قضايا وآراء

حقاً إنه إنجاز كبير.. لماذا؟

| د. صياح عزام 

على مدى أكثر من أربع سنوات شكلت «داريا» معقلاً ثابتاً للمجموعات الإرهابية المسلحة أثقل كاهل السوريين والعاصمة دمشق بشكل خاص، وعنواناً لاهتمامات المبعوثين الدوليين إلى سورية خاصة منهم دي ميستورا، ومحور تقارير للسفراء والمتابعين الدوليين للأحداث السورية. وقد راهن عليها داعمو ورعاة وممولو الإرهاب بأن تبقى بمنزلة بارومتر مشروع حرب استنزاف لسورية، ومعقد أمل لهم لتسلل الضعف إلى بنية الدولة السورية، ذلك أن المتابعين للحدث السوري يعلمون أن داريا كانت المرتكز للجيوب الإرهابية المتمركزة في دمشق وريفها، والتي تتطلب جهود نحو عشرة آلاف مقاتل سوري للتعامل معها، كما يعلمون أن الحسم في داريا سيقود إلى الحسم في أماكن أخرى، بمعنى أن القضاء على الجيب الإرهابي في داريا سيضرب بقوة على أعصاب الجيوب الأخرى في العاصمة وحولها، هذا في الوقت الذي زج فيه رعاة الإرهاب في داريا محترفي الحروب، وأحدث أنواع الأسلحة والذخيرة وأجهزة الاتصالات المتطورة، هذا من الجانب التعبوي العسكري.
أما من حيث الموقع الاستراتيجي لداريا فيمكن الإشارة إلى عدة نقاط مهمة، فهي أقرب مواقع المسلحين من العاصمة دمشق، وتحديداً من مؤسسات الدولة المركزية: من رئاسة الدولة إلى رئاسة الحكومة ومن ساحة الأمويين وسط دمشق، وتقع على جدار مطار المزة في مدخل دمشق الغربي، وتمتد على طول نصف دمشق تقريباً، ولهذا كانت تستنزف قوة مركزية تشكل عصباً مهماً في البنية المقاتلة للجيش السوري، ومن ثمَّ، فإن الحسم فيها سيؤدي إلى بدء التضعضع في الجبهات الأخرى في محيط العاصمة، من جوبر وزملكا وخان الشيح ومخيم اليرموك وصولاً إلى دوما وامتداداتها.
ومما يجدر ذكره أن الجيش السوري اتبع خطة في داريا تقوم على القضم التدريجي لمناطق سيطرة المسلحين، حيث لم يبقَ منها حتى ليلة استسلام مسلحيها إلا أقل من الربع فقط؛ الأمر الذي دفع أولئك المسلحين إلى الاستسلام والقبول بإبرام اتفاق تسوية لإخلائها منهم ومن سلاحهم.
إذاً، يمكن القول: إن داريا ليست مجرد موقع حربي فقط، فهي في قلب دمشق كما أسلفنا، وممسكة بكل جبهاتها، وهي أقدم الجبهات في محيط العاصمة، وبقاؤها كان محور رهانات رعاة وممولي الحرب على سورية، وبعد تحريرها كل شيء سيتغير بالنسبة للمشهد العسكري في سورية، والأهم أن ميزان القوى النفسي والمعنوي بين الجيش السوري والإرهابيين سيكون مختلفاً عما كان عليه.
إضافة إلى ذلك، يشكل تحرير داريا إنجازاً كبيراً من إنجازات الجيش العربي السوري يصب في خانة فرْط عقد المجموعات الإرهابية المسلحة داخل المناطق المحيطة بالعاصمة، حيث سيقطع الارتباط والتواصل العسكري الجغرافي مع الريف الجنوبي ومحور خان الشيح والقنيطرة، وسيوسع الطوق الجغرافي الآمن في محيط العاصمة، وصولاً إلى الغوطة الشرقية.
من جهة أخرى، فإن قوى النخبة المقاتلة في الجيش السوري التي كانت مناطة بها مهمة حماية العاصمة، يمكن أن تتوجه إلى جبهات ساخنة أي في الشمال وخاصة في حلب وغيرها.
باختصار، بعد داريا سيقول الإرهابيون ومن يقف خلفهم، ماذا سنفعل أكثر من ذلك بعد سقوط هذا الموقع المهم؟ ومن ثمَّ سيكون تحرير داريا مقدمة لتحرير مناطق أخرى حول العاصمة دمشق وغيرها حتى يتغير المشهد العسكري على امتداد الجغرافيا السورية كلها بإذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن