناً مهمّاً في المعرض على صعيد الرواية والتحليل السياسي وغيرها، ولكن الجميل أن سورية على الرغم من ابتعاد الكثيرين عنها إلا أنها قادرة على النهوض بمقوماتها ونشر الوعي والثقافة».

شغف السوريين للكتاب
الشاعر «أحمد السح»: «تعدّ هذه العودة في هذه الظروف، وبعد الانقطاع، عودةً مظفرة، وعودة أرجعت إلينا حالة من الاحتفال اشتاقت إليها دمشق، ويعدّ مستوى الإقبال من حيث الشباب، ودور النشر المشاركة، والنخب التي زارت المعرض، ووجودها في اليوم الأوّل، كلّه يعبّر عن حالة الشغف للسوريين وحالة العشق العميقة مع الكتاب. وأنا سعيد بوجود كتابي «كلّ لغة لي وكلّ حرفٍ لكِ» بين كتب المعرض، فلي الشرف أن يكون اسمي موجوداً بين الأسماء الكبيرة، ومع الكتب القيّمة».
كان هذا الرصد في اليوم الأول للمعرض الدّولي للكتاب الذي حمل افتتاحاً كرنفاليّاً وحضوراً كثيفاً للناس ومقتني الكتاب، والذي احتضنته مكتبة الأسد فكان رسالة رمزيّة مهمّة جداً، وضرورة حضاريّة تعني أن سورية تستطيع النهوض والمقاومة والاستمرار في الحياة على الرغم من كلّ الظروف القاسيّة التي تضغط على حياتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن