قضايا وآراء

مؤشرات الميدان في حلب

| صياح عزام 

المعارك الأخيرة في حلب تكاد تختزل الحرب في سورية وعليها كما أصبح واضحاً، وهي الأعنف منذ اندلاع هذه الحرب… فبعد أن حقق الجيش السوري وحلفاؤه اختراقاً نوعيّاً على محاور الملاح والكاستيلو، وجدت المجموعات الإرهابية المسلحة نفسها في حالةٍ حرجة جداً، ولاسيما بعد تحرير منطقة «بني زيد» أكثر المناطق تحصيناً وأهمية وعدائية، كما جنّ جنون أميركا وحلفائها وعملائها، ولاسيما في قطر والسعودية وتركيا، فجاء التصعيد العسكري، عبر زجّ آلاف الإرهابيين تحت اسم «فك الحصار» ومهاجمة نقاط الاختراق النوعية للجيش السوري.
كما ارتفعت أصوات شيوخ الفتنة مثل «القرضاوي» و«عبد اللـه المحيسني» وتم استذكار الإرهابي المجرم «إبراهيم اليوسف» مرتكب مجزرة مدرسة المدفعية عام 1979 وهو الرمز الإخواني الذي غدر برفاقه في العام المذكور في حلب، من خلال تسمية «الغزوة» باسمه.
والسؤال هنا، ما الذي تبحث عنه واشنطن وحلفاؤها وعملاؤها؟ وإلى أين يريدون أن تنتهي الأمور؟ هل يريدون أن تنتصر أدواتهم وتأخذ حلب بضفتيها الشرقية والغربية؟ ثم ماذا؟ هل يريدون تقسيم سورية إلى عدة كيانات ضمن مشروع انفصالي تفكيكي، أم إن الأمر برمته تحضير لمناخ استمرار الحرب على سورية وقتل أبنائها واستنزاف مواردها سنين أخرى؟
إن ما يُسمى المعارضة السورية الخارجية التي قبلت على نفسها أن تكون أدوات رخيصة بيد الخارج، عملت وما تزال على الاستقواء بالأجنبي لتدمير بلدها، مقابل الوصول إلى الحكم وكأنها لم تكتف بذلك، بل وقعت في فخ جديد تجسد في القبول علنياً بالتحالف مع تنظيم القاعدة، (أليس جبهة النصرة سابقاً وفتح الإسلام لاحقاً، هي فرع تنظيم القاعدة في سورية؟)، ومن ثم سارعت للترحيب بهذا التحول الكبير، عبر بيان صدر عما يُسمى «الهيئة العليا للتفاوض»، الأمر الذي سيُعرّي أكثر فأكثر هذه المعارضة وهيئتها التفاوضية، ويؤكد محاباتها الفكر الأصولي للإخوان المسلمين، كل ذلك بهدف الوصول إلى الحكم في سورية. والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه، كيف يمكن للشعب السوري أن يقبل حتى بتقاسم السلطة مع ممثلي تنظيم القاعدة؟
بالأساس المعارضة السورية خاصة الخارجية منها، لا تمثل السوريين من قريب أو بعيد، لأن من اختارها دول معروفة (قطر والسعودية وتركيا)، وبالتالي فهي تمثل هذه الدول التي أوجدتها وموّلتها ودعمتها سياسياً وإعلامياً.
إضافة إلى ذلك، ثمة من يعمل من بعيد (نسبياً) على إدامة المشهد الدامي في حلب لأطول فترة ممكنة، وهو إسرائيل التي ترى أن أمنها يكمن بإطالة أمد الحرب ليس في حلب فقط، بل في سورية بالكامل، وصولاً إلى تفكيك سورية وتقسيمها وتدمير جيشها ومؤسساتها. وعندما نتحدث عن العامل الإسرائيلي في الأزمة السورية، فإن هذا الأمر لا يعني فقط التدخل العسكري المباشر من تل أبيب بين الحين والآخر، عبر قصف بعض مواقع الجيش السوري، إسناداً للجماعات الإرهابية في الجبهة الجنوبية ورفعاً لمعنويات عناصرها فقط، بل يعني جماعات الضغط التي تدين لها بالولاء والقادرة على تشكيل أو صنع قرار السياسة الخارجية لدول كبرى أو على الأقل التأثير في هذا القرار من الولايات المتحدة إلى العواصم الأوروبية وغيرها.
من خلال ما تقدم، يمكن القول أو الاستنتاج بأن أول المستفيدين من معركة حلب، هي جبهة النصرة الإرهابية التي صار اسمها (جبهة فتح الشام)، والتي لعبت الدور الأساسي في الهجمات الإرهابية المتتالية على محور الراموسة- الكليات، مدعومة بالجيش الإسلامي التركستاني الذي وفّر أعداداً كبيرة من الانتحاريين ومن كتائب جهادية حملت على أكتفاها زخم الهجمات المُستميتة على نقاط وخطوط الجيش السوري. ومن الآن فصاعداً، ستصبح جبهة النصرة المنافس الأول لداعش، ليس على اجتذاب الجهاديين والانتحاريين فحسب، بل على قيادة ما يسمى الجهاد العلني في المنطقة، وستتبوأ النصرة مركز القيادة لما يسمى المعارضات السورية بعد تغيير اسمها.
والشيء الآخر، هو أن الأنظمة الإقليمية والدولية التي كانت وراء التصعيد الأخير في حلب قد تعمد بعد فشلها في تحقيق نصر حاسم في حلب لأدواتها على الرغم من الضخ الشديد للمسلحين والسلاح المتطور- إلى فتح جبهة الجنوب التي بدأ الحديث عنها منذ فترة ليست بعيدة، حيث تشير المعطيات الميدانية في درعا إلى قيام جبهة النصرة وفصائل إرهابية أخرى بالتحضير لهجمات على تشكيلات عسكرية سورية في المنطقة الجنوبية، وعلى بلدات سعسع وحضر، إلا أن الجيش العربي السوري سيكون لهم بالمرصاد وسيلقنهم درساً قاسياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن