ثقافة وفن

العقل السوري لمّاح لو منح الإمكانات لكنا نحلق في الفضاء منذ زمن … طالب عمران لـ«الوطن»: كلّ ما يحدث الآن وما سيحدث هو ضمن كتاباتي وتصوراتي

| عامر فؤاد عامر

تفرّد في لغة أدب الخيال العلمي على الصعيدين المحلّي والعربي، وتضمّنت مؤلفاته الثلاثة والثمانون لغة من التنبؤ لتاريخ المستقبل القادم. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة التفاضليّة والفلك من جامعة «عُليكرة» في الهند، وله باعٌ في لغة التعليم والتدّريس في جامعاتٍ عدّة في سورية، والجزائر، والهند، وسلطنة عُمان. يُتقن عدداً من اللغات، وله العديد من الأبحاث العلميّة، كما كان ممثلاً للعرب في مؤتمراتٍ علميّة، وأدبيّة عالميّة، وحصد جائزة أفضل رواية عربيّة في أدب الخيال العلمي في تقرير المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم «أليسكو» عن رواية «الأزمان المظلمة». في رصيده برامج تلفزيونيّة وإذاعيّة كثيرة، منها «ظواهر مدهشة» المستمر في إذاعة دمشق كلّ يوم اثنين، والذي تجاوز عدد حلقاته الـ1000 حلقة.
الدكتور «طالب عمران» وحول مادّة الخيال العلمي، وشروطها، ومواضيع أخرى يجيبنا عنها في هذا الحوار:

تعدّ مادة الخيال العلمي مادّة مشوّقة لشريحة الشباب خصوصاً. فإلى أي مدى وجدت أنها مؤثرة فيهم؟
مادّة الخيال العلمي يمكن أن تكون مادة مقررة في المناهج المدرسيّة، ويمكن أن تكون في مناهج الجامعة. ويجب أن تكون حتميّة في مفردات المناهج، وذلك لسبب مهمّ جداً، وهو أنها مادّة تهتم بالمستقبل، فكاتب الخيال العلمي الجادّ يهتمّ بالمستقبل، لأنه مؤرخٌ للمستقبل، وإن كان جاداً فعلاً، فهو يطلّ على المستقبل في إطلالةٍ فيها الكثير من المعطيات التي قد تتحقق فيما بعد. فمادّة الخيال العلمي تقدّم المتعة في القراءة، والإحساس الإنساني، لأنها تعتمد على النزعة الإنسانية الواسعة جداً التي يمكن أن تستوعب الوجود الإنساني بتاريخه العريق حتى المستقبل القادم.

التأريخ للمستقبل هو لعبٌ في مساحةٍ خطرة، لأننا لم نعشْ هذا المستقبل بعد، فنحن في الحاضر. ألا يزعجك الوقوع في بعض الأخطاء فيه؟
أكتب عن المستقبل، ولكن كتاباتي عن المستقبل، ومنذ زمنٍ طويل جداً، تتحدّث عن الفوضى القادمة. وأذكر منها كتاب «أسرار في مدينة الحكمة»، الذي صدر في أوائل الثمانينيات، وتحدّثتُ في هذا الكتاب بمجموعة من القصص، من بينها قصة متعددة اللقطات اسمها «أوراق في مدينة هجرها الحبّ»، وعندما تقرأ الناس تلك القصّة تقول: من المستحيل أن تكون هذه القصة قد كتبت في ذلك الوقت، لأن كلّ ما هو مذكور فيها، يقع في وقتنا الحالي». أيضاً هناك روايات نشرتها ضمن هذا السياق، ويحمل بعضها شيئاً من التشاؤم، مثل «الأزمان المظلمة»، التي كتبتها مع أحداث 11 أيلول، ولكن قلت فيها إن ما سيأتي بعد أحداث 11 أيلول يختلف كثيراً عما سبق، وكانت تصوّراً لقرنٍ بدأت ملامحه المرعبة منذ تلك اللحظة، فكلّ الأحداث التي ذكرتها موجودة اليوم في حياتنا. وقد تُرجمت للغة الفرنسيّة من الكاتب «هادي عيّاد» من تونس، ونشرت في عام 2009، ونالت جائزة أفضل رواية عربيّة في الخيال العلمي بتقرير «الأليسكو»، وتُرجمت للفارسيّة أيضاً، ونشرت في عام 2016 كطبعةٍ ثانية في تونس، والطبعة الثالثة ستُطبع في فرنسا قريباً. أيضاً هناك الكثير من الروايات التي تتحدّث عن تأريخ مستقبلي، وقع قسم منه في سنواتنا هذه، مثل: «بدء السنوات العجاف»، و«دوائر المحن»، و«نداءات الأرض» وغيرها، فكلّ الكتابات التي كتبتها تتحدث عن الأزمة قبل وقوعها.
هل كتبت شيئاً فيما يتعلق بملامح المرحلة القادمة أي ما بعد الأزمة؟
أقول إن الأزمة التي يمر فيها العالم، وليس نحن في سورية فقط، فهي أزمة كوكب بالمجمل، وهذه الأزمة هي أزمة إنسانية، فالإنسان فيها سيحصد نتائج اللعب بطريقة غير طبيعية في حياته، وسيحصد نتائج كارثيّة مستقبلاً، فهناك مخططون مع الأسف الشديد، موجودون في الدول الكبرى التي تخطط للمستقبل القادم، وهؤلاء المخططون يحاولون بطريقةٍ ما إن يبرمجوا العالم كما يريدون. حتى اللعب في الجينات والهندسة الوراثيّة، والتي ربما تحلّ الكثير من المشاكل للإنسان، كالقضاء على الأمراض التي يعانيها، لكن فيما بعد ستكون النتائج كارثيّة؛ إذا استخدمت بطريقة سلبيّة، لكن الطريقة السلبيّة للعلم هي السائدة في استخدامه الآن، والوجه السلبي هو وجه الجّشع، والأنانيّة، والنرجسيّة، والهرطقة.

كيف يمكن النهوض بعقل الشباب العربي؟ كيف يمكن أن يقبلوا على الكتاب والقراءة؟
بكلّ أسى أقول نحتاج إلى جهود مرعبة حتى نستعيد شبابنا. الآن نحن فقدنا هؤلاء الشباب بطريقة أو بأخرى، ولا نستطيع استردادهم إلا بجهدٍ كبيرٍ جداً، وهذا الجهد يجب أن يكون جهداً دولياً، ومؤسساتياً، وجماعياً، واليوم الحكومات العربيّة والقسم الأكبر منهم يجرون وراء المتعة فقط، ودمار الشعب يستمر بذلك، ومن ثمّ لا يفكرون بهؤلاء الناس العاديين، وهم في الأصل من يبني الأوطان، وهم من يبني المراحل المستقبلية.
أقول ببساطة لدينا مال كثير كعرب، ولكن بماذا نستخدم هذا المال؟ الجواب هو بالتطرّف الدّيني، وبالاستهلاك، وبالاهتمام بالميديا المرعبة، التي تأسر الناس، ومن ثمّ تسطيح الفكر، وتخريب الأجيال، ووضعهم في دوائر ضيقة؛ مثل دائرة نحن على الصح والباقي خطاؤون، وهذه الدوائر الضيقة دخلت بيوت الناس كلّها، وجزء بسيط من الناس يدرك أن كلّ ما يخطط له أو يبرمج بطريقة ما؛ هي ما ينخر عظام المجتمع بشكلٍ وحشيّ. وما يؤسفني اليوم عندما أقارن العقل السوري بغيره أجد فيه أنه عقلٌ لمّاحٌ جداً، ولو منح إمكاناته لكنا منذ زمنٍ بعيد نحلق في الفضاء ببساطة.

كتاباتك مزيج غريب من الميثولوجيا، والآثار، والاكتشافات العلميّة، والفضاء، وغيرها، فكيف لك أن تمزج بينها جميعاً لتخرج فيها بمادّة تفرّدت بها عربيّاً؟
لا أعلم كيف؟! لكني أقولها بشيء من الحزن لست ابن هذا الزمن، ربما فيما بعد قد يتذكرني الناس، ويقرؤون ما كتبت، ويقولون كان لدينا كاتب لم ننتبه إليه، وكلّ ما يحدث الآن وما سيحدث في المستقبل هو ضمن تصوراتي وكتاباتي، وأعتقد أنها قريبة من المنطق العلمي الذي أضعه دائماً في تصوراتي المستقبليّة. وأقول كلّ ما كتبته في 83 مؤلفاً بين قصة، ورواية، وأدب رحلات، وغيرها، كلّها تخضع لهاجسٍ معيّن أتلقفه، وأبدأ العمل به، من دون قصدٍ مني، فأنا أكتب العمل لمرّة واحدة، ولا أقرؤه أبداً، ولا أستطيع مراجعته.

هل الحس التنبؤي من أولويّات الكتابة في الخيال العلمي؟
طبعاً، وقد قلت لك إن كاتب الخيال العلمي يؤرخ للمستقبل، ففي عام 1865 كتب «جول فيرن» من «الأرض إلى القمر»، وفي عام 1969 حطّ الإنسان على سطح القمر. كما تحدّث «جول فيرن» عن غواصة الكابتن نيمو في رواية «عشرين ألف فرسخ تحت الماء» وفيما بعد اختُرعت هذه الغواصة. أيضاً الكاتب «ويلز» الذي كتب «حرب العوالم» مع بداية القرن العشرين، والتي ذكر فيها «الليزر» ثم اختُرع الليزر في عام 1960. يعني هناك قضايا تتحقق كما هي. ومن تجربتي أختار رواية «العابرون خلف الشمس» التي كتبتها 1979 ونشرت فيما بعد باسم «الزمن الصعب» وهذه الرواية تحدثت فيها عن الأرض بعد المذبحة النووية، وفي عام 1987 اجتمع علماء سوفييت وأميركيون، وكتبوا عن المذبحة النووية إذا حدثت فما نتائجها على الأرض، ولو قارنا تقريرهم مع فصل الكوكب المحترق من روايتي فسنجد أنه مطابق لدرجةٍ كبيرةٍ لما قلت. فالعلم يرتبط بالمنطق دائماً.

ألا تعتقد بأن الكون هو دماغ كبير فعّال ويمكن لأدمغتنا الصغيرة أن تستقطب شيئاً من أفكاره وصولاً للحقائق؟
نعم من الممكن أن يكون هذا حقيقة، والإنسان يحلم دائماً ويسافر فيها إلى عوالم أخرى، وأنا أهتم بالفلك بصورة كبيرة فأرحل في أحلامي إلى مناطق كثيرة، وأرى أشياء كثيرة، لكن حالة أن أكتب شيئاً ولا أقرؤه أو أراجعه هو شيء غريب يحصل معي، ومن الممكن أن يكون تبرير هذا الأمر أن الإنسان جزء من توليفة كونيّة له علاقة بها، ومن يملك هواجس معينة مسموح له أن يُطلّ على عوالم أخرى ليستقطب فكرة المستقبل.

كم تمنح الوعي الفلكي العربي والسوري نسبةً؟ وهل تراه فاعلاً في مجتمعنا؟
مع الأسف الشديد أقول: إن الجمعيّات التي انتشرت في بلادنا، هي جمعيّات تعتمد على جمع المعلومات فقط، وتجتهد اجتهادات خاطئة، ولدينا في سورية نحو 11 مختصّاً في مجال الفلك، ولا أحد منهم ينتسب إلى هذه الجمعيّات، لماذا؟ وحتى الجمعية الكونيّة السوريّة لم تعد بنشاطها السابق.
أما الجمعيّة الأخرى «هواة الفلك» فعليهم أن يكونوا أكثر دقّة، وأن يعتمدوا العلم، ومنطقه، فالعلم والبحث العلمي ليس هواية، ويجب على الباحث أن يتعمق في البحث العلمي، ويقدّم الكثير من الجهد حتى يدخل عمق البحث، لا الدخول بصورة سطحية إليه. وأقول لهم كونوا أكثر دقّة ولا يغركم الظهور عبر شاشات التلفزة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن